إن شعار الإسلام هو الحل هو شعار عظيم .. يحتاج لإثبات جديته كشعار أن يطرح البدائل النهائية للواقع المغلوط .. كما وأنه يحتاج لمن يُحسن تطبيقه بمفهومه الحقيقى والذى يبعد عن آليات العمل السياسى المفتقرة فى أحايين كثيرة لمقدرات الأخلاق من صدق وشفافية ان السياسة انما تعنى الكذب أحيانا وتعنى النفاق غالبا كما وتعنى المناورات الخادعة كثيراً ويُغلف كل هذا ثلاث قواعد جميلة المنظر يعتنقها الساسة والقائمين على العمل السياسى بوجه عام ألا وهم (النظرية الميكافيللية) والتى تعنى أن الغاية تبرر الوسيلة كما ونظرية (الممكن والمتاح) تلك التى تعنى أنه مالا يُدرك كله لا يُترك كله وكذا النظرية الحاكمة للسياسة الدولية والتى هى مقتضاها أنه اذا ودعت الاستراتيجية فلن تودعك الاستراتيجية .. بمعنى أنه لايمكن لدولة ما أن تنكفئ على ذاتها مبتغية مصالحها فحسب دونما ارتباط بمصالح الدول الأخرى أو السياسات الدولية المحيطة ولا تأمن فى ذات الوقت احتكاكات الدول الأخرى بها لتحقيق مصالحها هى الأخرى .. بما يعنى جرها وبلا ارادة منها لما لا تطمح اليه ولا ترضاه .. تلك هى الأصول الحاكمة للعمل السياسى بالمفهوم العام والعريق .. فهل لأصحاب هذا الشعار إيمان بتلك الأصول وبهذه الحقائق والنظريات ؟ حقا إن هذا الشعار يضعهم بين أحد خيارين كلاهما أصعب من الآخر فإن هم أمنوا بها فلا يكونوا قد أدوا حق هذا الشعار ولا مضمونه .. بينما إن هم قد أدوا حقه ومضمونه فلن يكونوا فى هذا العصر من الساسة الحاذقين الغانمين لأمن بلادهم من احتكاك الآخر وعدوانه والمحققين لمصالح بلدانهم وشعوبهم .. إذن ما هو الحل لهذه المُعضلة ؟ إن هذا الشعار يا سادة هو فى حقيقته شعار عقائدي بحت يمكن للآخرين من ذوى العقائد الأخرى كالأقباط واليهود أن يرفعون مثله .. شعارا لتكون المسيحية هى الحل أو اليهودية هى الحل .. وفى كل الأحوال لانكون أمام مسلك سياسى صرف أوعمل سياسى بالمفهوم الحقيقى.. ولكى أتثبت من هذه الحقيقة قمت بسؤال أحد الأصدقاء المنتمين لأحد الأحزاب والتى فازت فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة استنادا الى هذا الشعار بدغدغة مشاعر المسلمين دون برنامج حقيقى مقنع أو طرح لبدائل حقيقية إسلامية لكل هذا الواقع المغلوط اثر فساد النظام السابق فسألته : ماهو برنامجكم السياحى وموقفكم من قضية الخمور ولباس البحر والاختلاط بما يعنى السياحة الشاطئية وكذا من قضية الربا وفوائد البنوك التى تسود العمل المصرفي وكذا المرأة والقبطى بما يعنى قضية المواطنة وكذا رأيُكم فى نظريات اللبرالية والعلمانية والتى يعتنقها كثير من النخب والمواطنين وكذا موقفكم من المعاهدات المبرمة والاتفاقيات الثنائية بين مصر والدول الأخرى تحت رعاية المُنظمات الدولية الى آخر كل تلك القضايا التى تحتاج وبموجب هذا الشعار( الإسلام هو الحل) الى وضع بدائل إسلامية ناجعة لا تقبل