بوادر انتعاشة لنظام مبارك تبدو على الساحة .. فبعد الانتفاضة الملونية العارمة التي أودت بالرئيس المخلوع من قصر العروبة إلى شرم الشيخ والتفاؤل الذي خيم على جموع المصريين لم ينتبه إلى القليل القليل للكارثة التي خلفها مبارك حين أعلن رحيله، ألا وهي إسناده إدارة البلاد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة .. فطعم الفرحة بخلع الرئيس الذي ظل قابعاً على صدور المصريين طوال ثلاثون عاماً أنساهم أن يسألوا إلى من ستؤول الأمور وإلى أين ستصل بعد ذلك حتى ولو أسند الحكم لمن هو أعتى فساداً. ربما يستغرب البعض لكتابتي هذه السطور ويلومني البعض الآخر بسبب تأييدي المطلق للمجلس العسكري في توليه مقاليد الحكم ولا عجب فأنا كنت من المخدوعين مثل الكثيرين .. خدعتني التحية العسكرية لأرواح الشهداء التي أداها اللواء محسن الفنجري أثناء إلقائه للبيان الذي تلى تنحي مبارك .. ولم أفكر أن المجلس الذي أسسه مبارك واختار أعضاءه بدقة متناهية سيحمي نظام مبارك والدليل هو حماية النظام طوال أيام الثورة .. فكان موقفه الحيادي أيضاً خدعة لأنه كان من المفترض قيامه بتنحية الرئيس فوراً بعد أن تأكد سقوط شرعيته بخروج المظاهرات المليونية الواحدة تلو الأخرى وأحداث القتل والترويع والنهب والبلطجة التي حدثت وإن ذكرناها فحدث ولا حرج. خدعت عندما اعتقدت أن مجلس شكله مبارك سيكون ولاءه للشعب أو لثورته .. وخدعت عندما ظننت أن أعضاء مجلس كان يرأسه مبارك سيكونوا هم الأكفأ لإدارة هذه الأزمة التي كادت تعصف بمصر لولا عناية الله .. فنحن جميعاً نعلم الصفات الواجبة في من يختاره مبارك لأي منصب ودون تفصيل ممل. سقط مبارك ولكن لم يسقط النظام .. النظام ما زال في غرفة الإنعاش وهو حقاً ينتعش .. فالمجلس العسكري صدق على اختيار الشعب للدكتور عصام شرف رئيساً للوزراء من ميدان التحرير ولكنه غل يديه ولم يطلق له أي صلاحية في تشكيل الحكومة الأولى .. والآن نرى نفس الأمور تتكرر ويفرض عليه الوزراء وتنقى الأسماء تنقية وهم يحاولون أن يأتوا بمن هو غير معروف لعامة الشعب حتى يتجنبوا الاعتراضات ولكن هيهات هيهات فمن لا أعرفه أنا تعرفه أنت وغيرك وغيرك .. لم تشكل حكومة ثورية تعمل على تحقيق أهداف الثورة حتى الآن .. وزد على ذلك رفض اسم د. حازم عبدالعظيم كوزير للاتصالات بحجة دواعي أمنية وهو الشخص الوحيد الذي رشح للحكومة من بين الثوار. النظام ينتعش بدليل أن المجلس العسكري عندما قفز على السلطة سعى لاكتساب شرعيته من خلال الاستفتاء على الدستور والإعلان الدستوري الذي استفتى الشعب على مواد معدودة منه وأخفى بقية نقاطه ليتلوها على الشعب بعد نجاح الاستفتاء بل ويحذر شباب الثورة علناً من محاولة القفز على الشرعية وتعطيل عجلة الإنتاج وإساءة استخدام الحريات وتنفيذ أجندات خارجية برغم أن الشرعية شرعية الثورة ومن دفعوا دمائهم من أجل تراب هذا البلد هم أخوف عليه وأحرص عليه من غيرهم. النظام ينتعش بدليل أن الرئيس السابق منذ سقط وهو يقطن في شرم الشيخ بدعوى المرض ولم يحاكم بل لم ينقل للسجن حتى الآن مع العلم أن معظم الأطباء أكدوا أن حالته جيدة .. إلا أن محاميه يتلاعب بكل من حوله حتى الآن تحت حماية ودعم وتمويل أيضاً ولم يعرف أحد من أين يتقاضى هذا الشخص أتعابه مقابل الدفاع عن مبارك. النظام ينتعش بدليل أن فلوله خرجوا علناً إلى الميادين ليقفوا ضد الشرفاء من الثوار والمتظاهرين الذين يعرضون أنفسهم لأبشع أنواع التضحيات من أجل هذا البلد .. بل ويتهمونهم بالخيانة .. فلول نظام مبارك خرجوا مؤيدين له ولنظامه وإن كانوا قلة إلا أنهم يخرجون في تظاهرات ويحاولون تضليل الشعب تحت غطاء دعمهم للمجلس العسكري وشرعيته وأن هؤلاء المعتصمون في التحرير هم من يخربون البلد ويعملون على تعطيل مصالحه ويرهقون الاقتصاد وغيرها من الاتهامات.. النظام ينتعش بدليل أن النظام الحاكم في مصر