أشرقت شمس صباح اليوم لتبعث قدرا من الدفء بعد ليلة شتاء باردة قضتها الجموع المحتشدة فى ساحات التحرير منذ الليلة الماضية لإحياء الذكرى الأولى لثورة الخامس والعشرين من يناير .. الآلاف من المواطنين يتدفقون منذ الصباح على الميدان فى مسيرات حاشدة تصب فى ساحات التحرير من مداخل قصر النيل وعبد المنعم رياض وطلعت حرب للمطالبة بتحقيق أهداف الثورة التى تلخصت منذ انطلاق الثورة فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية . جميع القوى الثورية رفضت خطاب المشير الذى ألقاه أمس واعتبرت أن الشىء الوحيد الذى ورد بالخطاب فيما يتعلق بإلغاء الطوارىء وقصرها على البلطجة لا يعبر عن أمنيات هذه المرحلة وأنه لا بديل عن الرحيل وتسليم السلطة لمجلس الشعب. لكن الميدان الآن منقسم ما بين القوى الإسلامية وغير الإسلامية ، فبينما يعلو صوت الحركات والإئتلافات والقوى الثورية والليبراليين والاشتراكيين الثوريين الآن بالمطالبة برحيل العسكر فورا عن السلطة .. فإن الإسلاميين يعبرون عن تواجدهم بالاحتفال والدعاية لمجلس الشعب ثم تظهر على استحياء من فوق منصتهم الرئيسية بالميدان مطالبة المجلس العسكرى بترك السلطة .. وبين هؤلاء وهؤلاء آلاف من المواطنين العاديين الذين جاءوا من كل مكان للمطالبة بالتغيير الحقيقى فى شئون حياتهم بعد أن فتحت لهم الثورة أبواب الأمل من جديد. ونتيجة لهذا الاختلاف فإن هناك نحو 5 منصات رئيسية بالميدان ، ومنصة أخرى على أطراف التحرير تنتمى لبعض المستقلين والعدد قابل للزيادة ، هذا على الرغم من إعلان واتفاق شباب الثورة والقوى السياسية فى مختلف المؤتمرات والبيانات السابقة على عدم إقامة أى منصة حزبية ، لكن الموقف مختلف عن هذه البيانات ، وشكل المنصات كالتالى: - منصة للإخوان المسلمين بجوار تمثال عمر مكرم وتعد أكبر منصة بالتحرير وقد حاول بعض الشباب منع الإخوان من إقامتها ووقع صدام بسيط بينهم وبين شباب الاخوان إلا أن عدداً من المتظاهرين فضوا الاشتباك بين الطرفين وتم عمل ساتر بشرى ليلة أمس لحماية المنصة التى يتحدث من فوقها شباب الإخوان وبعض قيادات حزب الحرية والعدالة للمطالبة باستكمال أهداف الثورة ، واستضافت المنصة منذ الصباح أمهات الشهداء وبعض شيوخ الازهر من أعضاء الجماعة .. وأكد أحد شباب الاخوان من فوق المنصة بأنه لا يوجد اختلاف فى أهداف الثورة ولا توجد فرقة أما عن هتافات شباب الإخوان فهى " عايزين نرجع زى زمان ايد واحدة فى الميدان" و " جوه كنيسة وجوه الازهر يسقط يسقط حكم العكسر" و "الله أكبر الله أكبر والمجد للشهداء" .. كما توعد الاخوان إسرائيل من فوق المنصة بهتاف " بنرددها جيل ورا جيل تسقط تسقط إسرائيل" - منصة لشباب حزب الوفد وترفع شعار : إحنا الشعب فى كل ميدان لحد ما نور الحق يبان .. ضد الفتنة الطائفية ضد فساد الحرامية ضد القوة والاستعلاء ضد الفقر والغلاء - منصة يتزعها إئتلاف فجر الحرية والذى يرأسه أحمد عاشور والذى طالب اليوم باقالة النائب العام ورحيل العسكر فورا ومحاكمتهم وعدم الاعتراف بمجلس الشعب الحالى