ما هو التطوع ؟ : التطوع هو المجهود القائم على مهارة أو خبرة معينة ، والذي يبذل عن رغبة واختيار بغرض أداء واجب اجتماعي يساعد على نهضة المجتمع ورقيه ، وبدون توقع جزاء أو مقابل مادي بالضرورة . أو هو ذلك الجهد الذي يفعله أو يقوم به الإنسان لمجتمعه ، وبدون انتظار مقابل له ، قاصداً بذلك تحمل بعض المسئوليات في مجال العمل الاجتماعي المنظم الذي يستهدف تحقيق الرفاهية للمجتمع بوجه عام ، وعلى أساس أن الفرص التي تحتاج لمشاركة المواطنين ، وكذلك الجهود المجتمعية المنظمة ، ميزة يتمتع بها الجميع ، وأن المشاركة تعهد يلتزمون به . وعلى ذلك فإن مفهوم التطوع يشمل الأبعاد التالية : 1 أنه جهود إنسانية تبذل من جانب كل أفراد المجتمع ، سواء أكانت فردية أو جماعية . 2 إنه يقوم أساساً على الرغبة الحرة ، والدافع الذاتي ، أي أن وراء التطوع دائماً دافع يحركه سواء كان هذا الدافع شعورياً أو لا شعورياً . 3 إن المتطوع لا ينتظر بالضرورة من تطوعه مقابل مادي ، فالهدف من التطوع هو الإسهام في تحمل مسئوليات تحقق للمجتمع الرفاهية والتقدم . 4 إن التطوع غالباً مالا يتطلب إعداداً مسبقاً ، حيث أنه يقوم على المهارة أو الخبرة السابقة التي يتمتع بها المتطوع ، ولكن هذا في رأينا لا يمنع من إمكانية بل وضرورة ، تدريب المتطوعين على الأعمال التي سيشاركون فيها من أجل أداء أفضل وأحسن . 5 إن التطوع ركيزة أساسية للمشاركة الاجتماعية ، حيث يقصد بالمشاركة تلك المساهمة التي تقوم أساساً على التطوع ، بمعنى آخر : مساهمة المواطنين في تحمل المسئولية ، وإبداء الآراء ، والتعبير عن الأفكار التي تفيد في رقي المجتمع ونهضته ، وكذلك المشاركة الفاعلة في التنفيذ دون مقابل مادي . وغني عن البيان أن جميع قيمنا وثوابتنا تدعو إلى التطوع من أجل مساعدة الآخرين دون مقابل ، وبذلك تجرد من أنانيتنا ، فما خير في إنسان عاش لنفسه . مصادر التطوع : يمكن الحصول على متطوعين من مصادر متعددة ، نذكر منها : 1 بعض سكان المجتمع ممن شاركوا في بعض نشاطاته ، واكتسبوا المهارات والخبرات التي تساعدهم على المساهمة في بعض العمليات المهنية . 2 الطلاب على مختلف مستوياتهم ، لأن ثقافتهم ، ومهاراتهم في تخصصاتهم ، والوعي المفترض أن يكون سائداً بينهم ، كل ذلك يتيح لهم أن يكونوا مورداً خصباً للتطوع ، ونشير هنا بصفة خاصة إلى طلاب كليات الدراسات الإنسانية لأنهم يعدون إعداداً مهنياً وقومياً من المفترض أن يدفعهم إلى التطوع في مختلف المؤسسات الاجتماعية ، ومؤسسات المجتمع المدني ، وفي كافة الأنشطة المجتمعية ، وهذا لا يمنع بالطبع أن يكون طلاب الكليات العملية والمهنية مصدراً من مصادر التطوع . 3 الأعضاء الذين ينتمون إلى هيئات اجتماعية يكون من ضمن أهدافها خدمة المجتمع ، والبيئة المحيطة به . 4 أعضاء منظمات المجتمع المدني ، لأن من أهداف هذه التنظيمات استثارة الوعي لأعضائها حتى يعملون في خدمة المجتمع ، ويسعون لإيجاد الحلول الذاتية لمشكلاته . وهنا نحب أن نشير بصفة خاصة إلى جهود شباب منظمات المجتمع المدني ومؤسساته سواء كانت منظمات اجتماعية أو ثقافية أو سياسية أو مهنية ، كإمكانية وطاقة ، يجب عليهم أن يبادروا إلى التطوع ، هذا بجانب التنظيمات المهنية والعمالية والشبابية . 5 قد تستفيد بعض المؤسسات الاجتماعية من الجهود التطوعية لبعض من استفادوا بالفعل من خدماتها . شروط ومواصفات المتطوع : يمكن لنا أن نسترشد بمجموعة الشروط والمواصفات التالية للشخص المتطوع : 1 احترام المتطوع للناس ، وتقبل فروقهم الفردية ، والرغبة الصادقة في مساعدتهم ، من أجل أن يساعدوا أنفسهم بعد ذلك . 2 النضج العقلي والانفعالي الذي يمكنه من العمل على خير وجه . 3 القدرة على العمل مع الناس بإسلوب تعاوني . 4 القدرة على تحمل المسئولية ، ورغبته الحميمة الصادقة ، وتحمسه للعمل التطوعي من أجل صالح مجتمعه ، دون انتظار لأجر أو جزاء مادي . 5 أن يكون لديه القدر الكافي من الثقافة العامة ، والمهارات الخاصة في المجال الذي يرغب التطوع فيه . 6 أن يكون لديه الاستعداد التام والكامل من أجل أن يعطي من وقته القدر اللازم للعمل التطوعي . 7 أن تكون لديه المعرفة التامة بموارد وإمكانيات المجتمع الذي يعمل من خلاله. 