في سابقة تحدث لأول مرة اعترافا بالدور والأثر المهم والتأثير الكبير الذي تركه دوره الخالد في مسلسل رأفت الهجان على عقل ووجدان أكثر من جيل من شباب مصر، نشر جهاز المخابرات العامة نعيا للفنان محمود عبد العزيز نظرًا لتجسيده بطولات أبناء الوطن في أعماله بشكل صادق ومشرف. رفعت على سليمان الجمال هو الدور الذي حوّله محمود عبد العزيز إلى واحدة من أهم المسلسلات المخابراتية" رأفت الهجان" والذي قدمه في 3 أجزاء من إخراج يحيي العلمي، ويدور حول ملحمة وطنية في ملفات المخابرات عن سيرة الجاسوس المصري، رفعت الجمال، الذي تم زرعه داخل المجتمع الإسرائيلي للتجسس لصالح المخابرات المصرية، وكان له دور فعال في الإعداد لحرب أكتوبر. رحل الهجان إلى إسرائيل بتكليف من المخابرات المصرية في إطار خطة منظمة في يونيو عام 1956 وتمكن من إقامة مصالح تجارية واسعة وناجحة في تل أبيب وأصبح شخصية بارزة في المجتمع الإسرائيلي، وقام ولسنوات طويلة بالتجسس وإمداد جهاز المخابرات المصري بمعلومات مهمة تحت ستار شركة سياحية داخل إسرائيل حيث زود بلاده بمعلومات خطيرة منها موعد حرب يونيو لسنة 1967 وكان له دور فعال في الإعداد لحرب أكتوبر سنة 1973 بعد أن زود مصر بتفاصيل عن خط برليف، وأحدثت هذه العملية هزة عنيفة لأسطورة تألق الموساد وصعوبة اختراقه، وتم اعتبار الهجان بطلًا قوميًا بعد أن عمل داخل إسرائيل بنجاح باهر لمدة 17 سنة وفي 4 فبراير عام 1987، روى الكاتب الراحل صالح مرسى كيف ظهرت إلى الوجود قصته عن عميل المخابرات رأفت الهجان، كان الكاتب حسبما يقول قد قرر وقتها أن يتوقف عن كتابة هذا النوع من الأدب، لولا لقاء بالمصادفة جمعه بشاب من ضباط المخابرات المصرية أخذ يلح عليه وبشدة أن يقرأ ملخصا لعملية من عمليات المخابرات، ذات ليلة حمل الملف الذي يحوي تفاصيلها إلى غرفة نومه وشرع في القراءة وتمالكه إعجاب وتقدير كبير لشخصية رأفت الهجان وقرر أن يلتقي مع محسن ممتاز (عبد المحسن فايق أحد الضباط الذين جندوا الهجان) للحصول على تفاصيل إضافية تساعده في الكتابة عن الهجان، لكن محسن ممتاز رفض أن يعطيه معلومات حول شخصية الهجان الحقيقية، والتقى صالح مرسي بعدها أيضا مع عبد العزيز الطودي المتخفي باسم عزيز الجبالي الذي راح يروي على مدى عشرة فصول مخطوطة وعلى 208 ورقات ما حدث على مدى ما يقرب من عشرين عامًا. منذ ظهور قصة "رفعت الجمَّال" إلى الوجود، كرواية مسلسلة، حملت اسم رأفت الهجَّان، في 3 يناير 1986، في العدد رقم 3195 من مجلة المصوِّر المصرية، جذب الأمر انتباه الملايين، الذين طالعوا الأحداث في شغف مدهش، لم يسبق له مثيل، وتعلَّقوا بالشخصية إلى حد الهوس، وأدركوا جميعًا، سواء المتخصصين أو غيرهم، أنهم أمام ميلاد جديد، لروايات عالم المخابرات، وأدب الجاسوسية، وتحوَّلت القصة إلى مسلسل تليفزيوني، سيطر على عقل الملايين، في العالم العربي كله، وأثار جدلاً طويلاً لدرجة أنه كان وقت عرض المسلسل تصبح الشوارع خالية تماما من الناس، ولأن الأمر قد تحوَّل، من مجرَّد رواية في أدب الجاسوسية، تفتح بعض ملفات المخابرات المصرية، إلى صرعة لا