تحقيق- وليد فاروق محمد - محمد شعبان: تصوير- محمد لطفي: - هنا عاش سيدنا يوسف وراودته امرأة العزيز عن نفسه وأبقاه ربه في السجن بضع سنين - العزيزية كانت عاصمة في تاريخ العالم .. وعاش علي أرضها إبراهيم ويعقوب ويوسف عليهم السلام - حوض زليخة شاهداً على قصة إمرأة العزيز مع الصديق يوسف.. ومخازن التلال مازالت تحتفظ بأسرارها - الأهالي يعتقدون أن الدعاء مستجاب عند سرابيوم السجن! - 500 فدان مدفون بأسفلها قصر العزيز .. وفوقها يلقي الأهالي القمامة ومياه الصرف!
هنا عرف العالم أول حضارة في التاريخ ، وشيد المصريون أول عاصمة في التاريخ ، هنا أرض مباركة عاش فوق ترابها أنبياء الله إبراهيم ويعقوب ويوسف عليهم السلام ، وولدت السيدة هاجر أم العرب وزوجة فرعون التى بني الله له قصراً في الجنة والرجل المؤمن الذى ذكره القرآن الكريم ، هنا حكايات لا تنتهي واسرار مدفونة علي عمق آلاف الأمتار ، ذهبنا إلي قرية العزيزية علي مسافة 18 كم فقط من القاهرة .. لكننا شعرنا بأننا عدنا للوراء عشرات السنين ، تفاصيل غريبة ومشاهد من الصعب وصفها بما يليق بها .. لكننا سنحاول أن ننقل لكم بالصورة والكلمة ما رأيناه ، ونتمني ألا يعتبر البعض هذا الموضوع سرد لقصص أحد أنبياء الله أو مجرد " حدوتة " تاريخية .. فالحكاية تحتاج إلي تضافر جهود كثيرة لكي تعود لهذه المنطقة العريقة المكانة التى تليق بها.
أهلأً بكم في أرض الأنبياء العزيزية هي إحدي 4 قري بمركز البدرشين الذى يضم أيضاً قرى أبو صير وسقارة وميت رهينة ، وكانوا قديماً جزءاً واحداً يشكل مدينة " منف " أو " ممفيس " أقدم عاصمة في تاريخ العالم والتي أسسها الملك مينا موحد قطري الشمال و الجنوب عام 3400 ق. ، وبما أن قرية العزيزية هي أدني نقطة .. وحيث أن ملوك الدولة القديمة كانوا يشيدون قبورهم في المناطق العالية التي تحيط بأماكن وقصور معيشتهم ، فإذًا العزيزية كانت منطقة المعيشة ، وقد اشتق اسمها من عزيز مصر والتي روي القرآن الكريم قصة زوجته زليخة مع نبي الله يوسف ، وأرض البدرشين بما فيها العزيزية مباركة .. فقد جاء إلي منف القديمة نبي الله إبراهيم وتزوج من أهلها السيدة هاجر أم نبي الله إسماعيل وجدة خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ، وأيضاً تزوج سيدنا إسماعيل " أبو العرب " زوجتة الثانية من عند أخواله من منف ليكون المصريون أخوال العرب علي مدار التاريخ ، كما جاء إلي العزيزية سيدنا يعقوب وأولادة جميعا لتتحقق أشهر رؤيا في تاريخ العالم وهي رؤيا سيدنا يوسف عليه السلام ، ووقع علي أرض العزيزية أشهر حلم في التايخ .. وهو حلم الملك والسبع بقرات العجاف و السبع بقرات السمان ، و جاء ذكر منف في قصة نبي الله موسي ، ومنها خرج الرجل المؤمن أو " مؤمن آل فرعون " الذي أصبحت قصة قرأن يتلي إلي يوم القيامة ، ومنها السيدة آسيا بنت مزاحم زوجة فرعون ، وهي خير نساء العالمين والتى بني الله لها قصراً في الجنة . قصر العزيز تل العزيز أو " الكوم " كما يطلق عليه أهالي العزيزية موجود عند بداية مدخل القرية و نهاية ميت رهينة من ناحية الشمال ، ويبعد عن هرم زوسر المدرج بمنطقة آثار سقارة نحو كيلومتر واحد ، و التل حالياً عبارة عن هضبة كبيرة من الأكوام المترامية من الأتربة و الأحجار و بقايا التيجان و جداريات القصر ، كما توجد به بقايا أبار وفتحات تشير إلي مداخل القصر الذى يقع علي مسافة نحو 200 متر تحت الأرض ، والمنطقة مساحتها نحو 500 فدان ولا يقف لحراستها أى شخص ولذلك طالتها كل التعديات التى يمكن تخيلها بداية من زراعة اجزاء منها والبناء علي اجزاء أخري عن طريق " وضع اليد " .. إلي جانب اعتبارها " خرابة " لإلقاء المخلفات والصرف الصحي .. إلي جانب اقتطاع جزء منه وتشييد مقهي عليه ، كما يستغل بعض سكان البيوت المحيطة مساحات منه لرعي أغنامهم وإلقاء مخلفاتهم .. بل ونشر غسيلهم علي بقايا ما تبقي من أعمدة القصر ! بل ووصل الأمر لكونه الوكر المعروف لكل أهالي المنطقة والذى يلجأ إليه المجرمون لتجارة المخدرات والسلاح والأثار ، والطبيعي هنا أن يأتي أي شخص ليقوم بالحفر لأيام طويلة تنقيباً عن الأثار بدون أن يجرؤ أحد علي سؤاله أو محاسبته ، وكان دليلنا فى الصعود إلي المكان وليد محمد عبد الحارث تركى أحد سكان قرية العزيزية ، يقول : القرية تعانى من مشاكل كثيرة أهمها مياه الشرب التى لا توجد بدرجة كافية ، ايضا هناك أزمة مستمرة بسبب الطرق التى لا تحظى أى أهتمام فهي ضيقة جدا وغير مرصوفة ، كما تم ردم بعض الترع التى كانت تشق القرية بهدف استغلالها فى إقامة مشروعات خاصة وأكشاك ومحلات، ، وأكبر خطر يهدد القرية هو تجريف الأراضى الزراعية والبناء عليها ، وفى أقل من 15 سنة لن تكون هنا مساحات خضراء مع أنها الأرض التى أطعمت العالم فى الزمن القديم، أما بالنسبة للتاريخ والقيمة الدينية للقرية فإننا جميعا مؤمنون بقصة سيدنا يوسف التى دارت هنا فى هذا المكان، وللأسف هذا المكان الأثرى تعرضت خيراته للنهب والسرقة ، وكانت توجد بعثات أثرية تعمل فى هذا المكان لكن هذه البعثات غادرت الموقع ولم تأت منذ قيام الثورة . حوض زليخة القرية مقسمة لعدة أحواض أهمها حوض "زليخة" نسبة للسيدة زليخة زوجة العزيز وزوجة سيدنا يوسف فيما بعد، ومما هو متعارف عليه بين اهالى القرية وبين أهالى البدرشين ان سيدنا يوسف عليها السلام عندما خرج من السجن ورأى زليخة بعدما كبرت قال لها "مال البدر أصبح شين" ومن هنا جاءت كلمة البدرشين، ويؤكده البعض وجود نفق تحت الأرض يربط بين قصر العزيز يمر من حوض زليخة ويصل إلي قرية أبوصوير في الجهة المقابلة حيث يوجد سجن يوسف ، و" حوض زليخة " حالياً عبارة عن مساحة زراعية عند مدخل القرية يقال إنه يقع تحتها الحوض الذى كانت تستخدمه زوجة العزيز للاستحمام مع زوجات كبار الأمراء والأعيان وقتها .. وهم النسوة الذين تهامسوا بقصتها مع سيدنا يوسف وأشار إليهن القرآن الكريم .
