تصوير: محمود شعبان * حسين وصل للعالمية وأبهر الفرنسيين بنحته على الفخار.. وشريف أنشأ فندقا ريفيا * دينيس.. تعلم على يد طه حسين وترجم روايات محفوظ.. وأسلم على يد الأهالي وسمي نفسه عبد الودود منذ أكثر من 70 عاما جاء إلي قرية بسيطة من قرى الفيوم رجل تونسي وأقام عددا من المنازل على الطراز التونسي.. بعد أن كانت عبارة عن عشش يسكنها الفلاحون.. ليتحول اسمها من" أبعدية والي" إلي قرية تونس.. ولكنها كانت على موعد مع صدفة أخرى حولتها إلي ريف أوروبي أو سويسري مثلما يطلق عليها الأجانب.. وذلك عندما قررت امرأة سويسرية أن تعيش فيها منذ أكثر من 40 عاما.. وتصبح محط أنظار المهتمين بالسياحة الريفية على مستوى العالم.. حكاية القرية وما يحدث فيها نعرفه في السطور التالية... ويعد موقع القرية أهم ما يميزها، فهي مبنية فوق تلة، قبلها وبعدها الأرض مستوية في نفس مستوى بحيرة قارون، وبذلك هيأت الطبيعة للناظر من القرية رؤية واسعة للعالم المحيط بها، حيث ينظر من مكان عال إلى المشهد المحيط، كما يشكل مزيج المياه والخضرة بالقرية مشهدا طبيعيا خلابا. الجميع هنا نصحنا بالتوجه للست الكبيرة كما يحبون أن يطلقوا عليها.. وهي السويسرية إيفيلين والتي يعتبرونها بمثابة عمدة القرية.. توجهنا إلي مدرستها التي افتتحتها لتعليم أهالي القرية نحت الخزف والفخار، المفاجأة أن نعرف أنها كانت متزوجة بالشاعر سيد حجاب، وعندما انفصلا قررت البقاء في القرية وتزوجت فرنسيا.. وتعيش في مبنى بالحجر تزينه القباب على طريقة المهندس المعمارى الراحل حسن فتحي.
وتقول: عندما جئت للقرية منذ أكثر من 40 عاما لم أستطع تركها، وعشت فيها وتعلمت على أيديهم العربية الفلاحي، وأشعر بأني فلاحة مثلهم، واصطحبت معي عددا من أصدقائي ومارست هوايتي المفضلة في صناعة الخزف، ولا أحب أن يعاملني أحد كسائحة أجنبية، فأنا عشت عمري كله هنا في قرية تونس عندما كانت منطقة مظلمة مخيفة على ضفاف بحيرة قارون، لكن كان عندي حماس أن أصنع عاصمة للفنون والآداب والجمال في الريف المصري، فاخترت هذه القرية بالمصادفة ونقلت إليها ما تعلمته في كلية الفنون التطبيقية بسويسرا وبدأت التجربة بفن الخزف وعملت ورشة ثم تحولت الورشة إلى جمعية لتعليم أولاد الريف على هذا الفن، والآن هناك ورش عديدة بالقرية، وفى المدرسة يتعلم الأطفال هذا الفن التراثي الذي لن يموت لأن مصر صاحبة حضارة عظيمة وطويلة جدا، وهى أصل كل هذه الفنون. وتضيف قائلة: وفى كل عام نقوم بتنظيم معارض عالمية في فرنسا وسويسرا وتحظى بإقبال كبير وإعجاب ممن يقدرون هذا الفن، والحمد لله تحولت القرية أيضا إلي منتجع سياحي ريفي يأتيها السائحون من كل مكان في العالم، فالقرية تجمع كل شىء جميل في مصر، فهناك خضرة وجبل ومياه وناس بسطاء وهذا ما جعل فناني وأدباء أوروبا يأتون إليها خصيصا ويقيمون بها فترة كل عام من أجل مواصلة إبداعهم، أيضا هذا المكان يتمتع بهدوء غير طبيعي والناس بسطاء جدا وخارج نطاق الزمن يعنى هم