التأجيل أو التدرج فى التطبيق. أجابنى لفوره بأنه بخصوص السياحة الشاطئية فان لهم موقفا من لباس البحر بجعل شواطئ خاصة بالرجال وأخرى بالنساء رغم ما يؤدى هذا لتفتت العائلة الواحدة المبتغية السياحة الشاطئية معا كما وذكر موقفهم من الخمور وكذا الربا فى المصارف القائمة فانه سيتم توفير الأولى للسائحين فقط بينما الأخيرة فسيتم مقاومتها بإيجاد مصارف إسلامية تقدم القروض الحسنة وبلا فائدة وكذا تعتمد المعاملات السلامية وعلى حد قوله سيتقزم دور المصارف الربوية .. ولقد رأيت فيما ذكر عدم وجود بدائل ناجعة كما يتطلبها وجود هذا الشعار(الاسلام هو الحل ).. وما رأيته فى حقيقته ان هو الا اعمال لقواعد المتاح والممكن التى تعنى أنه - مالايدرك كله لايترك كله - بمعنى التدرج بالإحلال حسب المتاح والمصلحة وكذا الظروف السامحة .. وتلك كلها هى مضامين العمل السياسى الصرف والذى لا يمُتّ لحقيقة الشعار العقائدى المذكور بصلة .. فحينما نقول أن الاسلام هو الحل لابد وأن يكون لدينا برنامج قابل لتطبيق الحدود وبشفافية وبلا مرونة وكذا منع المحرمات فوراً وبشفافية وبلا مرونة اذ تعد المرونة فى تطبيقها عملاً سياسياً صرف .. وهو ذات الحكم فى كافة القضايا محل الحوار والنقاش السابق .. ومن ثم ان لم يستطع هذا الشعار توفير حلول ناجعة وعلاج قسرى نهائى فلا نكون أمام تطبيق عقائدى لهذا الشعار بل ويكون من شأن إعمال هذا الشعار من دون هذه العلاجات والحلول القصرية الناجعة وكما نص الاسلام عليها انما هو خداع للمواطنين وتسول للمكسب السياسى المطموح من ورائه بل ومن شأنه تحقيق مكاسب سياسية على الأخرين اللاعبين المنافسين بلا أدنى عدالة فى المنافسة .. وصار اللاعبون من خلف الشعار فى حقيقتهم لاعبون سياسة كما وغيرهم ولاصلة لهم بمنطوق الشعار الذى يتسترون من خلفه .. لقد قلت لمحاورى: انكم وبموجب ما ذكرت قد قمتم بعمل سياسى صرف يعتمد نظرية المُمكن والمُتاح رغم رفعكم شعار عقائدي كان من شأنه دغدغة مشاعر الناخبين المسلمين الممثلين للأغلبية بما قد حسم لكم أمر المنافسة مع غيركم من الأحزاب السياسية أو المنافسين الآخرين والذين كانوا أشد صراحة واعترافا بأنهم يلعبون سياسة بالمعنى الدقيق ولم يتخفوا وراء شعارات دينية من شأنها أن تجلب لهم كسباً زائفا واجماعاً شعبياً غير حقيقى .. ليت الجميع ياسادة قد مارسوا اللعبة السياسية بشفافية مطلقة بما يجعل هناك ثراء من البرامج الانتخابية ليتمكن الناخب من الموازنة بينها ليختار الأفضل ممن يمثله تمثيلاً حقيقياً غير خادعاً.. فى العالم المتقدم بأسره تأتى النجاحات عبر طرح البرامج والأهداف بينما فلدينا توضع البرامج والأهداف بعد حدوث النجاحات ليكتفى الجميع لدينا من قبلها بالشعارات وحسب وصولاً لدغدغة مشاعر الناخبين .. لذا أعود اليك قارئى متسائلاً من جديد : هل ترى شعار (الإسلام هو الحل ) هو شعارٌ ديني أم تسولٌ سياسي؟! ..