مثيل لها، ولهفة لم تحدث من قبل، وتحمل اسم "رأفت الهجان"، فقد تداعت الأحداث وراحت عشرات الصحف تنشر معلومات جديدة في كل يوم، عن حقيقة ذلك الجاسوس، وأيضا فإن المسلسل الشهير برأفت الهجان لم تكن نهايته صحيحة بشكل كامل فإنها مختلفة عما تم عرضه في المسلسل وكما أن بعض الفقرات في حياته كانت خاطئة. أما عن اختيار محمود عبد العزيز لهذا الدور فقد كان هناك صراع بينه وعادل إمام على بطولة المسلسل، فقد روى الساحر في حوار سابق له أنه كان المرشح الأول للمسلسل بسبب "طبيعة الملامح الشخصية" للبطل فهو بحسب الأحداث وسيم وملامح وجهه تناسب المهاجرين من الغرب لمصر، ويجيد التحدث بعدة لغات، وهذا كله لا ينطبق على عادل إمام ، ولكن الزعيم لم يستسلم وتدخل بكواليس صناعة الملحمة داخل مبنى جهاز أمني سيادي، واستطاع إقناع بعض قياداته أن جماهيريته قادرة على إنجاح المسلسل. الأزمة اشتعلت بعد انتهاء التحضيرات الأولى للمسلسل بمنزل الكاتب المقرب من جهاز المخابرات العامة صالح مرسي، وبحضور المخرج يحيى العلمي، والفنان محمود عبد العزيز، فقد تلقى الأخير عدة اتصالات من الكاتب وحيد حامد تؤكد أن الدور ذهب بالفعل لعادل أمام، وبدأت الأخبار الصحفية تنشر بالجرائد القومية وقتها، الأمر الذي واجهه محمود عبد العزيز بحوار ساخن مع المخرج، قائلًا: مش أنت قلت لي أنك مقتنع بي في الشخصية دي؟ هل أنا جيت ضربتك على أيدك علشان تديني الدور؟”. وبعد انتشار الأخبار امتنع عن الاتصال بالمخرج، وكان تعليقه على أخبار بطولة عادل إمام للمسلسل هو: حسبي الله ونعم الوكيل، وشاءت الظروف في ديسمبر 1986، أن تحدث المواجهة بينه وبين عادل إمام وبصحبته زوج أخته الفنان الراحل مصطفى متولي، حيث قال "عبد العزيز" للزعيم، "إيه يا أبو رامي.. إيه لزمتها الوقفة دي دلوقتي علشان نتكلم في موضوع زي ده؟، فرد عليه الأخير قائلًا: إيه أبو رامي دي.. يا عم إن كان على الهجان فأنت اللي حتعمله”. في اليوم التالي مباشرة، تلقى محمود عبد العزيز اتصالاً هاتفياً من أحد الضباط من المخابرات، ليبلغه بأنه سيشارك في مسلسل "رأفت الهجان"، إلا أنه رد على الأخير قائلاً: “مش أنتم اخترتم عادل إمام عايزين إيه تاني؟”، موضحاً أن الضابط عرض عليه دور "محسن ممتاز" الذي ذهب فيما بعد للقدير يوسف شعبان، فرد عليه ب” حسبي الله ونعم الوكيل، على العموم أنا لي تصرف تاني لما الحلقات تخلص، وتتعرض، علشان مايقولوش إني أسعى إليها.. أنا هروح لرئيس الجمهورية وأطلب التحقيق في الموضوع، يمكن فيه حد في أسرتي كان جاسوس وأنا مش واخد بالي فسحبتم مني المسلسل، أو يمكن في جريمة أخلاقية ارتكبتها فعايزين تعاقبوني”. التلويح بدخول الرئيس في المعركة على تقديم دور رأفت الهجان، حسم الصراع سريعا لصالح محمود عبد العزيز الذي تلقى تكليفاً عاجلاً بالتوجه لمبنى المخابرات العامة لمقابلة الكاتب صالح مرسي والمخرج يحيى العلمي للتعاقد والبدء في التصوير. وظلت الأزمة معلقة بين الساحر والزعيم حتى الأسبوع الماضي ، عندما أصر عادل إمام على محادثة محمود هاتفياً للاطمئنان عليه بعد انتشار أنباء تدهور حالته الصحية.