8 أن يكون لديه الوقت الكافي الذي يمكنه من ممارسة نشاطه التطوعي . 9 أن يكون في صحة جيدة ، ولياقة معقولة ، تمكنه من بذل الجهد المطلوب . 10 اهتمامه بالمسائل الاجتماعية والقومية في المجتمع الذي يعيش فيه . 11 أن يكون من أصحاب السيرة الطيبة ، والسمعة الحسنة ، من أجل أن يكون مثلاً أعلى وقدوة حسنة لمن يتعامل معه . المتطوعون : الاختيار والإشراف والإعداد : يمكننا أن نتحدث عن طرق أساسية لاختيار المتطوعين ، مثل : المقابلة الشخصية ، وملء الاستمارات الخاصة بالتطوع ، والتقدم بالمصادر التي يمكن العودة إليها في حالة أي استفسار عن المتطوع ، والاختبارات الموضوعية . وكذلك يمكن مناقشة إعداد المتطوعين ، وتدريبهم ، والإشراف عليهم ، وفي الواقع : إن الدراسات الحديثة تناولت كل هذه الموضوعات من منظور جديد أسمته (إدارة التطوع ) ، وهي تعني بذلك كل القضايا والموضوعات الخاصة باختيار المتطوعين ، وإعدادهم ، وتدريبهم ، والإشراف عليهم من أجل أن يأتي تطوعهم بثمرته المرجوة . كما تناولت هذه الدراسات الحديثة أهمية إدارة المتطوع ، وعملية التطوع ذاتها ، وتدريب وتعليم مشرف المتطوعين ، وتخطيط وتقييم أداء المتطوع وما حققه من تقدم في مجاله ، وتصميم الوظائف وتوظيف (تعين) المتطوعين ، والعلاقات بين موظفي الهيئة والمتطوعين ، والإدارة المالية للمتطوعين ، والمخاطرة والمسئولية القانونية ... كل ذلك يدرسه الآن علم (إدارة التطوع ) . الجودة في القطاع التطوعي : عندما نتكلم عن جودة الخدمات في القطاع التطوعي ، نجد أن بعض الباحثين يميل إلى التركيز على الجودة في القطاع التطوعي تحديداً ، ولعل ذلك لأن هذا القطاع تحرك نحو مركزية في التزويد بخدمات الرعاية الاجتماعية ، والوصول إلى مجتمع الرفاهية ، الذي تطمح إليه كل المجتمعات . وطالما أن هذا القطاع التطوعي يسعى لتحقيق المطالب الجديدة الملقاة على عاتقه ، فإنه يتعرض إلى سلسلة من التغيرات الكبرى ، وربما تكون التغيرات التي تنصب على علاقة هذا القطاع بالسلطات المحلية تغيرت نتيجة للانفصال الذي حدث بين مشتري أو مستهلك خدمات الرعاية الاجتماعية ، وبين المصدر الذي يوفرها .. وهذا موضوع يحتاج إلى تحليل أكثر ، لا يتسع المقام له . بين مفهومين : لابد لنا أن نوضح مفهومين مهمين ، هما : (تنظيم الخدمات ) و (الجودة ) ، فعملية تنظيم الخدمات كمسئولية للحكومات المعاصرة ، قضية تؤثر تماماً في كل مظاهر الحكومة ، كما أن لهذه المسألة أهمية خاصة بالنسبة للعلاقات بين الحكومة والقطاع التطوعي ، فكلما تقدم القطاع التطوعي لتأدية أكثر إيجابية وفاعلية ، كلما أصبح إطار تنظيم هذه الخدمات أكثر أهمية وخطورة ، وفي رأينا : إن التحول من دولة تقديم الخدمات إلى الدولة المنظمة لهذه الخدمات في السنوات القليلة الماضية ، قد أوجد جدول أعمال جديد للسياسة العامة . كذلك أشارت دراسات حديثة إلى أن كثير من المنظمات التطوعية اهتمت بزيادة تعقيد تنظيم الخدمات ، والملاحظ أن أشكال التنظيم ستختلف بالطبع باختلاف الغرض الذي تستهدف إحداثه في إطار التنظيم . ولعل أهم أغراض التنظيم هي : الأمانة ، والاستقامة ، والتمسك بالمبادئ والمثل العليا (في إجراءات التكامل المالي ) ، وحماية جماعات المستهلكين (من تؤدى لهم الخدمات) ، والجماعات المعرضة للأخطار ، والمشكلات الاجتماعية بجانبيها الوقائي والعلاجي ، وجودة الخدمات (مستوى الخدمات) . ويمكن إحداث تنظيم الخدمات من خلال عدة مراحل مختلفة ، ففي مرحلة المدخلات على سبيل المثال يجب على السلطة المنظمة أن تتأكد من استيفاء متطلبات دنيا مثل : الاستقرار التمويلي ، وتوظيف المهنيين المؤهلين ، وتشكيل بناءات إدارية فعالة ... وهكذا .. وختاماً : إن التطوع أصبح علماً حديثاً قائماً بذاته ، ضمن منظومة الرعاية والتنمية الاجتماعية والبشرية ، وعلينا أن نطالع ما كتب فيه حديثاً ، ونأخذ منه ما يناسب مجتمعنا ، وما يناسب قيمنا وثوابتنا ، حتى لا يفوتنا قطار التقدم السريع الذي لحقت به الدول الأخرى . والله ولي التوفيق ،،، ------------------------ مصطفى يسري عبد الغني باحث في العلوم الاجتماعية مكتب وزير التضامن الاجتماعي للاتصال السياسي [email protected]