" بمجرد أن أعلن البرادعى عن إحتمالية ترشيح نفسه فى إنتخابات الرئاسة المقبلة فى مصر ، فإذا بالنظام يدفع بخيرة رجاله من الفاسدين والمنافقين فى كل ميادين الإعلام الحكومى ليشوهوا صورة الرجل ، ويلوثوا سمعته بكل زيف وتضليل ، لكنهم لم يعرفوا أنهم يصنعون منه بطلاً إعلامياً ، وعرفه القاصى قبل الدانى ، بناءاً على خبرة سابقة لدى الشعب بأن وسائل الاعلام الحكومية هى وسائل كذب وتضليل ولم تكن يوما فيما مضى مصدر للحقيقة " منذ عام أو اكثر : هل كنت تسمع عن شخص اسمه محمد البرادعى؟، هل تعرف ما هو عمله وما هى جنسيته؟ ، هل رأيته من قبل ؟! .. كل هذه أسئلة كان من الممكن أن تسألها للناس منذ عام أو أكثر، ولا تحصل فى المقابل على أى إجابة صحيحة بالتأكيد إلا من رحم ربى منهم و كان على إطلاع و دراية بالرجل ، لدرجة أن شخصاً ذات مرة كانت إجابته: مش ده الراجل اللى كان القرموطى بيقول اسمه فى آخر الفيلم بتاعه؟ هذا صحيح فعلا، لكن كيف ستكون الإجابات لو سُئلت الأسئلة المذكورة سلفا فى أول المقال، ألان .. سواء قبل أو بعد 25 يناير .. أعتقد أنك لن تجد شخصا سيجيبك بأى إجابة ساذجة عن حقيقة البرادعى أو مكانته، بل وربما يخبرك أيضا عن رؤيته السياسية وتصوره الشخصى تجاه الوضع الراهن فى مصر الآن ، إلا أنه فى ظل هذا الجو المفعم بالحراك السياسى الذى بدأ مؤخراً حتى قبل أن تبدأ أحداث الثورة ، وفى ظل أجواء تنادى بضرورة أن نحيا حياة ديموقراطية حقيقية على غرار ما يحدث فى الدول الغربية التى يعيش الانسان فيها بكرامته دون إهانة أو قمع أو كبت للحريات و هدر للحقوق ، وفى ظل تكثيف إعلامى على البرادعى فى فترة ما قبل الثورة حيث انه بث شعاعاً من الأمل داخل نفوس المصريين وكان لديه الجرأة بأن ينادى بضرورة الإصلاح فى ذاك الوقت الذى كان من الصعب على كثيرين ان يتفوهوا ولو بكلمة واحدة لا يحمدون ويسبحون فيها بحمد الفرعون ، أنا مازالت أتعجب حتى ألان من رؤساء التحرير والصحفيين فى الصحف الحكومية ( التى كان يفترض أنها قومية: أى يجب أن تتحدث بلسان كل طوائف الشعب وتوجهاته) يشحذون أقلامهم لملئ الرأى العام بأخبار وإشاعات فى منتهى الغرابة ضد البرادعى ، بل وقد تطور الأمر ليصل إلى شخصيات لها مكانتها فى المجتمع أيضا، وذلك فقط لأنها أعلنت تأييدها للبرادعى ولأفكاره ، ولأخرين أعلنوا عدم رغبتهم فى توريث مصر للابن المدلل أو حتى لصديق وفي لمبارك كانت بعض الانظار قد سلطت عليه سابقاً ، قبل أن تتراجع الأضواء و الأنظار لتبتعد عنه و تتركز فى النهاية على جمال مبارك . لم يكن لدى أحد من بغبغاوات النظام و أبواقه المنافقة سواء فى الاذاعة او على الشاشات الحكومية أو فى الصحف القومية سوى التمجيد فى حسنى مبارك ، وكأنه هو النبى الذى خلص مصر من فقرها وأخرجها من الظلمات الى النور ، فالرجل أى مبارك الذى قضى معظم أوقات حكمه فى السنوات الأخرى مستجماً فى شرم الشيخ أو فى زيارات لدول أوربية بعينها لم يكن على علم بأدنى المشكلات التى يعانى منها ابناء شعبه ، صحيح انه رئيس بشرعية الصناديق المكدسة بالأصوات المزورة ، وأنه سواء إهتم بحال الشعب أو لم يهتم فإنه سيبقى فى سدة الحكم بشرعية أمن الدولة و قوة القمع التى يتمتع بها قوات الامن المركزى ، لكن هذا لا يمنع أنه على الأقل أن ينظر فى قضايا الأمن القومى و المشكلات الكثيرة التى مرت بها مصر لأول مرة على مر تاريخها خصوصا ما حدث من تلك المصائب والكوارث فى عهد عبيد ونظيف ، لدرجة أن البعض قد ظن أن عهد الاستعمار الانجليزى كان أفضل من عهد إستعمار الحزب الوطنى لمصر . لقد كانت المحاولة المستمرة التى تقوم بها الصحف الحكومية من أجل هدم نموذج دعى إلى ضرورة الإصلاح والتغيير ، ما هى إلا محاولة فاشلة بالنسبة لهم، كان أهم نتائجها: أنها جعلت من البرادعى بطلاً يعرفه القاصى والدانى ، لقد حاولوا هدمه فأصبح بطلاً ، بل وأحرجت النظام وأصابته بالربكة ، خصوصا وان المعارضة كانت محصورة فى احزاب قديمة متهالكة و اخرى جديدة صنعها امن الدولة لا تزيد عن ديكور لتزيين العملية السياسية فى مصر ، لقد كانت مفاجاة أن يظهر وجها جديدا وغير مألوف للمعارضة فى مصر، ليحل محل الكومبارس القديم: أحزاب المعارضة والإخوان ! فى النهاية تبقى كلمة : صحيح اننى ربما قد لا أنتخب محمد البرادعى رئيساً لمصر ، لكن للحق أقول كلمة : لقد أعادت الثورة لكثيرين من فاقدى حرية الرأى قدرتهم على التعبير ، ولمسلوبى الحرية حريتهم ، وكثير من الحقوق التى حصلنا عليها و أخرى ننتظر الحصول عليها واسترجاعها ، لكنها لم تعد للبرادعى وضعه وكرامته التى أفقده إياها بعض المنافقين و بائعى ضمائرهم من خلال تلويث سمعة الرجل و تشويه صورته للرأى العام فى مصر من خلال صحفهم و فضائياتهم ، نسأل الله أن يحفظ مصر الثورة من امثال هؤلاء فى المستقبل. بقلم / أحمد مصطفى الغر