يستيقظون منذ الصباح الباكر ويذهبون لأعمالهم في الحقول ثم يعودون وقت الظهيرة ثم يذهبون للحقول مرة أخرى بعد العصر ثم يعودون في المساء، فأنا أشعر أن الحياة هنا تسير في غاية النظام والدقة كأنني جالسة فى خلية نحل، والأجانب يطلقون عليها اسم الريفي السويسري أو الأوروبي، وبالرغم من كل ما فعلته وسنوات عمري التي قضيتها هنا إلا أني لا أحمل الجنسية المصرية، ولكن ابنتي تزوجت بمصري، فحصلت على إقامة يتم تجديدها كل عام، وأتمنى أن يتم حل هذه المشكلة التي أعيشها لأني أعشق القرية ولا أريد الخروج منها حتى الموت، كما أن تجربتي في قرية تونس يشهد بها الاتحاد الأوروبي الذي أوفد لجنة لدراسة جوانب الجمال في القرية، فقد ساهمت في الترويج السياحي للقرية من خلال المعارض الكثيرة التى قمت بتنظيمها فى دول أوروبا العديدة. العديد من الشباب في القرية اختاروا عمل الخزف والفخار وأصبحت مهنتهم.. ويقول كريم إسماعيل- 26 سنة-: أعمل في هذا المجال منذ أن كان عمري 8 سنوات، وأحببت جدا هذا العمل لأني أجد متعة في العمل اليدوي وخصوصا عندما أعرض أعمالي في معارض القرية، حيث نقيم هناك العديد من المعارض ويأتي سائحون من كل مكان، كما أن القرية كلها تقريبا منطقة سياحية وخصوصا في الشتاء. كما أن الفتيات أيضا يفضلن هذه الحرفة وتقول أميرة حسني: تعلمت النحت على الخزف والفخار منذ 5 سنوات على يد الست إيفلين، وهي التي جعلتني أحب هذا العمل، والفتيات عموما يعملن أيام الجمعة والسبت لأن العائلات هنا يهتمون بتعليمهن، ولذلك يعملن في الفخار في أيام الإجازة فقط وباقي الأسبوع يركزن في دراستهن، ومن الممكن أن أبقي يوما كاملا أعمل في الفخار، فالقطعة الصغيرة تأخذ مني حوالي 4 ساعات حتى تصبح قطعة فنية. وعلى أرض هذه القرية هناك شباب وصل صيتهم للعالمية ومنهم حسين سعداوي- 27 سنة دبلوم تجارة- والذي يقول: أعمل في الفخار والخزف منذ 14 عاما، وكنت أحب هذا العمل اليدوي فأشعر بأني فنان حقيقي، وبعد أن تعلمت في مدرسة الفخار أصبحت أتقن كل قطعة أقوم بتصنيعها، والمكسب يكون في الشتاء وأبيع القطعة من سعر 10 جنيهات وحتى ألفي جنيه، وأكثر من يشترون مني أجانب، والحمد لله حققت نجاحا وحصلت على شهادة تقدير من الأوبرا، وجاءتني الفرصة للسفر إلي فرنسا لأعرض أعمالي هناك، وكان هناك انبهار بها، فالحمد لله وصلت للعالمية، وفي الفترة القادمة سوف أسافر أماكن أخرى لعرض أعمالي وأشرف مصر، وبالرغم من كل ما حققته مازلت أزرع أرضي. وتنتشر العديد من ورش الفخار في القرية تقريبا في كل شارع.. وأشهرها هناك ورشة إبراهيم سمير والذي يقول: القرية بشكل عام كانت زراعية، وحدثت لها نقلة كبيرة عندما جاءت إيفيلين، وأصبحنا نعتمد على السياحة، وأعمل في الفخار منذ 15 عاما، وأنشأت هذه الورشة، وعلمت طلابا كثيرين، وهناك ما لا يقل عن 250 فيلا هنا أغلبها لأجانب بعضهم يعيش في القاهرة وآخرون يعيشون خارج مصر، ويأتون للقرية لقضاء أجازاتهم، كما أن الطبيعة التي تنعم بها قرية