سجن يوسف .. ومسجد موسى سرداب طويل يربط بين قصر العزيز والهضبة الصحراوية حيث سار يوسف الصديق مودعاً القصر إلي السجن ، نحو 3 كم تقريباً تفصل بين قصر العزيز وسجن يوسف الموجود داخل منطقة أثار سقارة في قرية أبو صوير ، وفي هذه القرية الى جانب آثار الفراعنة توجد آثار نبيين من انبياء الله، سجن سيدنا يوسف الصديق عليه السلام ، وكان جبريل عليه السلام ينزل عليه بالوحي فيه ، وسطح السجن مشهور هنا بأنه مكان يستجاب فيه الدعاء ، والنبي الثاني هو موسى عليه السلام الذي قيل أنه أقام لفترة في هذا المكان وبني على آثاره مسجد يعرف حالياً باسم مسجد موسى ، وبالعودة إلي السرداب .. يبلغ طول ما تم الكشف عنه حوالي 380 متراً ، ووجد بداخله 24 تابوتاً منها 3 توابيت تحمل اسماء ثلاثة من الملوك وهم أحمس الثاني والفرعون خاباش الذى تزعم حركة النضال ضد الهكسوس .. اما الثالث فهو يحمل اسم قمبيز .. الحاكم الفارسي الذى حاول احتلال مصر ، وأكد علماء أثار أوروبيون أن هذا السرابيوم عاش فيه بشر في حالة انعزال تام ، كما إن شكل الزنزانات والبرديات والنقوش علي الجدارن تؤكد انه كان سجناً ، وقال العالم الأثري " بيتري " عام 1905 إن هذا السرابيوم يبدأ من سجن يوسف ، وخلال تنقبياته عند شرق هرم تيتي اكتشف حائطاً .. وعندما تم رفع الانقاض عن المكان عثر علي سجن يوسف ، وهو قبر مشيد بالطوب الاحمر ولا يحتوي علي أسقف ، والقبة لم يبق منها اي اثر ، والمكان حالياً عبارة عن كشك خشبي .. الباب نصفه الأسفل مكسور ومهدم ومرسوم عليه نخلتين بطريقة يدوية ، وفوقه لوحة مكتوب عليها جزء من سورة يوسف ، وبالداخل لا يوجد سوي ما يشبه الضريح المغطي تماماً بأقمشة قديمة خضراء وبلاستيكية ، وعندما ترفع الغطاء لن تجد سوي قطعة كبيرة من الحجارة القديمة وبأسلفها فتحة تشير إلي مدخل السرداب والذى يوصل إلي ما تشبه غرفاً كبيرة ، والمكان مهمل تماماً لدرجة إنه يغرق تماماً في الشتاء من مياه الأمطار .. وهالات التراب تغمر كل شبر بالغرفة ، وهناك قابلنا غفيراً علي المكان طلب عدم ذكر اسمه خاصة وأنه أحد سكان القرية .. يؤكد أن كل الأهالي يتوارثون منذ قرون طويلة قصة هذا المكان ويعتقدون في كون الدعاء مستجاب عنده ، لكنه أشار لنقطة غريبة وهي أن الحكومة منذ سنوات طويلة ترفض الكشف عما يوجد تحت ههذا السجن " لكيلا يتناقص عدد زوار المعبد اليهودي في القاهرة .. لأنهم سيأتون إلي هنا بالتأكيد لأنه مكان أكثر تقديساً لهم" ! . ويقول سيد محجوب وهو بقال يقع محله الصغير بالقرب من سجن يوسف : الكل هنا يعتقد بأن المكان له قدسية خاصة ومستجاب فيه الدعاء ، وكان هناك شخص يعاني من مرض عضال وعندما جاء إلي هنا نذر بأنه لو شفي سيقيم احتفالات كبيرة كل عام .. وهذا ما جعل البعض يعتقد أن هذا الاحتفال " مولد " سنوي ، وبعد