قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر: إن «الذات الإلهية» ليست موضوعًا للإدراك العقلي عند الإنسان ؛ فمن الممكن أن يصل الإنسان بنظره العقلي إلى إثبات وجود الله، وإثبات ما يليق به من التوحيد، ومن صفات الكمال والتنزيه، ولكن لا يمكن لهذا العقل - كائنًا ما كان ذكاؤه وإدراكه وقدرته وطاقته - أن يصل إلى إدراك الذات الإلهية ومعرفة حقيقتها وكنهها . وأضاف فضيلته خلال برنامج "الإمام الطيب" المذاع على قناة «cbc» الفضائية : أن تقرير القرآن الكريم لحقيقة عجز العقل عن إدراك الذات الإلهية يشكل قطب الرحى في قضية الإيمان بالله تعالى ، ولا يعني ذلك إزراءً من قيمة العقل أو حطًّا من مكانته ، وإنما هو واقع الأمر وحقيقته فيما يتعلق بطبيعة العقل وقدرته وحدود ما يستطيعه وما لا يستطيعه ؛ فمن طبيعة العقل البشري العجز عن إدراك كثيرٍ من الحقائق والظواهر التي يتعامل معها ليل نهار، وأول ذلك حقيقة «النفس الإنسانية» التي هي أقرب الحقائق إليه ، وكذلك حقيقة «المادة»، وحقيقة الضوء ، وحقيقة الجاذبية ، وحقيقة الذرة التي هي عماد التفسير العلمي المعاصر لأية ظاهرةٍ حسيةٍ . وبين الإمام الأكبر : أن فطرة الإنسان هي طريقه الأول نحو الإيمان بالله تعالى ومعرفته ؛ والمقصود بالفطرة ما يشعر به كل إنسانٍ من ميلٍ إلى اعتقاد الحق وإرادة الخير والإقرار بوجود إلهٍ خالقٍ للكون مدبرٍ له ، هذا الشعور أو الوعي القوي بوجود «الإله» هو قدر مشترك بين الناس جميعًا لا يخلو منه أحد من البشر منذ بدء الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . وأوضح فضيلته : أن تاريخ الأمم والشعوب في القديم والحديث يشهد بشيوع فطرة الاعتقاد في الله والإيمان به بين الأمم الهمجية والبائدة مثلما يشهد - بنفس القدر - بشيوعها في الأمم المتحضرة والحديثة سواءً بسواءٍ ، حيث كان الإيمان بالله - وسيظل - شعورًا مشتركًا بين بني البشر جميعًا ، يشعر به الصغير والكبير ، والعالم والجاهل ، بل إن الله فطر الجمادات والحيوانات على تسبيحه وتحميده وتنزيهه ؛ فهي مفطورة على معرفة خالقها ، مصداقًا لقوله تعالى: {تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيءٍ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليمًا غفورًا} . وأكد الإمام الأكبر : أن القرآن الكريم يشير في وضوحٍ -لا لبس فيه- إلى هذه الفطرية ، ويقرر حقيقتها ، ويعتبرها «حجر الزاوية» في بناء العقيدة الإلهية ؛ وذلك في قوله تعالى: {فأقم وجهك للدين حنيفًا فطرة الله الّتي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} ، مضيفًا أن المراد بالفطرة في هذه الآية هو: الإقرار بمعرفة الله تعالى . وأشار فضيلته : إلى أن الفطرة كثيرًا ما تعرض لعلل وعوارض وصوارف تنحرف بها نحو الفساد والضلال ، وتأتي وسوسة الشياطين وغوايتهم في مقدمة هذه الصوارف ، ثم تتلوها عوامل أخرى سيئة تعمل عملها في الخروج بالفطرة عن طبيعتها الخيرة ، والانحراف بها نحو العمى والضلال والجحود . وأوضح الإمام الأكبر : أن النبي صلى الله عليه وسلمنبهنا إلى أمر انحراف الفطرة وفسادها بسبب الشيطان أو ضلال الأبوين أو اضطراب البيئة الفكرية والعقلية ؛ فقال فيما يرويه عن ربه: «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم ، وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم ، وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا...»، مضيفًا أن الذين يولدون في بلاد ليس فيها احترام للدين ، أو بها محاربة صريحة للدين ، أو يعمى على تبليغ الدعوة الإسلامية من منابعها الصافية ويكتفى فيها بالصورة النمطية التي تشوه الإسلام والمسلمين الذين يعيشون في ظل هذه المجتمعات يعاملون معاملة أهل الفترة ، لقوله تعالى: " وما كنا معذبين حتىٰ نبعث رسولًا".