د. أحمد صبحى منصور ما زال الحديث موصول حول كتاب حق المرأة في رئاسة الدولة الإسلامية لمحة أصولية تاريخية للدكتور أحمد صبحي منصور وهو الأتي :- 3 إذن نحتاج الى لمحة عن حقائق الحكم السياسى لدولة الإسلام من خلال تشريع القرآن لنتعرف على إمكانية أن تتولى المرأة فيها سلطة الرئاسة. ثالثا: المساواة بين الرجل والمرأة فى تشريع القرآن: 1 وحتى نفهم القرآن وتشريع القرآن علينا فى البداية أن نفهم لسان القرآن بالقرآن نفسه . فاللسان العربي شأن كل الألسنة ( أو اللغات) كائن حى يتطور ويتبدل . ولذلك تطورت اللغة العربية زمنيا ومكانيا . بل أصبحت هناك مصطلحات عربية خاصة بالفقهاءوأخرى بالصوفية وأخرى بالفلاسفة .. وهكذا. وقبلهم فللقرآن أيضا مفاهيمه ومصطلحاته ، ولا يمكن أن نفهم القرآن إلا من خلال مفاهيمه ومصطلحاته.وهذا أيضا موضوع شرحه يطول ، ولكن كالعادة – نقتصر منه على ما يخص موضوعنا . 2 وهنا نلفت النظر سريعا إلى بعض الحقائق القرآنية التى تؤكد المساواة بين الرجل والمرأة: فكلمة ( الزوج ) فى القرآن يدل بمنتهى المساواة عن الرجل و المرأة ، و السياق هو الذى يوضح المقصود منهما إلا إذا جاء فى الآية القرآنية والسياق ما يؤكد اقتصار الخطاب على الرجل ( راجع كلمة زوج ومشتقاتها فى المعجم المفهرس ). وكلمة ( الوالدين ) و( آباؤكم ) تدل على الرجل والمرأة ، . وتدخل المرأة فى الخطاب القرآنى فى كلمات مثل ( الناس ) ( بنى آدم ) و ( الذين آمنوا ) فالقرآن مثلا حين يأمر بالصيام يأمر الذين آمنوا بالصيام وكذلك حين يأمر بالصلاة . ومعروف أن الأمر يشمل الجنسين. وكل خطاب عام فى القرآن الكريم يأتى للبشر و للمؤمنين و الناس وبنى آدم يشمل الرجل والمرأة بالتساوى ، إلا إذا كان فى السياق تخصيص لأحدهما . 3 ويكفى تلك المساواة القرآنية بين الذكر والأنثى: 3 / 1 فى كونهما بشرا وإنسانا ينتميان لأب واحد وأم واحدة . يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ) (1) النساء ) ويسرى هذا على كل البشر مهما إختلفت ألوانهم وثقافاتهم ، يقول جل وعلا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات ) 3 / 2 : فى المسئولية والجزاء بين الذكر والأنثى : (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ )(195) آل عمران ) (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) النساء ) (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) النحل ) (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40) غافر ) 4 ولذلك كانت المرأة شريكا رئيسا فى إقامة الدولة الاسلامية فى عهد النبى محمد ، بدأت شراكتها بالهجرة ، ثم بالبيعة ثم بالمشاركة الفعالة فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولذا فإن حديث القرآن عن الشورى ، وهى الملمح الأساسى لدولة الإسلام يشمل المرأة مع الرجل . وهنا ندخل فى بعض التفصيلات . رابعا: عمل المرأة الإسلام لم يحرم على المرأة أى عمل حلال يقوم به الرجل ، ويسرى ذلك على الجهاد ، والدليل أن الأعذار المبيحة للتخلف عن الجهاد هى أعذار تحدث للمرأة والرجل على حد سواء، فليس هنا حرج على الأعمى أو الأعرج أو المريض فى موضوع القتال الدفاعى فى الإسلام (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا )(الفتح / 17 ). هذه الأعذار تسرى هذا على الجنسين فى الذكر والأنثى . وحتى فى الصيام والحج كانت الشروط عامة للذكر و الأنثى (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( البقرة 185 ، 196 ) وقد قلنا أن الأمر يأتى