بالرغم من مرض الإكتئاب أصبح سمة العصر تقريبا ومعظم الناس يعانون منه بدرجات متفاوته خاصة فى ظل الظروف المتخبطة التى نمر بها جميعا سواء كانت إجتماعية أو إقتصادية إلا أننا لابد أن نتمسك بالأمل حتى لانفقد الرغبة فى الحياة وأنا نبحث فى داخلنا عن ما يقوينا ويعيننا على الإستمرار وقبل هذا نؤمن بقدراتنا على تغيير الواقع مهما كانت درجة سخفه وضجيجه لمستقبل أكثر هدوءا وأماناأما سبيلنا لتحقيق ذلك فهذا هو ما سنعرفه من دكتور أحمد عكاشة رئيس الجمعية المصرية للطب النفسى والرئيس السابق للجمعية العالمية للطب النفسى . دكتور أحمد .. هل ترى أن الإكتئاب بالفعل أصبح سمة هذا الزمن خاصة عند المصريين ؟ نعم ولكن دعينا مبدئيا نتفق على أن الإنسان المصرى بطبيعته شخصية متفائلة ومقاتلة عكس ما يتصور البعض ولو لم نكن كذلك لما إستطعنا أن نحتمل كل ما مررنا به على مدى تاريخنا من إنكسارات وحروب وهزائم وظروف إقتصادية فى منتهى الصعوبة ومن ثم فطبيعى جدا أن نتعرض لموجات من الإكتئاب وضياع الأمل وعدم الرغبة فى الإستمرار ولكن علينا أن نتفرق بين كون هذا الإكتئاب مرض أو عرض لأنه لو كان مرض فمعنى هذا أن هناك خلل حدث فى كيمياء الجسم وهذا يحتاج الى تدخل طبى ودوائى أما لو كان مجرد عرض نتيجة ضغوط الحياة فالأمر هنا بسيط لأن هذا العرض سيختفى تدريجيا بمجرد إختفاء السبب ولكننا فى كل الأحوال لابد أن نفكر دائما فى أن نجعل من كل يوم نعيشه بمثابة أمل جديد نبدأ به مرحلة مختلفة فى حياتنا . وكيف يمكننا أن نبدأ مرحلة جديدة بإسلوب جديد يبعدنا عن الإحباط ؟ أولا لابد أن ندرك أننا مازال أمامنا الكثير حتى نستطيع أن نتجاوز الأزمات الكثيرة التى مررنا بها سواء على المستوى الشخصى أو العام وآلا نضعف أبدا أمام الظروف مهما كانت صعبة لأن المرحلة القادمة فى حياتنا جميعا كمصريين هى مرحلة البناء من جديد على أسس سليمة لذلك فالموضوع يحتاج لقدر كبير من الصبر والإرادة والإجتهاد وهذا ليس مجرد كلام نظرى لأننا لو عملنا به سنلاحظ فرق كبير فى حياتنا فالأخطر من الإحباط والإكتئاب هو الإستسلام له لذلك فلابد أولا أن نغير أى قيمة سلبية أو معتقدات هدامة بأخرى إيجابية وأن نعى جيدا قيمة الخبرات والدروس التى إكتسبناها طوال حياتنا . و بماذا إذن تنصحنا فى تلك المرحلة ؟ أنا غالبا ما أنصح أى إنسان يعانى من التخبط أو الإكتئاب أن يبحث أولا بداخله عما يعجبه فى نفسه ثم يدرس كل الطرق والوسائل التى يمكن أن تساعده على تغييره وتغيير حياته للأفضل ويحاول أن يكتشف نقاط ضعفه ليقويها ولا يتقوقع أو يتمركز داخل ذاته بالعكس فعليه أن يبحث فى تجارب الأخرين سواء كانت الإيجابية أو السلبية حتى يستطيع أن يتعلم منهم . على المستوى النظرى هذا الكلام يبدو سهلا ولكن فعليا لابد أن تكون هناك خطة معينة نستطيع اتباعها لإحداث هذا التغيير الإيجابى .. أهم شىء هو التفاؤل لأن هذا التفاؤل هو الذى سوف يبث فى نفوسنا الأمل وعلينا أن ندرك ان كل يوم يمر علينا ونحن مازلنا على قيد الحياة هو فرصة جديدة وانه سيحمل لنا العديد من المفاجأت لأن الحياة بطبيعتها لاتكف عن مفاجأتنا بأشياء كثيرة نحن أنفسنا لم نكن نتوقعها المهم هو أن نقوى إيماننا بالله و نعزز ثقتنا بأنفسنا وتقديرنا لها خاصة أننا لدينا مشكلة كبيرة فى مجتماعاتنا العربية وهى أننا نفتقر الى تقدير الذات ولانعطى أنفسنا حق قدرها فكثير منا لايعرفون ما هى قدراتهم بالضبط وحتى لو عرفوها لايجيدون إستغلالها وذلك نتيجة إستسلامهم لأول ظرف محبط والذى يجر وراءه احباطات متتالية بسبب هذا الإستسلام . بغض النظر عن أن مفاجأت الحياة فى الخمس سنوات الأخيرة كلها ليست على مايرام .. إلا إننى لابد أن أسألك عن الحل حتى تصبح نظرتنا إيجابية ؟ الحل يأتى بأن ندرس كل خطواتنا قبل أن نخطوها ولانتحرك جهة هدف محدد إلا إذا قمنا بوضع خطة قبل أول خطوة حتى نضمن أننا نسير فى الإتجاه الصحيح فضلا عن اننا يجب ان نبحث دائما عن بدائل لكل خطوة حتى إذا تعثرت احداها نمشى بالإتجاه البديل كما ان تحديد الأهداف لابد أن يكون من الأسهل الى الأصعب وبهذه الطريقة يكون تحقيق الصعب ممكنا بل وميسرا أيضا بمعنى أن من يبحث عن عمل مثلا لابد أن يقدم بعض التنازلات عن متطلباته فى هذا العمل حتى يصل بعد ذلك الى ما يحلم به ومن حقق خطوة على طريق النجاح عليه ان يتمسك بها ليحقق خطوات كثيرة بعدها . المرحلة الراهنة تحتاج منا جميعا الى الإنغماس فى العمل مهما كان بسيطا ... فهل يمكننا بذلك أن نصبح أفضل ؟ بالتأكيد فمصر لاتحتاج شيئا الأن سوى العمل بإخلاص هذا بالإضافة الى أن الإنسان يكتسب قيمته من قيمة عمله مهما كانت طبيعة هذا العمل بسيطة فالمهم أن نعمل وأن يكون لدينا هدفا من عملنا هذا ومن يعتد الإنغماس فى العمل والإخلاص له سيجد نفسه بعد ذلك مخلصا فى كل شىء سواء كان لمبادئه أو معتقداته أو وطنه وهذا فى حد ذاته سيكسبه قيمة كبيرة ويجعله يشعر بأهميته فى الحياة وعليه أن يجعل من هذا المبدأ يقينه فى الحياة. ما الذى ينقصنا حتى نصل لهذا اليقين ؟ أهم ما نحتاجة الأن هو وجود هدف قومى نلتف حوله جميعا ونعمل كل واحد من مكانه لتحقيقة وشخص نثق فى قدراته ونزاهته يسعى الى اعادة بناء الوطن من جديد ويعمل على حدوث تغيير حقيقى . مازال البعض يرى انه لا أمل فى التغيير ... فهؤلاء ماذا تقول لهم ؟ فقدان الأمل فى حد ذاته ضعف ونحن نعيش فى زمن لامكان فيه للضعفاء وأنا هنا لاأقصد الضعف بمعناه المتعارف عليه وانما ضعف العلم والمعرفة والأمل وعدم القدرة على مساعدة النفس على التغيير والعمل لغد أفضل لأن أى يوم يمر فى حياتنا يمكن أن يكون أفضل ويأخذنا الى خطوة جديدة لتحقيق أهدافنا شرط عدم التوقف عن الرغبة فى التطوير فالإنسان يستطيع أن يغير من نفسه وظروفه مادام يطور من قدراته المهم آلا نضعف ونقف مهما كان الطريق صعبا لأن الإصرار هو وحده الذى سيحقق لنا التغيير الشخصى اولا وتغيير الوطن والمجتمع ككل ثانيا المهم أن يكون لدينا إيمان قوى بذلك وأن ندرك أن أى تغيير يحتاج الى خطة مدروسة وقدر من الصبر والإرادة . وكيف يكون التغيير على المستوى الأخلاقى والأدبى ؟ العكس هو الصحيح فلو لم يبدأ التغيير من المستويين السلوكى والأخلاقى لما وصل الى المستوى المهنى لذلك لابد أن يبدأ التغير من السلوك وهذا لن يحدث إلا إذا كانت هناك رغبة داخلية صادقة فى التغيير تجعلنا نعيد صياغة أنفسنا من جديد بعد أن نحدد نقاط ضعفنا وقوتنا وننميها لنعيد بها قيمنا الإيجابية والمتمثلة فى الحب والتسامح والإهتمام بالأخر ومساعدته والصدق مع أنفسنا ومع الأخرين لأننا لو لم نستخدم تلك القيم ستموت بداخلنا ونكتشف أننا أصبحنا أشخاصا أخرين لانعرفهم لذلك فمهم جدا أن نشارك من حولنا أفراحهم وألامهم وأن نسعد لنجاحهم ونفكر كيف نكون مثلهم وان نحول إحساسنا بالغيرة وهو إحساس ينتاب الإنسان من وقت لأخر حتى لو كان دون إرادته الى شعور بالمنافسة نسعى به الى تطوير أنفسنا إنسانيا ونفسيا . وكيف يمكننا أن نحقق كل ذلك ؟ بالحوار فعلينا أن نبدأ من تلك اللحظة بالحوار الصادق الواعى مع أنفسنا أولا وأفضل طريقة لذلك أن يمسك الواحد فينا ورقة وقلما ليحدد عيوبه بدقة وصدق مع نفسه ويحاول أن يغيرها واحدا تلو الأخر حتى لو كان هذا صعبا وفى نفس الوقت يحاول أن يزيد من ثقته بنفسه ولاينشغل بعيوب الأخرين عن عيوبه وأى إنسان سيفعل ذلك برغبة حقيقة وإرادة قوية سيتغير الى الأفضل وهذا التغيير لابد منه لأننا نعيش مرحلة التغييرات الشخصية والعامة وعلينا أيضا آلا نفعل هذا التغيير بالقسوة على أنفسنا لأن الله سبحانه وتعالى كان رؤوفا بالإنسان الى أقصى درجة ممكنة لدرجة انه حتى عندما حرم الأشياء الخاطئة لم يحرمها مرة واحدة وإنما حرمها تدريجيا لأنه أعلم بطاقة الإنسان وقدراته وأن أى تغيير فى الدنيا يحتاج الى وقت ومما لاشك فيه ان التمسك بالدين والإيمان بالله يحميان الإنسان من العديد من الأمراض النفسية خاصة الإكتئاب والجمود لإنهما يحثان على صحوة الضمير والتغيير للأفضل والأمل كما انه يدفعنا الى مساعدة الأخرين.