أثارت مبادرة "المعونة المصرية"؛ التي أطلقها منذ أيام، الداعيه الإسلامي الشيخ محمد حسان؛ للاستغناء عن المعونة الأمريكية التي تحصل عليها مصر سنويًا من الولاياتالمتحدةالأمريكية، عن طريق تبرع جموع الشعب المصري بما يقدرون عليه من أموال، لضخها في حساب يحمل اسم المبادرة، من أجل النهوض بالاقتصاد المصري- أثارت جدلًا في الوسط الاقتصادي، حيث رحب عدد من خبراء الاقتصاد بالمبادرة على أنها تمثل خطوة جيده من أجل استقلال مصر اقتصاديًا وسياسيًا، والتخلص من التبعية لأمريكا، بينما رأى البعض الآخر أن هذه المبادرة تحمل إحسانًا للاقتصاد المصري، وأنه لكي يقف على قدميه من جديد يحتاج لحلول متوسطة وطويلة الأجل، ولكن المبادرة تشكل حلًا مؤقتًا لا يساهم في النهوض بالقطاع الاقتصادي في مصر. وفي الوقت الذي نجد فيه أمريكا تهدد بقطع المعونة الأمريكية - الاقتصادية والعسكرية - عن مصر، إذا ما استمر المجلس العسكري في وقف النشطاء الأمريكيين الذين يعملون في منظمات حقوقية في مصر عن السفر وذلك بالرغم من اقتراح الرئيس الأمريكي باراك أوباما منذ أيام بإنشاء صندوق بقيمة 770 مليون دولار يحمل اسم "صندوق التحفيز للشرق الأوسط وشمال إفريقيا"؛ لدعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي ترافقت مع الربيع العربي في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن الدول المقترح تقيد المساعدات لها مصر وتونس.
انتقد الدكتور شريف دلاور- خبير التنمية الاقتصادية وأستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا- المبادرة التي أطلقها الشيخ "حسان" بشأن المعونة المصرية قائلًا: "النهوض بالاقتصاد شيء والإحسان شيء آخر، ومبادرة الشيخ "حسان" جيدة، ولكنها لا تحل أزمة الاقتصاد المصري، لأنه يتوجه إلى المدى المتوسط والطويل، ولكنها تعتبر بمثابة حل مؤقت، ولكنها ليست الحل الأمثل، لاعتماد الاقتصاد المصري على نفسه".
وقال: إن هناك عددًا كبيرًا من المصريين يعانون من أزمات اقتصادية، حيث لا تُمكنهم مقدرتهم المالية على التبرع لصالح أي مبادرة، لافتًا إلى أن اقتراح حكومة "الجنزوري" بتوفير أراضي ومناخ استثماري جيد للمصريين في الخارج بالعملة الأجنبية يعد الأنسب للاقتصاد المصري في الفترة الحالية، حيث إن مصر خلال العام الماضي قامت بالاستيراد من الدول الخارجية بالمليارات.
وأضاف: إن التبرع بشأن أزمة الاقتصاد تعد مبادرة جيدة، ولكنها لم تدم لفترة طويلة، لافتًا إلى أن الاقتصاد المصري يعتمد في جزء منه على المعونة الأمريكية، قائلًا: "نحن نحتاج إلى العملة الأجنبية للنهوض بالاقتصاد، والسيولة المصرية متوفرة، وتكمن الاشكالية في تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي، ويجب أن لا تطبق فكرة المعونة المصرية بشكل عاطفي، ولكنها مبادرة مساعدة".
وعن تهديد الولاياتالمتحدةالأمريكية بوقف المعونة عن مصر أوضح "دلاور" أن أمريكا لا تستطيع أن تقف المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر، قائلًا: "الجزء الأكبر من المعونة والذي تبلغ قيمته 1.3 مليار دولار يوجه إلى القطاع العسكري، وهو لا تمثل أكثر من 20% من ميزانية القوات المسلحة، لذلك لا تستطيع أمريكا إيقاف المعونة عن مصر؛ لأن مصالحها الاستراتيجية ستتأثر من جراء هذا الأمر".
وأشار إلى أن المعونة الأمريكية من الناحية الاقتصادية قديمًا كانت تبلغ قيمتها نحو مليار دولار، ولكن في الوقت الحالي تم تخفيض قيمة المعونة الاقتصادية لأمريكا، لتصل إلى 300 مليون دولار، مؤكدًا أن المعونة العسكرية تمثل 1/5 حجم المعونة الموجهة إلى مصر.
وأكد أن قطع المعونة العسكرية عن مصر يعني أن يكون هناك تغيير استراتيجي في المنطقة لا تتحمله الولاياتالمتحدةالأمريكية، قائلًا: "تهديدات أمريكا بوقف المعونة أصبحت ورقة ضغط ضعيفة، ممكن أن تصل بمصر إلى الانسحاب من اتفاقية كامب ديفيد".
