أحكى لكم حكاية واحد صاحبى .. اسمه أكرم ، كل واحد له نصيب من اسمه ، أكرم كان عنده هواية بتاعته هو لوحده كل يوم جمعة ، بعد الصلاة ، يلف فى الشوارع بعربيته الصغيرة ، يشوف أى حد محتاج إنسان يجبر بخاطره .. يقف بالعربية ، وينزل يقدم مساعدة ولو بسيطة . يلقى ست كبيرة مكفية محنية على بسطة عيش بتبيعه فى عز الشمس أو البرد .. يشتريه منها، ويطبطب عليها .. وتدعى له " دعوتين حلويين " .. وتروح . يلقى طفلا صغيرا واقفا قدام محل أكل بيمصمص شفايفه النونو .. هفتان من الجوع ومنظر الأكل اللى محروم منه .. يشترى له وجبة .. وبالونة .. ويروح . يلقى رجلا عجوزا عايز يعدى شارع زحمة ومش عارف .. يجرى يساعده ، ويسمع الدعوتين ويحمد ربنا .. يلقى ست شايلة هم الدنيا وهى بتبيع درة مشوى ، يقف يشترى ويساعد ويبيع معها ويضحك وتضحك .. ويخلص شوال الدرة وتروَّح طايرة م الفرح . أكرم عمره ما بطل ضحك ، ولا نسى يوم جمعة يعمل اللى بدأ يعمله من 25 سنة وهو عمره عشر سنين .. جبر خاطر حد .. مهمته الحلوة .. لو أكرم كان بيتصور صورة سيلفى واحدة مع كل واحد قابله وجبر بخاطره .. كان زمانه عنده على الأقل عشرة آلاف صورة ! كان ممكن يدخل موسوعة الأرقام القياسية ، لكن هو كان بيعمل ده .. لأنه بيحب يعمل ده، ماكانش بيلقى الضحكة فى قلبه إلا لما تبدأ من قلب تانى أو وش تانى .. أكرم ، كان ناجح فى شغله ، مهندس لأنه ببساطة كان حابب يكون نفسه .. لحد ماجه يوم ، معدى شارع .. عربية خبطته وجريت، وقع .. ومن يومها أصبح سجين كرسى متحرك .. عزله عن ممارسة لعبة كل يوم جمعة المفضلة .. جبر خواطر ناس ماشية فى أرض الله . فى الأول ، لما حصل اللى حصل وبقى عاجز عن الحركة زى زمان ، كان بيلقى أصحاب كتير قوى حواليه ، أصحاب ، زمايل ، جيران .. كانوا بيعملوا ده من قلبهم ، هم فعلا بيحبوا أكرم ، .. بس الدنيا مشاغل .. يوم بعد يوم .. بتتفض الليلة الكبيرة .. وينتهى الأمر إلى وحدة قاتلة .. ومجرد ذكريات كل يوم جمعة .. بلكونة بيتنا ، هى المكان اللى لما تحاصرنا الوحدة ، بنحاول منها نشوف الدنيا الواسعة وهى بتتحرك .. حتى لو كنا قاعدين على كرسى من غير ولا خطوة . أكرم ، كانت قعدته المفضلة البلكونة ، من بعد حادث كان فيه بينه وبين الموت شعرة ! عاش ، لكنه محبوس بين عجلتين وكرسى ، قعدة البلكونة بتفكره بالناس اللى ياما جبر بخاطرهم ، كل واحد ساعده يوم الجمعة بحب .. اللى كان بيستمد منهم سعادته وقوته وأسبابه إنه يعيش .. يوم جمعة ، فى يوم جمعة زى اللى وحشه ، لقى ناس كتير جاية ناحية بلكونته .. كأن مظاهرة بتقرب بتقرب أكتر .. لمح وشوش فاكرها .. الست الطيبة اللى كام مرة اشترى خضارها من على الرصيف علشان تروح لولادها .. الراجل الكبير اللى كتير ساعده ينقل بضاعته من شارع لشارع العجوز اللى مرة اشترى له شوية حاجات من البقال على حسابه .. بيحلم ولا حقيقة ؟ وقفوا تحت بلكونته فى الدور الأرضى .. لو بيته الصغير يساع الكل كان قالهم اتفضلوا .. كانوا هنا جنبه .. عرفوا سره من صديق دوَّر عليهم فى الشوارع اللى حوالين البيت واتجمعوا يجبروا خاطره . لحظة بالدنيا .. يتأكد فيها إن مافيش حاجة حلوة بنعملها بتروح .. اوعى تصدق : إن كل الناس زى القطط تاكل وتنكر ... فيه ناس كده ، لكن كمان فيه ناس الكلمة الحلوة لو اتقالت لهم مرة فى أزمة .. بيفضلوا شايلين الجميل العمر كله. ( جبر الخواطر ) رزق ، ليك .. أو منك ، جبرت خاطر حد .. أو حد جبر بخاطرك ، فى الحالتين إنت اللى كسبان ، غمض عينيك كده وتخيل حياتك لو : كل ما تقدر تعمل حاجة بسيطة لحد من غير مناسبة .. حاجة بسيطة ، كل الحاجات الحلوة .. حاجة بسيطة . بس نعملها.