تحدثت في عدة مقالات سابقة عن تجاوزات الشرطة، وعن عدائها السافر للمواطنين، حتى بح صوتي، واتهمت بأنني أحرض المواطنين على رجال الشرطة، على الرغم من أن مقالاتي التي تحدثت فيها عن تجاوزاتهم، كلها تدعو إلى النهوض والرقي بهم، ليكونوا أصدقاء للجماهير، بدلاً من النظام الحالي الذي خلق فجوة كبيرة بينهم وبين رجل الشارع. أنشئت الشرطة لحفظ الأمن، وهي العين الساهرة، التي تواصل الليل بالنهار، لتحافظ على أمن وسلامة المواطن، وهي لخدمة الشعب، وليست لعداوته والقضاء عليه، إذا أراد النظام الحاكم ذلك، لأنها لم تنشأ لخدمة النظام والحفاظ على كرسيه، بل إنها هيئة مستقلة، تردع كل من تجاوز حدوده، سواء كان حاكماً أو محكوماً، كما يحدث في الدول الديمقراطية. فكم سمعنا عن رئيس دولة أو رئيس وزراء استدعاه المدعي العام، أثناء مزاولته الحكم، للتحقيق معه في تجاوزات مع المواطنين، وكم من رئيس أو رئيس وزراء قدم استقالته عندما ثبت للعدالة أنه مدان. في كثير من الدول العربية، التي تحكمها أنظمة قمعية، وغير ديمقراطية، والتي وصلت إلى الحكم عن طريق صناديق الانتخابات المزورة، أو عن طريق الوراثة، وكأنها (عزب خاصة)، تورث للأبناء والأحفاد، تجاوز رجال الشرطة عملهم، ونسوا أنهم لخدمة الشعب، وعينوا من أنفسهم حراساً للنظام، يحفظون أمنه واستقراره، حتى لو وصل بهم الأمر إلى قتل المواطنين إرضاء له. قبل قيام ثورة 25 يناير، والتي أطاحت بمبارك وأركان حكمه، تجاوز رجال الشرطة الخطوط الحمراء، لأن مبارك ترك لهم الحبل على الغارب، يفعلون ما يشاءون مع المواطنين، دون رقيب أو حسيب، حتى إنه كان رجال الشرطة في السابق يخافون من رجال القضاء، لأنهم من يقف لم بالمرصاد إذا ثبتت إدانتهم، لكن عندما أصبح حبيب العادلي، وزيراً للداخلية، حَجَّمَ رجال القضاء ولم يعد لهم سلطة على رجال الشرطة، فزاد هذا من تجاوزاتهم، لأنهم علموا أنهم لن يحاسبوا على ما يرتكبون من أخطاء في حق الجماهير. تربى رجل الشرطة، منذ التحاقه بكلية الشرطة، على أنه صاحب سلطة عليا، وغير مسموح لأحد المساس به، وأنه فوق القانون، يفعل بالمواطنين ما يشاء وقتما يحلو له ذلك. بعد نجاح الثورة، وسقوط مبارك وأركان حكمه، وحبس حبيب العادلي، مازال رجال الشرطة يتجاوزون الخطوط الحمراء، رغم أنهم علموا يقيناً أثناء الثورة أن الشعب يكرههم ويكره الأرض التي يطأونها، بل إن كثيراً من ضباط الشرطة التحق بركب الثوار ليكتب اسمه في صفحات الشرف التي سطرها الثوار بدمائهم الزكية، وأرواحهم الطاهرة، وبعضهم حاول أن يفتح صفحة جديدة مع المواطنين. مازالت جمعيات حقوق الإنسان، ترصد لنا كل فينة وأخرى، تجاوزات رجال الشرطة مع المواطنين المسالمين، وذكرت لنا منذ أيام قليلة أن هناك أكثر من عشر حالات تعذيب جرت بعد الثورة في مراكز وأقسام الشرطة، وهذا العدد ليس قليلاً، لأن معنى أنه وصلها عشرة أسماء، أن هناك عشرات الحالات لم يعرف عنها شيئاً، لأنه دائماً في حالات التعذيب لا يذكر إلا أسماء من كانت لهم انتماءات سياسية أو دينية أو حزبية، أو أنهم من عائلات كبيرة أوصلت أسماءهم إلى الحقوقيين. كثير من رجال الشرطة، مازالوا يعيشون في عهد مبارك وحبيب العادلي، ولم ينسوا أن مصر تغيرت، وشبابها قاموا من سباتهم، ولم يسكتوا على تجاوزاتهم، فالفيس بوك موجود، وتويتر موجود، والشبكة العنكبوتية موجودة، والميادين العامة موجودة، وإذا لم يغير رجال الشرطة أنفسهم فسيغيرون، كما غير النظام البائد. أنا من أكثر المسالمين، الذين لا يحبون الخروج على الحاكم، مهما كان ظالماً، حفظاً للأمن وحفاظاً على الأرواح والممتلكات، ولكن إذا استدعى الأمر خروجي في مظاهرات فسأخرج، وأقول لا بكل قوة، لأني أنشد مستقبلاً زاهراً لي ولأبنائي من بعدي، وإذا ظل الظلم في مصر، فلن تقوم لها قائمة، فما حدث من تجاوزات في كثير من المؤسسات المصرية، هو السبب الرئيس في الضنك الذي تعيشه مصر، فمصر ليست فقيرة، كما يظن كثير من أبنائها، بل إنها دولة غنية جداً، وقد مَنَّ الله عليها بخيرات كثيرة، لا حصر لها ولا عد، ولكنها تحتاج إلى عدل في التقسيم، وإدارة واعية تحافظ على مكتسباتها، وتكون أمينة على مواردها. لابد وأن يفتح تحقيق عاجل وفوري، في حوادث التعذيب التي نشرتها جمعيات حقوق الإنسان، كي لا نرجع إلى الوراء، فرجل الشرطة لو علم أنه سيحاسب على تجاوزاته لاحترم نفسه، واحترم من حوله، والتزم بتطبيق القانون، فلابد وأن يطبق القانون ويغلظ على رجال الشرطة كي يرتدعوا ويعلموا أنهم لخدمة الشعب، وليس لقمعه، وأنهم ليسوا فوق القانون، كما يزعمون، وأن لهم خطوطاً حمراء عليهم ألا يتجاوزوها. نريد شرطة صديقة للشعب، وليست عدوة له.. نريد شرطة تعمل على حفظ أمن واستقرار المواطن، وليس إرهابه.. نريد شرطة تطبق القانون على نفسها قبل أن تطبقه على غيرها.. نريد شرطة تعمل تحت طائلة القانون، وليست فوق القانون. وفق الله مصر وكل الدول العربية والإسلامية، ورعى أبناءها، وحفظ شعوبها، وقيد لها حكاماً يكونون برداً وسلاماً على شعوبهم، ويعملون لصالحهم.. إنه ولي ذلك والقادر عليه. محمد أحمد عزوز كاتب مصري