بلفظ "الذين آمنوا " ، " يا بنى آدم " ، " يا أيها الناس " ليخاطب المرأة والرجل معا، وكل أمراة يشملها الأمر والنهى كالرجل تماما ، وأن النسق القرآنى فى تشريع الأحوال الشخصية من زواج وطلاق لا يذكر مطلقا لفظ زوجة وإنما يقول " زوج " دلالة على الزوج والزوجة ويأتى السياق يحدد المقصود بها. والمقصود هنا هو المساواة الكاملة من حيث التكوين بين الزوج الرجل والزوج الأنثى فكلاهما واحد من حيث الأصل والنشأة ، وكلاهما لهما نفس الحقوق وعليهما نفس الواجبات طبقا للعدل . خامسا : سفر المرأة هناك شيىء هام فى سياق آيات سورة الممتحنة يستلزم الإيضاح . هو حق المرأة فى السفر والهجرة وترك موطنها إلى حيث تريد طبقا لإختيارها العقيدى شأن الرجل تماما ، وهذا ما حققته المرأة فى عهد النبى محمد عليه السلام إذ هاجرت المؤمنات إلى الحبشة مرتين ثم مرة ثالثة إلى المدينة ، بعضهن كن عذاراى وبعضهن كن متزوجات هاجرن مع أزواجهن المؤمنين أو كن أزواج تركن أزواجهن المشركين . أى أن من حق المرأة فى الإسلام أن تهاجر إذا شاءت ، والهجرة أصعب أنواع السفر لأنه سفر يحتمل المطاردة والملاحقة . وبالتالى فان من حقها السفر العادى بمفردها ،وليس لزوجها الحق فى منعها إلا إذا كان هذا الحق للزوج منصوصا عليه فى عقد الزواج. هذا فى الإسلام .ولكن فى دين السنة تم حرمان المرأة من هذا الحق فمنعوها حتى من السفر إلا بإذن زوجها ، بل وجعلوا لها كفيلا – إذا لم تكن متزوجه هو" المحرم " أى الذى يحرم عليها أن تتزوجه كالأب والابن والأخ والعم والخال ، أى اعتبروها شخصا غير كامل الأهلية، حتى لو كانت أما. وتخيل أن تربى الأم ابنها فاذا كبر أصبح آمرا ناهيا لها، يبلغ مبلغ الأهلية بينما تظل أمه مخلوقا ناقص الأهلية. سادسا : المرأة شريكة فاعلة فى تاسيس الدولة الاسلامية البيعة، أو العهد : أساس فى إقامة الدولة الاسلامية : مشاركة المرأة فى إقامة الدولة الاسلامية لقد سبق الإسلام فى تعريف الدولة بأنها عقد بين الفرد والنظام الحاكم، وأن هذا العقد يستلزم التزامات معينة من الفرد مقابل قيام الدولة برعاية الفرد وحمايته . بعد هجرة المرأة كان لا بد من تسجيل مشاركتها فى إقامة الدولة الاسلامية و تسيير شئونها بان تعقد عهدا أو عقدا مع النبى محمد رائد هذه الدولة . وقد جاءت سورة الممتحنة باشارة الى البيعة؛ بيعة النساء للنبى محمد عليه السلام. يقول تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. )( الممتحنة 12 ) سورة الممتحنة من أوائل السور التى نزلت فى المدينة ، وقد وردت فيها تلك الاشارة إلى وجود عقد أو ميثاق أو عهد بين افراد المسلمين والنبى يتضمن تعهد كل فرد بطاعة القائد وهو النبى محمد عليه السلام ؛ ليس طاعته كشخص وفرد ولكن طاعة القيم الأخلاقية المنبثقة عن إلايمان الحق بالله تعالى واليوم الآخر، تلك هى البيعة العامة( الممتحنة 12 ) . ثم هناك بيعة خاصة طارئة مؤقتة تستلزمها ظروف المواجهة العسكرية حين يتعرض المجتمع المسلم إلى هجوم لابد من صده ، وحينئذ يتطلب الأمر بيعة خاصة للإلتزام بالدفاع عن الدولة ( الأحزاب 15 ، 22 ، 23 )( الفتح : 10 ، 18 ). وفى كل الأحوال ( البيعة العامة والبيعة الخاصة ) فإنها بيعة لله تعالى ؛ فمن يبايع النبى – أو القائد – إنما يبايع الله ، أى يلتزم أمام الله تعالى بالوفاء بالعهد والميثاق . وبالتالى فإن ضميره الشخصى هو الرقيب عليه فى مدى هذا الإلتزام بهذا العهد، أى أنه مسئول أمام الله تعالى يوم القيامة فقط فى مدى وفائه بهذا العقد أو العهد أو الميثاق أو