حالياً لم يسعى سعي حقيقي لاسترداد الأموال المنهوبة والمهربة للخارج والتواطؤ لعدم كشف الكثير من فضائح نظام مبارك ورموز حكمه.. ولم يسعى بجهد يذكر لاسترداد المجرمين الهاربين من أفراد نظامه أيضاً ولو أراد استردادهم لاستطاع ومصر لها ثقلها الذين يستطيعون من خلاله أن يؤثروا على أي دولة في العالم. النظام ينتعش بدليل تحويل سجن طره إلى منتجع سياحي ليلبي رغبات أصحاب المعالي والسعادة والسمو أبناء الرئيس المخلوع ورموز نظامه .. فهم ما زالوا يتنعمون ما نهبوه من ثروات مصر بداعي أنهم لم يقدموا للمحاكمة ومن حقهم التنعم بثرواتهم .. أيعقل هذا؟ النظام ينتعش بدليل تأجيل المجلس العسكري الحاكم للانتخابات وبدون داعي برغم عدم وضع دستور قبل الانتخابات ولم يفصح عن أسباب هذا التأجيل والسبب المعلن والمعروف أنه هو المجلس الحاكم وبيده تدبير وتسيير الأمور كيفما شاء .. ويحاول الالتفاف على إرادة الشعب الحقيقية بوصف ما يحدث في الميادين والشوارع من احتجاجات بأنه التفاف على إرادة الشعب .. إن إرادة الشعب الحقيقية هي إرادة من يطالبون بحرية وكرامة هذا الشعب. النظام ينتعش بدليل أن منظومة الفساد أثبتت بقائها وأن النيابة برأت ساحة قتلة المتظاهرين وبعضهم لم يتهم أصلاً وتمت ترقيته إلى رتبة أعلى ووزير الداخلية ما زال في منصبه رغم عدم قدرته على إعادة الضباط المتقاعسين عن العمل إلى مواقع عملهم وإخفاقه الشديد في إعادة الأمن إلى الشارع ونفيه هو شخصياً وجود قناصة قاموا بقتل المتظاهرين أثناء المظاهرات. النظام ينتعش بدليل أن القضاء أثبت تفشي الفساد وبرأ وزراء مبارك المتهمين بإهدار أموال الدولة بحجة عدم كفاية الأدلة .. والاستئناف في قرار المحكمة الدستورية العليا برفع اسم مبارك وزوجته من الشوارع والميادين والمؤسسات .. والقضاء بعدم رفع أسماء العائلة الفاسدة عن الأماكن التي ترتئيها أعين أفراد الشعب يومياً وكل ساعة وكل دقيقة بل وكل ثانية. النظام ينتعش بدليل أن الإعلام ما زال إعلام النظام .. لا يتفوه إلا بما يريده ويرتضيه النظام وهو أكبر محطة تفريخ للفساد والفاسدين ولم يتم تطهيره حتى الآن وما زال الحال على ما هو عليه قبل الثورة ناهيك عن الدور الذي قام به كجندي شرس ظل يضلل كل فئات الشعب ويتلاعب بأعصاب الناس ويكذب ويتلون ويزور الحقائق ويدافع عن الرئيس المخلوع حتى سقط. النظام ينتعش لأن أسر شهداء الثورة لم يجنوا من ورائها إلا فقدان أرواح ذويهم.. ولم يعالج مصابي الثورة على نفقة الدولة .. فبالرغم مما نراه حتى الآن من علاج الفنانين والممثلين في الخارج وخصوصاً أبواق النظام على نفقة الدولة.. نرى في نفس الوقت مصابي الثورة الذين هم شرفها وسر عزتها وكبريائها يعالجون على نفقتهم الخاصة .. بل ويتعرضون للإهانة في الشارع من ضباط وعساكر الداخلية حتى الآن بسبب أنهم من مصابي الثورة .. ونسمع من السيد رئيس الوزراء أنه تم تخصيص صندوق لدعمهم واليوم فقط نسمع أن الحكومة صرفت لبعضهم الدعم بعد مرور ستة أشهر.. أنا أعرف شخصياً أحد مصابي الثورة وقد حكى لي ما حدث له والطريق المهينة التي يتعامل بها مصابي الثورة وهذا أكبر دليل على فساد مؤسسات الدولة وأنها مليئة بفلول النظام. أيه الشعب المصري العظيم .. إن نظام مبارك موجود وإن كان في غرفة الإنعاش ولكنه ينتعش ويعمل على استعادة روحه وإعادة ضخ دماؤه .. أيه الشعب كن واعياً .. ثورتك في خطر .. ثورتك تخمد وحقوقك تضيع .. أيه الشعب الذي قدم كل التضحيات بالأرواح والدماء والأيدي والأرجل والأبصار وكل غال ونفيس من أجل استعادة الحرية والكرامة .. ثورتك ترجع إلى الوراء .. أيه الشعب أفيق من هذه الغفلة وخذ المبادرة واضرب بيد من حديد على كل من يحاول سرقة مكتسبات ثورتك .. إن الحرية والكرامة غالية سلعتان غاليتان.. لذا إن ثمنهما غال ٍ جداً .. وقد دفع مقدماً .. ونخشى أن يهدر هذا الثمن في غفلة من هذا الشعب.