تونس جعلتها مكان الإقامة الأمثل للأدباء والمفكرين، فمن سكانها يأتي في الشهرة بعد فنانة الخزف إيفيلين، المترجم الكبير دينيس جونسون ديفيز، وهو أول من ترجم روايات نجيب محفوظ إلى الإنجليزية، والذي كان ضمن البعثة التي جلبها طه حسين لتدريس اللغة الإنجليزية بكلية الآداب، ويقيم بالقرية أيضا عدد آخر من الفنانين مثل رسام الكاريكاتير نبيل تاج وعدد من أساتذة الجامعة الأمريكية وفنان يدعى خافيير بوجاماتى وعدد من الأجانب الذين يعشقون الريف المصري وقد فضلوا الإقامة في المكان بعيدا عن الازدحام، ولكن مشكلة القرية أنها لا توجد لها دعاية كافية لإبرازها على خريطة السياحة في مصر بالرغم من أن العديد من السائحين يأتون إلينا، ولكن حاليا يتم التحضير لفيلم تسجيلي عن طبيعتها وأهم نشاطاتها وأهميتها السياحية والثقافية. ويفتخر أهالي القرية البسطاء بأنهم كانوا السبب في إسلام دينيس مترجم روايات محفوظ، وأطلق على نفسه اسم عبد الودود، حيث كان دينيس يسمع آذان الفجر يوميا فيرى البسطاء يهرعون من نومهم إلى الصلاة وحسب أهالي القرية أنه كان يصلى معهم ويشعر بسعادة بالغة عند قراءة القرآن ولايزال هذا الكاتب على قيد الحياة لكنه يحضر إلى القرية في منتصف فصل الشتاء فقط. كما اختارها الفنان التشكيلي محمد عبلة ليقيم بين أحضانها أول متحف لفن الكاريكاتير في الشرق الأوسط والذي يضم مجموعات كاملة من الرسوم الكاريكاتيرية لأجيال مختلفة من الساخرين الذين أثروا الصحافة المصرية، مثل صلاح جاهين ورخا وصاروخان وحجازى وغيرهم، ويقول الفنان محمد عبلة: جئت لقرية تونس منذ أكثر من 20 عاما، ومنذ ذلك الوقت وحتى الآن لم أستطع أن أتركها إلا أياما قليلة، فأشعر بأنها واحة الفن في مصر وليس لها مثيل في أي مكان، وأحلم بأن تتحول القرية إلي أرض الفن في مصر ويأتيها الفنانون في كل المجالات من كل مكان، وننظم سنويا ورش عمل للتدريب على فن الكاريكاتير ويفد إلينا فنانون من كل مكان، واخترت أن ابني هذا المتحف على الطراز الفيومي حتى يكون مميزا وليس له مثيل في أي مكان آخر، ويجب على الدولة أن تهتم أكثر بهذه القرية التي رفعت اسم مصر عاليا. شهرة القرية في مجال السياحة شجعت عددا من الشباب لإقامة فنادق ريفية ربما لا يوجد مثلها في مصر كلها.. ومن هؤلاء شريف سمير- 31 سنة-: وجدت أن العديد من السائحين الذين يأتون للقرية يحبون الجو الريفي وحياة الفلاحين، وهذا ما شجعني على أن أوفر لهم هذا الفندق الريفي البسيط والذي يعشقونه، وأنشأته منذ 10 سنوات، وعندما يأتي أي سائح يجب أن يمر على الفندق، وهناك أفواج يتحدثون معي في التليفون قبل المجيء لمصر من أجل الحجز، ولكن الحجوزات تكون أكثر في الشتاء، كما أن هناك العديد من الشباب المصري الذين يأتون هنا لقضاء إجازتهم، فهناك شباب يحبون هذا الجو الريفي وخصوصا من الطبقة العالية، والحمد لله المكاسب تكون كبيرة، لأن القرية ليس لها مثيل في مصر، فالسائح إذا أراد الجو الريفي والهدوء يأتي إلى هنا.