البيعة. وفى كل الأحوال أيضا فإن تلك البيعة العامة والخاصة تشمل الرجال والنساء معا بما يعنى المساواة بين الرجل والأنثى . ذكرت روايات السيرة النبوية أن النبى محمدا عقد معاهدة سرية مع وفد من المدينة قبل الهجرة ،وعقد معاهد أخرى مع وفد أخر فى العام التالى إلا أنها لم تذكر عقد معاهد عامة مع أهل المدينة . القرآن الكريم فى تعليقه على تباطؤ أو تخاذل بعض المؤمنين فى الوفاء بهذا العقد كان يذكرهم بالعهد الذى التزموا به ، وقد حدث هذا فى تأنيب المنافقين حين تقاعسوا عن الدفاع عن المدينة فى غزوة الأحزاب بينما اشاد بمن حافظ على العهد و صمد فى القتال ( الأحزاب : 15 ، 22 ). و فى أوائل السور المدنية نجد القرأن الكريم ينهى المؤمنين عن خيانة الله ورسوله ، وخيانة العهد والأمانة ، ويأمرهم بالإستجابة وطاعة رسول الله ( الانفال / 24 : 27 ) وتعبير الخيانة للعهد يعنى وجود عهد قائم بين الله تعالى والمؤمنين وأنهم لم يقوموا بالإلتزام بهذا العهد . وفى أواخر السورة المدنية يتكرر الأمر للمؤمنين بطاعة الله ورسوله وأن يواجهوا إعتداء المشركين ، ليس بالوهن والإستسلام والحرص على حياة ذليلة وإنما بالدفاع البدنى والإنفاق المالى فى المجهود الحربى ، وإن لم يفعلوا فمصيرهم إلى الإستئصال ،وعندها يأتى رب العزة بمؤمنين آخرين خيرا منهم ( محمد / 32 : 38 ) وكان البخل شائعا بين هذه النوعية من المؤمنين وترتب عليه أن توعد الله تعالى بالعذاب اولئك الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل وذلك بعد أن كررلهم أوامر العهد والميثاق وهى عبادة الله وحده لا شريك له والإحسان للوالدين والأقارب واليتامى والجيران وأصحاب وأبناء السبيل والرقيق ( النساء / 36 : 37 ) وفى مواجهة ذلك البخل ونسيان العهد والميثاق والبيعة ينزل القرآن يذكر المؤمنين بالإيمان بالله تعالى ورسوله والإنفاق فى سبيل الله ثم يعيب عليهم أنهم لا يؤمنون قلبيا وعقيديا بالله تعالى وحده ، مع استمرار دعوة الرسول محمد عليه السلام لهم بأن يكون إيمانهم بالله تعالى وحده إلها، وبرغم أنهم عاهدوا الله تعالى ورسوله على ذلك الا أنهم كانوا ينسون مما يستدعى تذكيرهم وتأنيبهم (الحديد /7 : 8 وفى أواخر ما نزل من القرآن يتكرر نفس الموضوع فى تذكيرهم بالميثاق الذى عقدوه يوم بيعتهم ، وكيف أنهم قالوا سمعنا وأطعنا مع أن قلوبهم لم تكن مخلصة . ويحذرهم الله تعالى بأنه يعلم خفايا الصدور . ( المائدة /7 ) هذا العهد والميثاق أو البيعة العامة كانت لكل فرد يدخل فى إطار الدولة الإسلامية . وخلافا لما اعتاده العرب وما اعتادته ثقافة العصور الوسطى أعطيت المرأة نفس حق المواطنة الايجابية وحق المشاركة السياسية فى الدولة الإسلامية، فقد كان عليها أن تبايع نفس المبايعة ، وتضع يدها على يد النبى تعطيه البيعة. وهذا ما جاء فى سورة الممتحنة ( /12 ) . ولأنه أمر جديد لم يكن معروفا من قبل فإن الخطاب نزل للنبى محمد يوضح كيفية بيعة النساء للنبى ، فالمؤمنات إذا أتين مهاجرات ليصبحن مواطنات فى الدولة الجديدة فعليه أن يبايعهن على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يقعن فى بهتان ولا يعصين النبى فى معروف ، فإذا بايعن النبى على هذه البنود فعليه أن يستغفر لهن الله على ما سبق من ذنوبهن، لأنهن قد دخلن فى مرحلة جديدة من حياتهن. وهذا ما ينطبق على الرجال أيضا.: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. )( الممتحنة 12 ) . والواضح أن كل بنود البيعة للمؤمنين والمؤمنات تتلخص فى تطبيق الإسلام والإيمان