توافقت معظم القوى السياسية في مصر على وثيقة الأزهر التي تنص في بندها الأول على: "دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، التي تعتمد على دستور ترتضيه الأمة .. إلخ. كانت الوثيقة في الأصل تتضمن في مادتها الأولى كلمة الدولة المدنية بدلا من الدولة الوطنية، وعلمنا أنه قد جرى نقاش طويل بين الأطراف المتوافقة على الوثيقة حيث اعترض الإسلاميون على مصطلح الدولة المدنية على أساس أنه نتج في سياق الحضارة الغربية وهو مفهوم بعيد تماما عن الحضارة الإسلامية، وقد خشوا أن يكون المقصود به الدولة العلمانية التي لا علاقة لها بالدين. واستقر الأمر بعد مناقشة واسعة على استبدال كلمة الدولة المدنية بالدولة الوطنية. وقد صُدمت لذلك حقا ولا أدري كيف وافق الإسلاميون والقوميون على كلمة الدولة الوطنية فهي تعني بكل وضوح عدم جواز اتحاد مصر مع أي دولة عربية أو إسلامية لأن مصر "دولة وطنية" أي يجب أن تظل ضمن تلك الحدود الجغرافية.. وأرى أن العلمانيون قد خدعوا الإسلاميين والقوميين بإدخال هذا المصطلح المشبوه ضمن وثيقة توافقية وقع عليها الجميع. ولم يكن هناك داعي لهذا المصطلح أصلا فكان يكفي أن تنص المادة الأولى على: "دعم تأسيس الدولة الدستورية الديمقراطية الحديثة.. إلخ". وأقول مشبوه لأنه بدون هذا المعنى الانعزالي سيكون مصطلح فارغ من أي مضمون.. ما معنى الدولة الوطنية غن لم تكن الدولة المنكفئة على نفسها؟ المثير للدهشة أن الإسلاميين كانوا يروجون منذ مدة أن الدولة في الإسلام دولة مدنية وأن الإسلام لم يعرف قط سوى الدولة المدنية لأن الدولة الدينية التي يخشاها العلمانيون هي الدولة التي يحكمها رجال الدين بالحق الإلهي أي يكون فيها الحاكم معصوم ويحكم بالوحي الإلهي.. ولا يحق للشعب تغييره.. وهذه صورة طبعا منعدمة في الإسلام تماما ولا توجد في أي دولة في العالم سوى في دولة الفاتيكان. وبناء على ذلك كان من الممكن أن يقبل الإسلاميون مصطلح الدولة المدنية.. وليتهم فعلوا. أما مصطلح دولة وطنية فهو كارثة حقيقة، إذا تُضمن في الدستور فهو يعني أن مصر لا شأن لها إلا بما هو داخل حدودها، وقد قيل لأحد رؤساء مصر قبل ثورة 1952 أن العصابات الصهيونية تقتل الفلسطينيين وتستولي على أرضهم فرد قائلا: "أنا رئيس وزراء مصر ولست رئيس وزراء فلسطين"، هذا هو مفهوم الدولة الوطنية. وإذا حاول القوميون أو الإسلاميون الإتحاد أو التكامل أو التحالف مع البلاد العربية أو الإسلامية فسيتصدى العلمانيون والشوفينيون لذلك بناء على نص الدستور أن مصر دولة وطنية. ولا أدري والله كيف انخدع الإسلاميون والقوميون ووقعوا على وثيقة الأزهر، وقد أوضح لي هذا بجلاء أن الفريق الآخر أكثر ذكاءا ودهاءا رغم حداثته في العمل السياسي، ولا حول ولا قوة إلا بالله. أما البند الثاني من الوثيقة فينص على: "الالتزام بمنظومة الحريات الأساسية في الفكر والرأي، مع الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والمرأة والطفل، والتأكيد على مبدأ التعددية واحترام الأديان السماوية، واعتبار المواطنة مناط المسؤولية فى المجتمع". هذا الكلام عن الحريات وحقوق الإنسان والمرأة يجب أن يكون مقيدا في نفس المادة بما لا يخالف الشريعة وأعراف المجتمع وإلا سنجد أنفسنا نبيح المحرمات من زواج مثلي واجهاض وزنا وخمر وطعن في الدين وسخرية من الأنبياء.. فكل هذه الأمور تعد في الغرب من الحريات والحقوق الأساسية لا سيما إذا أضفنا المادة الخامسة من الوثيقة والتي تنص على تأكيد الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية، فكل هذه الفظائع الأخلاقية منصوص عليها في معاهدات وقرارت دولية وقعت عليها مصر. لذلك فأنا أعتبر توقيع الإسلاميين على هذه الوثقية خطأ فادح، وإلتزام اللجنة التأسيسية بهذه الوثيقة سيكون كارثة كبرى. أرجو أن أكون مخطئا وأرجو أن يوضح لي السادة المتوافقين على الوثيقة من الإسلاميين لماذا قبلوا هذه الوثيقة وسأكون سعيدا لو كنت على خطأ فيما ذهبت إليه.