بينما يرى عبد الواحد سليمان - رئيس جمعية مستثمري المشروعات المتوسطة والطويلة - أن مبادرة الشيخ "حسان" جيدة إذا ما تم الاستجابة لها من قبل المصريين في الخارج والداخل، مشيرًا إلى أن المبادرة من الممكن أن توفر مبالغ تساعد على إحداث التنمية في مصر.
وأضاف إن ما يعاب على المبادرة هو أنها مؤقتة لمدة عام واحد، في حين أن العجز في الموازنة المصرية دائم، داعيًا الشعب المصري بأن يوجِّه طاقته من أجل دفع عجلة الإنتاج إلى الأمام، من أجل سد العجز في الموازنة، والنهوض بالاقتصاد المصري من جديد.
وأشار إلى أن وزارة القوى العاملة إذا ما عملت لصالح الدولة يومًا من كل شهر بصفة مستمرة، سيساعد ذلك على إيجاد حلول مستمرة لمقابلة العجز في ميزان الإنتاج.
واقترح "سليمان" على الشيخ محمد حسان أنه بعد الانتهاء من مباردة "المعونة المصرية"، يقوم بتدشين مبادرة أخرى لزيادة الإنتاج والإتقان في العمل.
وعن اقتراح "أوباما" بإنشاء صندوق لدعم الإصلاحات في الربيع العربي، قال "سليمان" إن أي مبادرة لدعم الاقتصاد المصري تعد محاولة جيدة، مؤكدًا أن فكرة هذا الصندوق حدثت من قبل تحت مسمى "خطة مارشال"، كان هدفها مساعدة أوروبا وقت حربها مع هتلر على الوقوف على قدميها مرة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية، واستطاعت الخطة أن توفر مبالغ طائلة لإحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والعودة إلى مستوى الدخل الأوروبي الذي كانت عليه قبل الحرب.
ووصف "سليمان" تهديدات أمريكا بوقف المعونة الاقتصادية والعسكرية عن مصر ب"الحرب النفسية" على مصر، خاصة أن المعونة الأمريكية لمصر تعد مبلغًا ثابتًا سنويًا تتلقاه مصر من الولاياتالمتحدةالأمريكية في أعقاب توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، حيث أعلن وقتها الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، عن تقديم معونة اقتصادية وأخرى عسكرية سنوية لكل من مصر وإسرائيل، تحولت منذ عام 1982 إلى مِنح لا ترد بواقع 3 مليارات دولار لإسرائيل، و2.1 مليار دولار لمصر، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 مليار دولار معونة عسكرية.
ورحب الدكتور عبد المطلب عبد الحميد- رئيس قسم الدراسات الاقتصادية بأكاديمية السادات- بمبادرة الشيخ "حسان"، ووصفها بال "اتجاه الإيجابي" نحو دعم الاقتصاد المصري.
وأشار "عبد الحميد" أن مراحل تطور الاقتصاد المصري أوضحت أن المعونة الأمريكية الموجهة إلى مصر استنفدت أغراضها التي قامت من أجلها، حيث إن المعونة انتهت من عدد من المشروعات التي أقامتها في مصر، موضحًا أنه في عام 1978 كان الناتج الإجمالي المحلي لمصر يصل إلى 40 مليار دولار، ولكن في الوقت الحالي وصل الدخل القومي لمصر إلى ما يقرب من 200 مليار دولار، ما يدل على تطور الاقتصاد المصري.
وأضاف "عبد الحميد" إن جزءًا من المعونة يذهب إلى جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان التي تُموَّل من أمريكا، لافتًا إلى أن ذلك يعني أن المعونة تتدخل في السياسة الداخلية لمصر، دون أن يكون الاقتصاد المصري في حاجة إليها، قائلًا: "علينا أن نوقف المعونة الأمريكية الموجهة إلى مصر طالما ستوظف في أغراض سياسية".
ويرى "عبد الحميد" أن الاقتصاد المصري يحتاج إلى توجيه الجهود الشعبية لدعمه، لكي لا تحتاج مصر إلى المعونة الأمريكية الاقتصادية، وتعويض ذلك بالتبرعات التي تستخدم في إقامة مشروعات اقتصادية تهدف إلى تخفيض مساحة الفقر، وتحسين أحوال الصحة والتعليم في مصر.
وتابع: "أتمنى نجاح دعوة الشيخ "حسان"، وتعبئة الجهود التي تعد في النهاية بمثابة مدخرات للاقتصاد المصري، تتحول إلى استثمارات لعدد من المشروعات، الأمر الذي يُمكنا من توفير بديل عن المعونة الأمريكية، والتخلص من التبعية الاقتصادية والسياسية لأمريكا"..