فى العقيدة وفى السلوك . تطبيق الإسلام فى العقيدة بعدم الوقوع فى الشرك والكفر ،أى بعدم الإعتقاد فى إله إلا الله الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، والإيمان والإسلام سلوكا بمعنى طاعة الله تعالى فى التعامل السلمى مع البشر بعدم الإعتداء على حياة الأخرين وأعراضهم وأموالهم أى التمسك بالقيم العليا المتعارف عليها من العدل ومنع الظلم . إذن بنود البيعة تتلخص فى طاعة الله تعالى ، وهنا تكون المساواة بين المسلمين جميعا بما فيهم النبى نفسه، فهم مأمورون جميعا بطاعة الله الواحد عز وجل الذى لا شريك له فى الملك. وعليه فإن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو تناصح بالتمسك بالقيم العليا المتعارف عليها والإبتعاد عن الرذائل المستنكرة من جميع الناس، وهذا التناصح يعنى أن ينصح كل مؤمن أخاه أو أخته ، وأن تنصح كل مؤمنة أخاها أو أختها. وهنا مساواة المؤمنين جميعا رجالا ونساء ؛ كلهم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ( العصر / 3 ) ،أى ليست هناك طائفة تأمر الأخرين ولا يأمرها أحد، فليس فى الاسلام كهنوت وليس فيه طائفة تحتكر إصدار الأوامر وتضع نفسها فوق القانون أو فوق الجميع بقوة القانون. وبالتالى فليس هناك طاعة لشخص أو لحاكم حتى لو كان النبى نفسه . فالأية تقول عن أحد بنود البيعة عن النساء :( وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ) لو قالت الأية " ولا يعصينك " فقط لكان ذلك فرضا بطاعة النبى طاعة مطلقة. ومصطلح النبى يعنى شخص النبى محمد وعلاقاته بمن حوله، لذا كان العتاب واللوم يأتى بصفة النبى بينما الطاعة تأتى مرتبطة بالرسول والذى يعنى أيضا الرسالة والقرآن. ولأن النبى هنا هو شخص النبى محمد فإن طاعته كشخص مرتبطة بأن تكون فقط فى "معروف "، والمعروف هو المتعارف عليه من القيم العليا التى جاء بها القرآن والتى تجلت فى سائر بنود البيعة . وإذا كانت طاعة النبى محمد – وهو القائد – مرتبطة بالمعروف وليست له طاعة كشخص ، فإنه لا يجوز لأى شخص أن يطلب من المؤمنين طاعته دون قيد أو شرط. ولذلك فقد اشتق الفقهاء المسلمون الأحرار قاعدة سياسية تقول " لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق " أى لا يصح الطاعة إلا فى إطار طاعة الله تعالى وحده ، فالمطاع هو الله تعالى وحده، ومن يطع القرآن أو الرسالة الالهية الخاتمة بعد موت الرسول محمد فقد أطاع الله تعالى ( النساء /80 ) وكل من يأمر بما جاء فى القرآن فيجب طاعة ما ينطق به من القرآن ، وليس طاعته هو كشخص. وهذا معنى الأمر بطاعة الله ورسوله وأولى الأمر، ( النساء / 59 ) ليس هنا تثليث ،أو عبادة لله والرسول واولى الأمر، بل أن طاعة ولى الأمر وطاعة الرسول فيما يقال من أوامر جاءت من الله تعالى فى كتابه الكريم ونطق بها الرسول وبلغها ، ثم يقوم على رعايتها أولو الأمر. وإذا زاغ أحد منهم عن أوامر الله تعالى فلا طاعة له ، بل يجب اعلان العصيان لأمره وتوضيح أنه يأمر بما يخالف القرآن ، حتى نبرىء دين الله تعالى من استغلال دينه العظيم من الاستغلال والفساد والاستبداد. باختصار : إن البشر عليهم أن يطيعوا الله تعالى وحده ويحرم عليهم طاعة أمر يخالف تشريع الله تعالى ومبادئه .يسرى هذا على البيعة العامة فى الدخول فى مواطنة الدولة الإسلامية كما يسرى هذا على البيعة العامة فى الدخول فى مواطنة الدولة الإسلامية كما يسرى على البيعة الخاصة التى تفرضها ظروف الحرب . ---------- بقلم الدكتور / أحمد صبحي منصور من علماء الأزهر سابقا