حتى يأتى النواب أو رئيس المجلس ويقدم نفسه للبرلمان ، ومن فوق هذه المنصة يردد المتظاهرين هتافات الثورة الأولى مثل الشعب يريد اسقاط النظام وإرحل إرحل - منصة لعدد من المستقلين .. - منصة أقامها إئتلاف كيان المعاقين للمطالبة بحقوق أصحاب الاحتياجات الخاصة أما مداخل الميدان فقد قام الشباب منذ ليلة أمس بإغلاق التحرير وتم تنظيم عمل اللجان الشعبية وتوزيع الشباب على المداخل بالتناوب ويقوم الآن شباب الإخوان المسلمين على وجه التحديد بدور بارز فى تأمين الميدان إلى جانب مساهمة حركة 6 إبريل والسلفيين وتشهد شوارع محمد محمود وطلعت حرب وقصر النيل كثافة عدد كبيرة من أفراد اللجان الشعبية لتأمين الميدان ومنع تسلل البلطجية. من جانبه أعلن اتحاد شباب الثورة أنه يفكر فى دعوة كافة القوى السياسية و الدينية إلى الاعتصام حتى جمعة الغضب 27 يناير فى حالة تمسك المجلس العسكرى بالبقاء فى السلطة. أما عن الموقف من الاعتصام فقد بدأ الإخوان المسلمون اعتصاما مؤقتا يستمر حتى مطلع الأسبوع القادم أما الجبهة السلفية فقد أكدت فى بيانها الصادر بشأن مشاركتها اليوم على أهمية استمرار الحالة الثورية في كل ربوع مصر حتى تتحقق كافة مطالبها المشروعة كاملة غير منقوصة؛ والتي نظن أنه لولا بقائها يقظة لما تحققت أية مكتسبات سياسية مما أنعم به الله علينا وحددت مطالبها فى تسليم السلطة في المدى الزمني المحدد وبصورة كاملة وضرورة الإسراع بمحاكمة مبارك وعصابته محاكمة عادلة ناجزة ويشمل ذلك كل رموز نظامه البائد وكذلك كل ضباط أمن الدولة والأمن المركزي المتورطين في قتل أبناء الشعب ليس في ثورة يناير فحسب وإنما طوال ثلاثين عاماً من حكم المخلوع و إلغاء "جهاز مباحث أمن الدولة" والذي يعمل متستراً تحت اسم الأمن الوطني - وذلك حسب ما ورد فى البيان - والإفراج الفوري عن الآلاف من المعتقلين السياسيين بعد الثورة وإلغاء المحاكمات العسكرية وكذلك الإفراج عن بضعة وأربعين معتقلاً أغلبهم من الإسلاميين والمحكومين بأحكام جائرة أمام المحاكم الاستثنائية في عهد مبارك.و الكف فوراً عن تشويه صورة ثوار مصر الأحرار في وسائل الإعلام ورميهم بالعمالة والتخريب وغيرها والكشف عن الطرف الثالث المزعوم؛ فقد انتهت سياسة تلفيق الاتهامات السياسية المرسلة دون دليل وكذلك سياسة التخوين والتخويف والتي تضر بأي نظام أكثر مما تنفعه. وتحمل لافتات الميدان المعلقة فى كل مكان إشارات ضمنية لرفض مرشحى الرئاسة الذين ينتمون للنظام السابق وعلى رأسهم عمر موسى واحمد شفيق كما تحمل هذه اللافتات مطالب الثورة فى رحيل العسكر وإقامة الدولة المدنية الحديثة والقصاص العادل وإعدام مبارك حتى تهدأ دماء الشهداء. لكن إحياء ذكرى الثورة اليوم لا يمكن اختزاله فى نشاط القوى الثورية والحركات السياسية وإنما هناك آلاف من المواطنين جاءوا للمطالبة بالعدالة الاجتماعية والتغيير الحقيقى فى حياتهم برفع مستوى الدخل ومحربة الفساد وهناك من حضر من الارياف والصعيد من أجل المشاركة ورفع الصوت الذى لن يسكت بعد اليوم ، فقد انتهى عصر الصمت ..