في مقال سابق (بلطجية كي جي 2) سردت قصة ابن جاري المراهق الذي قُتل في طابور الخبز و أشرت إلى أن الذي قتله أيضاً مراهق ، و سمعت أن الذي قتله ، و هو من نفس عمره ، مات في محبسه إثر سكتة قلبية. لا أعتقد أن جريمة بشعة كهذه كانت ستتم لو أن طابور رغيف المر استقام و أخذ كل شخص ما يلزمه في دوره ، و لا أعتقد أن الناس كانت ستشكو من الطوابير لو تعامل معهم أصحاب المخابز بما يرضي الله و بقليل من ضمير و خوف من الله ، لكننا في بلد يعشق البعض فيه الفوضى و الاستعباط لأن فيهما حياته و مكاسبه. بعض أصحاب المخابز يبيع حصته من الدقيق المدعم و هو أمر لا يخفى على أحد ، بعضهم لا يفعل بل يلجأ لطرق أخرى كأن يبيع الخبز لمن يريده بدون طابور حسب نسعيرة معينة ( 2 جنيه ب3 ، 3 جنيه ب5جنيهات ) و هناك من يلجأ لأسلوب آخر و هو إعطاء الزبائن 17 رغيف بجنيه بدلاً من عشرين على أساس أنه يوزع و من المفروض أنه يخصم ثمن كيس الخبز ( عشرة قروش أي ثمن رغيفين فقط ) ، لكنه لا يفعل ، يعطي الخبز ناقص ( ثلاثة ) أرغفة و يحتفظ بالكيس !!!! البعض الآخر يجفف الخبز و يبيعه لمن يشتريه بالكيلو أعلافاً للدواجن و العجول. لذلك لا تتعجب إذا كنت الأول أو الثاني في الطابور و طالت وقفتك ، لأن من بالمخبز ينظرون إليك على أنك شخص غير مهم ، لأنك لو كنت مهماً ما احترمت نفسك و أخذت دوراً في طابور. فالشخص المهم في نظرهم هو من يعمل بالتموين أو له معارف هناك أو بالمحليات أو بالشرطة أو أي أحد يمتلك عليهم سلطات و يخضعهم تحت رحمته ؛ أو هو شخص لديه القدرة على دفع المعلوم حسب التسعيرة المذكورة آنفاً . غلابة مصر علىهم أن يداوموا قبالة المخبز من بعد صلاة الفجر لحجز دور في طابور طويل ليته يمشي بما يرضي الله ، و عليهم أن يراقبوا في حسرة أقفاص الخبز المرصوص و المفروز و هي تخرج ذات اليمين و ذات اليسار ، من باب المخبز ومن فوقه و من تحته و من جميع فتحاته . عليهم أن ينظروا في حسرة إلى الخبز الذي يخرج لأشخاص دون طابور ، فقط بكلمة سر هي النداء على صاحب المخبز أو أحد العاملين. على الغلابة أن ينتظروا و ينتظروا في طابور أبطأ من السلحفاة ، يُخرج صاحب المخبز لهم قفصاً و يركن عشرة ، يعطي واحداً منهم مقابل عشرة من المحاسيب. كل هذا يحدث تحت سمع و بصر الموظفين المراقبين من (برافانات) التموين و المحليات و الذين لا أعرف حقيقة دورهم بالمخبز إذا كان كل ذلك يحدث تحت سمعهم و بصرهم. مشكلة رغيف المر مشكلة وهمية مصطنعة ، مشكلة سببها من هم منا و فينا ، هي خليط من أزمة ضمائر ميتة و تسيب و فوضى و استعباط وتراخي و تقاعس أجهزة رقابية عن أداء أدوارها المنوطة يدفع ثمنها غلابة مصر.