الدكتور محمد مسعد اليمانى تحدثت فى مقال سابق تحت عنوان " الإقتصاد فى غرفة الإنعاش " والمؤرخ فى 20 مارس 2016 على أن هناك تباطؤا فى الاقتصاد العالمى وان منطقة اليورو تواجه مأزقا صعبا قد يؤدي الي التدهور الحاد فى عدد من هذه الاقتصاديات القوية وبالتالي فإن قدرة هذه الاقتصاديات علي دعم الاقتصاد المصري أصبحت محدودة، فضلا عن تراجع أسعار النفط العالمية الى مستويات تاريخية محدثة بذلك ضغوطا متزايدة على مصادر الدخل الرئيسية للدول البترولية ومنها دول الخليج العربى وماتبعه ذلك من ظهور معوقات على صعيد السيولة فى تلك الدول , وتأثيره المباشر على انخفاض الانفاق الحكومى للدول البترولية التى تقوم اقتصادياتها على سياسة الانفاق الحكومى فى معظمه لتدوير عجلة الإقتصاد, وأشرت أنه لابد وان تكون هناك نظرة مغايرة وسيناريو آخر للتعامل مع الاحداث الجارية فى ظل تدهور حالة الافتصاد المصرى فى ظل معطيات : 1- عدم قدرة دول الخليج العربى ( السعودية – الكويت – الإمارات ) على الإستمرار فى دعم الإقتصاد المصرى, سواء من خلال إستثماراتها المباشرة أو من خلال المنح والمساعدات والقروض. 2- تباطؤ الاقتصاد العالمى , وانخفاض اسعار البترول والتأثير الغير مباشر على إنخفاض إيرادات قناة السويس . 3- تراجع السياحة لمستويات متدنية وانخفاض العوائد من ورائها . 4- اتساع الفجوة بين مدفوعات الاستيراد ( 80 مليار جنيه ) وعوائد التصدير ( 20 مليار جنيه ) 5- ضعف الاستثمارات وانحسارها فى الفترات الاخيرة. وأكدت على دور الدولة فى الخروج بنا من سياسة المسكنات التى ستؤدى بنا الى الغيبوبة الناتجة عن زيادة الجرعات والنتيجة الحتمية هى الموت او على أضعف الايمان الشلل . مع التأنى فى المعالجة فى ظل غيبوبة الاقتصاد , مع عمل جرعات تنشيطية للاقتصاد للخروج به من غرفة الانعاش , ومن ذلك : 1- عدم التعويم الكامل للجنيه , حتى لايتم إحداث أزمة فى سوق الصرف النقدى تستنزف رصيد الاحتياطى النقدى من العملات لدى الدولة . 2- التعامل بالجنيه المصرى وتشديد التعامل بالعملات الحرة فى المعاملات الداخلية . 3- تشديد الرقابة على سوق الصرف لوقف استنزاف تهريب الاموال للخارج بالعملات الحرة 4- تشديد الرقابة على البنوك لمتابعة عمليات غسيل الاموال . 5- وقف تنفيذ المشروعات التى لاطائل من ورائها حاليا مثل مشروع تكملة توسعة قناة السويس او العاصمة الادارية الجديدة. 6- وضع آليات عمل جديدة لرقابة بطاقات الأئتمان الصادرة لأصحاب الحسابات البنكية فى مصر وتخفيض الحدود العليا للسحب النقدى من العملات الحرة من خلال وضع سقف للسحب يتم بعده احتساب سعر الصرف على اساس سعر الصرف البنكى مضافا اليه 15% عمولة سحب . وبالفعل على مدار السبعة شهور الماضية قامت الدولة بعمل إصلاحات جزئية غير فاعلة لدفع عجلة الإقتصاد , غير أن قرار تعويم الجنيه المدار والذى صدر بتاريخ 04/11/2016 , قد عصف بتلك الإصلاحات ,ذلك أن الارتفاع الحاد فى الاسعار لم يواكبه إرتفاع مماثل فى عرض النقود المتمثل فى جزء منه فى دخول المصريين . حيث أن المرتبات زادت خلال عام 2016 بنحو 10 % فى حين أن ارتفاع الاسعار وصل الى نحو 80 % للسلع الرئيسية , فضلا عن تقليص وتخفيض الدعم عن معظم السلع الرئيسية . وحيث أن دخول قطاع كبير من المصريين مربوط بمنظومة الدعم , بمعنى تدنى رواتب الغالبية العظمى من موظفى الجهاز الادارى للدولة نظرا لدعم القاسم الاكبر من إحتياجاتهم من ( مياه – كهرباء – غاز – بنزين – مواصلات – مواد غذائية , ........... الخ ) لذا أصبحت دخول المصريين لاتكفى لمجاراة ذلك الارتفاع الحاد فى الاسعار . والآن ماذا بعد تعويم الجنيه وتحرير سعر الصرف ؟ هل هناك من وصفة تخرجنا من هذه الأزمة , فى تقديرى أن أيجاد آلية لسعر صرف الجنيه أمام سلة العملات هو محور حل المشكلة , إذ أن آلية سعر الصرف العنصر المحوري في الموضوعات التى تتناول السياسات النقدية والمالية العامة للدولة , إذ تعد آلية سعر الصرف محور إرتكاز تدور حوله السياسات النقدية للدوله فى ظل وجود إختلالات هيكلية فى ميزان المدفوعات , خاصة فى ظل أنحسار الاستثمار وانخفاض حركة النقد الاجنبى الداخل لمصر , والاختلال الواضح بين سياسات التنمية الإقتصادية والاجتماعية الغير متوازنة والمتكافئة التى أثقلت المديونية الداخلية والخارجية . ومن هنا فإن سياسة سعر الصرف تعد محور ارتكاز للنهوض بحركة الاقتصاد . وعودا على تعويم سعر الجنيه وهو جعل سعر الجنيه يتحدد أمام سلة العملات الاجنبيه بناء على آليات العرض والطلب , فإن التعويم الذى حدث للجنيه خلال فترة السبعة شهور الماضيه قد أفقده نحو 85 % من قيمته , وكان يمكن أن نبرر للدولة هذا الاجراء إذا كان التعويم تم من خلال آليات معلنة وواضحة ومفهوم الغرض من ورائها , فإذا كان التعويم تم من أجل عملية إحداث توازن فى ميزان المدفوعات عن طريق تشجيع الصادرات, فإن نجاح هذا الإجراء يتوقف على توافر مجموعة من الشروط: 1- توافر الطلب العالمى او الاقليمى على المنتجات المصرية . 2- قدرة الجهاز الانتاجى للدولة بقطاعيها الخاص والعام على تلبية إحتياجات الطلب العالمى . 3- ضرورة توفر إستقرار في الأسعار المحلية للمواد الخام والخدمات حتى لاترتفع تكاليف السلع والخدمات المؤداه بشكل كارثى يؤدى إلى خسائر على المنتجيين . 4- إستجابة السلع المصدرة لمواصفات الجودة والمعايير الصحية الضرورية للتصدير. وهذه الشروط جميعها لاتتوافر حاليا فى ظل الممارسات الفعلية على أرض الواقع . ومن هنا فإذا كان الغرض من التعويم (إحداث توازن فى ميزان المدفوعات عن طريق تشجيع الصادرات ) فلابد للدولة من دراسة النقاط الاربع السابقة والتعامل معها بجدية من خلال الترويج للمنتجات المصرية ( منتجات – خدمات – ترفيه وسياحة ) وتهيئة مصانعها المعطلة وحل مشاكل التصدير .... الخ مع ضرورة قيام الدولة والبنك المركزى من اتخاذ خطوات هامة بأقصى سرعة , منها: 1- رفع سعر الفائدة على الودائع المحلية لتعويض خطر إنهيار العملة، مع تحفيز الأفراد علي حيازة العملة المحلية، وإحلالها محل العملة الأجنبية في مدخراتهم، ومن ثم تدعيم القيمة الخارجية للعملة المحلية في مواجهة العملات الأجنبية مع عمل آليات لتنظيم فوائد القروض بحيث لاتؤثر على برامج التنمية , من حيث تحمل الدولة لجزء من أعباء تلك القروض كجزء من الحوافز الضريبية للشركات المحلية والمستثمرين . 2- التعجيل بالحصول على قرض البنك الدولى , وضخ الدفعة الاولى فى سوق النقد للحد من المضاربة على الدولار والنزول بالمضارية الى حدودها الدنيا. 3- تسهيل عمليات التصدير وازالة العقبات أمام المصدرين ومد آجال سداد القروض لأصحاب القروض المتعثرة منهم. 4- إقامة سعر صرف ثنائى, يهدف إلى تخفيض آثار حدة التقلبات في الأسواق وتوجيه السياسة التجارية لخدمة بعض الأغراض المحددة وذلك بوجود سعرين لسعر صرف العملة، أحدهما سعر الصرف العادى ويتعلق بالمعاملات الخاصة بالواردات الأساسية أو المراد دعمها ومساندتها الموجهة للتصدير أما السلع المحلية أوالواردات غير الأساسية فتخضع لسعر الصرف الثانى المرتفع. 5- تنمية الصناعة المحلية وتلك الموجهة إلى التصدير , وذلك بتخصصي الموارد اللازمة لتلك الصناعات ( مواد خام – منتجات ومحاصيل زراعية , ) مما يعمل على توسيع قاعدة السلع الدولية بحيث يصبح عدد كبير من السلع قابلا للتصدير, مما يكون له أثر ايجابى على إعادة توزيع الدخول , حيث ستتحسن أرباح أصحاب رؤوس الأموال في الوقت الذي تنخفض فيه القدرة الشرائية للعمال، فيكون لزاما على أصحاب رؤوس الاموال زيادة المرتبات لتحسين القدرة الشرائية للعمال. كذلك فإن تشجيع الاستهلاك من خلال توفير الانتاج المحلى من السلع والخدمات يؤدى الى زيادة الطلب على السلع المحلية مما يخلق طلبا ونموا متزايدا على تلك السلع والخدمات . 6- إعادة الدعم على السلع والخدمات الرئيسية بما يتوازن مع منظومة الدخول الحالية , مع الرفع التدريجى للدعم بصورة سنوية يما يتناسب ومعدلات التنمية الحقيقية المحققة على أرض الواقع . 7- تفعيل دوروزارة التضامن الاجتماعى فى التحقق من صحة وسلامة المبالغ التأمينية المؤمن بها على شريحة العمال والموظفين بشركات القطاع الخاص , حيث يتم تسجيل المرتبات بالحد الادنى من الاجورالمطلوبة للتأمينات الاجتماعية للتهرب من دفع أقساط تأمينات الموظفين والعمالة بصورة صحيحة , مما ينعكس سلبا على منظومة معاش تلك الفئة بعد التقاعد ( 8 مليون موظف وعامل ) .