عيد بأية حال عدت يا عيد .. بما مضي أم بأمر فيه تجديد ، أبيات المتنبي هذه أصدق تعبير عن حالة كثير من المصريين حاليا .. وقد أكدت دراسة جديدة قام بها أحد مراكز الدراسات النفسية أن المزاج العام للمصريين أصبح اكثر ميلا للاكتئاب بعد الثورة ، وان تلك الحالة تحتاج إلي فترة قد تتجاوز 5 سنوات لنتخلص منها ، و قد حملنا تلك الدراسة الي الدكتور هشام حتاتة استشاري الطب النفسي لنعرف منه كيف نتجاوز هذه الحالة ، و ما هي نصائحه التي نستطيع أن ' نفصل ' انفسنا بها عن كل مسببات الاكتئاب لنستمتع بحياتنا بصفة عامة .. وبإجازة العيد بصفة خاصة . حالة الاضطراب السلوكي التي يعاني الشارع المصري منها الآن .. هل هي طبيعية ؟ بالتأكيد فأي شعب في الدنيا تحدث لديه ثورة لابد ان يتبعها اضطراب في السلوك , وهناك نقطة هامة لابد من تأكيدها وهي ان ما يحدث في الشارع المصري الآن يكاد يكون اقل كثيرا من الذي كان لابد ان يحدث مع شعب تعرض للقهر و الصمت لفترة تجاوزت 30 عاما و لكننا لابد ان ندرك ايضا ان الثورة كما لها فوائد لها اضرار وهذه الأضرار تصب بشكل رئيسي علي الجهاز العصبي باعتبار ان هذا الجهاز عضو من اعضاء الجسم عندما نحمله فوق طاقته لابد ان ينفجر او يمرض مثله هنا مثل الجهاز الهضمي مثلا لو أن الواحد فينا تناول كمية كبيرة من الطعام سيؤدي الأمر الي المرض و ربما التسمم و هذا ما يحدث معنا الآن خاصة ان الثورة لم تكتمل بعد فحتي الآن لم تظهر النتائج المتوقعة من الثورة التي كان من شأنها ان تضبط الحالة النفسية للناس . و ما هي تلك النتائج التي كان من المفروض ان تحدث حتي يعود سلوك الشعب لحالته الطبيعية؟ اول شيء التغيير الشامل للنظام و تحسن الظروف الإقتصادية و المعيشية و لكن نتيجة تدخل الكثيرين في الثورة و محاولة كل مجموعة فرض سيطرتها سواء بشكل مشروع او غير مشروع كل هذا فضلا عن اكتشاف الناس ان النظام السابق مازال باقيا و ما تغير هو اشكال رموزه ليس اكثر بالإضافة الي بطء المحاكمات و ضعف احتمال عودة اموال الشعب التي تم تهريبها للخارج , اما بالنسبة لزيادة المرتبات و تخفيض الأسعار و القضاء علي البطالة فلم يحدث أي جديد بل ما حدث هو العكس فالبطالة زادت و الأسعار ارتفعت و الأمور كلها بدت أكثر سوءا فطبيعي هنا ان يصاب الناس بالإحباط والاكتئاب . أغلب من اصيبوا بالاكتئاب بعد الثورة هم ممن لم يشاركوا في الثورة من الأساس .. فما تفسير ذلك ؟ فعلا معظم من اصيبوا بالإكتئاب من الأغلبية الصامتة و هذا أمر طبيعي لأنهم اكتشفوا عدم قيامهم بأي دور فعال في تحديد مصيرهم و مستقبلهم وأن من يقومون بذلك بالنيابة عنهم يأخذون قرارات قد تكون هذه الأغلبية غير راضية عنها و لكنها في نفس الوقت تشعر بأنه لا يوجد لديها حل سوي الإستسلام للأمر الواقع فهم غير قادرين علي النزول لميدان التحرير ليعبروا عن آرائهم خاصة ان الشارع الآن أصبح أكثر ديكتاتورية من النظام السابق نفسه وبالتالي اكتفوا بموقف المتفرج المظلوم مما أصابهم بالاكتئاب الذي قد يصل مع الوقت الي المرض النفسي . هل هناك مدلول نفسي للمظاهرات و الاعتصامات الموجودة في الشارع بشكل يومي تقريبا؟ بالتأكيد فالناس ' ماصدقت ' تجد وسيلة تستطيع أن تعبر بها عن نفسها و عن احلامها و طموحاتها و في نفس الوقت تتخلص من احساسها بالظلم الذي كانت تشعر به علي مدي السنوات السابقة . المفروض بعد الثورات ان يتغير السلوك للأفضل لكن ما حدث عندنا كان العكس .. لماذا ؟ لقد تغير سلوكنا للأفضل بعد الثورة لمدة لم تتجاوز الشهر او 3 اسابيع حيث كانت الناس متعاونة و الكل يحافظ علي النظام و نظافة الشوارع و الدليل أن بعض المنشورات التي كانت تنص في مضمونها علي ان مصر عادت لأبنائها و لابد من الحفاظ عليها و اشياء اخري من هذا القبيل لكن للأسف هذا السلوك لم يستمر سوي مدة قصيرة جدا لأن الطبع يغلب التطبع كما يقولون فنحن اعتدنا سلوكيات سلبية معينة لمدة 30 سنة و هذا شيء تغييره ليس بالأمر السهل . و هل هذه السلوكيات السلبية مسئولية النظام السابق ايضا؟ نعم فنحن لم نعتد احترام القانون ولا احترام الآخر بالإضافة الي ان قسوة الظروف الاقتصادية جعلت كل واحد ينظر للآخر في رزقه وخلقت احساسا مرعبا عند الفقراء بالدونية و عند الأغنياء بالطبقية و جعلت المصالح الشخصية فقط هي التي تحرك الجميع ولنا أن نتخيل انعكاس كل هذا علي سلوك الناس في الشارع و بملاحظة بسيطة لشكل و معدلات الجريمة في السنوات الأخيرة نستطيع ان نلمس مدي الكراهية والحقد الذي خلقه النظام السابق بين الناس . معني ذلك ان مثل هذه السلوكيات لن تتغير؟ لا , طبعا ستتغير مع الوقت و لكن الأمر يحتاج الي الصبر و التفاؤل بالقادم و لابد ألا ننسي ان كل الأديان السماوية تحثنا علي الصبر و من لم يستطع الصبر علي الابتلاء و الشدة و المصائب و المشاكل فهو معرض بنسبة 90% الي المرض النفسي . و كيف ندرب أنفسنا علي الصبر؟ بالأمل فالشعور بالسعادة و التفاؤل مرتبط بالأمل , لأن فقدان الأمل لابد ان يؤدي الي اليأس والإحباط و الأمل لن يأتي إلا بقوة الإيمان والثقة في ان قضاء الله و قدره فينا هو افضل اختياراته لنا التي لابد ان نرضي و نسعد بها فللأسف بعض الناس يتصور انه لو كان حدث له امر معين لكان افضل له و ان ما هو فيه هو الأسوأ متناسين قول الله تعالي ' وعسي ان تكرهوا شيئا و هو خير لكم ' فلابد من الإيمان الكامل و المطلق بأن اختيار الله لنا هو الأفضل علي الإطلاق و هو ايضا افضل علاج للاكتئاب . هل هناك مواصفات معينة لمريض الاكتئاب؟ لا نستطيع ان نحكم علي شخص معين انه مريض بالاكتئاب إلا عندما يفقد هذا الشخص القدرة علي ان يعيش تفاصيل حياته اليومية بشكل طبيعي و يوجد في الطب النفسي ما يسمي بمثلث الاكتئاب و يتمثل في نظرة الشخص لنفسه و لمستقبله و تصوراته عن نظرة الناس له فعادة مريض الاكتئاب يفقد الأمل في مستقبله و في ان يجد من يساعده و في قدراته الشخصية ايضا , وهذا الشكل الاكتئابي هو ما انتشر بين عدد كبير من الناس بعد الثورة خاصة ممن كانوا يتصورون ان الأمور ستسير بشكل افضل و ان فرص العمل ستتوافر والأهم من كل ذلك محاكمة كل من كان مسئولا عما تعرض له هذا الشعب من ظلم بين علي مدي السنوات السابقة و عندما بقيت الأمور علي ما كانت عليه حدثت الصدمة التي أدت بالبعض الي الاكتئاب . كيف نستطيع ان نفصل انفسنا عن المشاكل و لو لأربعة ايام فقط نستمتع فيها بالعيد؟ اولا نحن فعلا نحتاج لأن نفصل انفسنا لفترة عن كل ما يدور حولنا حتي لا ندخل في دائرة اكتئاب الخروج منها ليس بالأمر السهل و هذا يتطلب منا ان نقوم بعدة خطوات اهمها ألا نشاهد اطلاقا برامج التوك شو لأنها من اهم الأسباب التي قد تؤدي الي الاكتئاب فما يقال فيها يعاد يوميا بشكل مختلف مما يجعلنا نشعر اننا ندور في دائرة مغلقة لن نستطيع ان نخرج منها ابدا . وثانيا ان نبحث عن اقرب اصدقائنا ونفضفض معه فالدردشة و الفضفضة من اهم العوامل التي تذهب عنا الشعور بالملل والاكتئاب لأنها تجعل الإنسان يفرغ ما بداخله من شحنات سلبية و الأهم من ذلك ان يعطي كل واحد فينا فرصة لنفسه لأن يفعل شيئا يحبه او يمارس هواية تسعده مثل ان يسمع موسيقي او يلعب كرة او يخرج مع اصدقائه و ان يأخذ العيد فرصة لأن يزور اقارب لم يرهم منذ فترة و الأهم من ذلك هو الحفاظ علي الروحانيات فكلما تعمقت علاقة الإنسان بربه ازداد ايمانه بربه كلما ابتعد عن دائرة الاكتئاب .