الثورة تم تشييد سور حول منطقة الأثار بالكامل لحمايتها. مخازن التلال! يؤكد محمود العشري وهو من مؤسسيي مجلس أمناء قرية العزيزية إن الأهالى يقومون بتوسعة أراضيهم على حساب مساحة التل الأثرى الذى كانت تقوم علي أنقاضه مخازن الغلال فى زمن العزيز ، وهى المخازن المشار إليها فى القرآن الكريم فى سورة يوسف عليه السلام عندما قال فى القرآن "اجعلنى على خزائن الأرض" ، ولكن الأهالى قاموا بتجريف هذه المخازن وزحفت عليها مواشيهم ويقومون بإقتطاع مساحات من التل الأثرى لصالح أراضيهم ومن السهل أن يجلس أى شخص معدلات وآلات ويقوم بإقتطاع مساحة من التل وإحاطتها بسور لأنها أرضى بلا مالك ، وقد اختفى الخفراء وتم تدمير الكشك الأمنى الذى كانوا يقيمون به ، كما يشير إلي هذا المكان يتحول فى الأعياد لما يشبه السوق .. حيث تجمع أهالى القرية ويعتلون التل ويحتفلون بالعيد . أما الغفير محمد عيد فهو من أهالى القرية ويعمل لدى مباحث الآثار ، وأكد لنا منطقة أثار ميت رهينة وسقارة تحظى بحماية أمنية مشددة .. لكن فى تل العزيز لا توجد أية حراسة أو رقابة، كما لا توجد حالياً رحلات أثرية ولا سياحية للمكان مثلما كان فى الماضى، لكن لايزال بعض السائحين يأتون إلتى متحف ميت رهينة ، ويذكر الغفير ان هناك حدوداً بين القرية وأرض التل ، وهناك شارع أو طريق يفصل بين الإثنين .. فلا يستطيع أحد أن يبنى على التل، لكن المقاهى والكافتيريات تم بناؤها ب " وضع اليد" . وشهد شاهد من أهلها فى نهاية جولتنا إلتقينا بالحاج عبد الله تركى عمدة العزيزة الذى يحظى بمكانة كبيرة بين الأهالى ، يقول : هذه القرية لها تاريخ دينى ونضالى كبير ، فقد كان لهذه القرية دور بارز فى ثورة 1919 وكانت أول من قمت بقطع شريط القطار لإعاقة وصول الإنجليز ، وكان ذلك يوم 31 مارس والذى اصبح عيداً قومياً لمحافظة الجيزة كلها بعد ذلك ، وتل العزيز تعرض لتعديات هائلة خاصة بعد الثورة وغياب الأمن ، وكان هناك مشروع قبل الثورة مدعوم من اليونسكو بقيمة 40 مليون جنيه لإحاطة التل بسور كبيرة لحمايته، كما كان هناك تفكير فى إقامة طريق مرصوف ممهد لنقل السائحين من سقارة إلى هذه القرية، لكن هذا المشروع توقف تماما، وحاليا لا توجد جهود لحماية المنطقة لغياب الأمن ، والقرية بها نقطة شرطة .. ولذلك هو يتدخل فى حل كل مشكلات القرية وتشكيل مجالس تحكيم عرفية لأن القرية عبارة عن 32 عائلة بينها صلات نسب وقرابة ، ويبلغ عدد السكان نحو 50 ألف نسمة. ويذكر العمدة أن القرية لا تضم مخازن آثار .. لكن هناك عمليات تنقيب كبيرة ، ويقول : هناك واقعة حدثت نتيجة التنقيب عن الآثار تسبببت في وفاة شخصين من أسرة واحدة تأثرا بالإختناق أسفل بئر تم حفره داخل أحد البيوت، وأنا شخصيا أتدخل كثيرا لكى انصح الناس بعدم الجرى وراء هذا الوهم الذى لا يفيد.