يقول الله تعالى فى سورة الرعد " فأما زبد البحر فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض" و قال إبن القيم فى تلك الآية من لم يفهم هذين المثلين ويتدبرهما فليس من أهلها ويبدو أن عبد الرحيم كمال من أقرب الأقربين الى أهلها وإلا ما فتح الله عليه بموهبة آبى آلا يضع حرفا بها من قلمه على الورق إلا وهو على يقين بأن ما يخطه فيه نفع للناس ويبدو أيضا أن فكرة الصراع بين الخير والشر وطمع النفس الأمارة بالسوء وصوت نفس اللوامه يسكن وجدانه وإلا ما كانت أعماله بداية من الرحايا مرورا بالخواجة عبد القادر ودهشة تؤكد على ذلك. فقد إستطاع فى كل عمل منهما أن يدهشنا بقدرته على الغوص فى خبايا أنفسنا وكشف حقيقة ما يدور فى ضمائرنا ولكنه فى ونوس رفع الغطاء عن الأخطر من ذلك وهو وسوسة الشيطان تلك الوسوسة التى غالبا لاتقول لنا إفعل هذا ولا تفعل ذاك لأن إبليس نفسه لايملك أمامنا جموح رغباتنا سوى تبرير أفعالنا ومؤانسة أطماعنا لذا لم يظهر الشيطان فى صورته المعتادة والتى أشار لها المخرج العبقرى شادى الفخرانى بإسقاط بديع فى الحلقة الأولى عندما إجتمعت العائلة على الطعام بنظرات لاتخلو من الغل الخفى الذى يكنه بعضهما للأخر خاصة كراهية زوجة الإبن الأكبر لحماتها وأخت زوجها وربما جاء مقصودا أيضا أن يتشبث بناتها الطفلتين بمشاهدة فيلم سفير جهنم الذى قدم فيه يوسف وهبى الشكل المخيف للشيطان الرجيم إلا الإبن الأوسط عزيز "محمد شاهين " والذى يلعب واحدا من أجمل أدواره أغلق التليفزيون وهو يقول إيه الفيلم القديم ده اللى من أيام جدودكوا ليظهر بعد ذلك "ونوس" فى مشهد لايخلو من الغموض وهو يدخل عليهم بزيه العصرى الحربائى الجديد الذى يتلون لكل فرد من أفراد الأسرة المطحونه بألوان رغباته وطموحاته وأحلامه وأطماعه.
وأتصور أنها إشارة من سيدى عبد الرحيم السوهاجى إن خطايانا جميعا ليست من أفعال ونوس إنما هى من شر أنفسنا لذا فمن يتابع تلك السيمفونية سيجد نفسه مع الوقت يتحول من متعة المشاهد لإحساس المشارك فى الأحداث وكإننا جزءا من تلك المقطوعة البديعة فمن فينا لم يقع فى براثن ونوس " إلا من رحم ربى" .
ولأن السيمفونية لاتحتاج الى مؤلف فقط وإنما لابد من مايسترو يقود الأوركسترا جاء الرائع الموهوب بالفطرة والوراثة شادى إبن الفخرانى ليؤكد المثل القائل هذا الشبل من ذاك الأسد ولكن الشبل هنا قاد الأسد نفسه وجعلنا نتبارى على عشقه حتى لو كان الشيطان نفسه فترى ما الذى بين هذا الفخرانى الكبير وبين الله ليمن عليه بتلك الموهبة العظيمة التى جعلته يتلبس شخصياته وكإنها جزءا من نسيجه وروحه .
ومن أروع عازفى تلك السمفونية الممتعة المدهش نبيل الحلفاوى الذى عاد إلينا قويا شماخا متجددا ليجلس بثقه يناظر هذا الونوس الملبوس وكإنهما معا ليسا من بنى البشر عاد الحلفاوى بعدما إعتكف لسنوات إحتجب فيها عن دراما الوجبات السريعة وبلاتوهات وارد الخارج ليؤكد أنه حتى الزمن بأفعاله وتقلباته أحيانا ما يقف أمام الموهبة الحقيقية عاجزا لا يستطيع أن ينال منها عاد ليعبر عن أحلام ياقوت ومخاوفه وندمه ويقينه بنظرة عين تغنى عن أى كلام عاد وكإنه على يقين أن تقلبات خريطة النجومية لم تنتقص من قدراته وإبداعه وقد صدق يقينه.
هالة صدقى أظنها ستعانى كثيرا فى البحث عن دور يعيد إكتشافها من جديد مثل تلك الإنشراح التى إستطاعت بخفة ظلها وثقل أداؤها أن تضفى عليها روحا تتحدى بها مجموعة من الشباب الموهوب عن جدارة فقد رأيناها فى المشهد الذى ترفض فيه الإستسلام لأمل إبنتها فى علاج ونوس لحفيدها وكإنها ترفض بعين وتتشبس بالأمل فى العين الأخرى بنظرة تقول ربما تحدث المعجزة . بدت حنان مطاوع وكإنها لم تمثل من قبل فقد إستطاعت فى هذا الدور أن تحجز لنفسها مقعدا فخما بين نجوم الصف الأول بالموهبة وليس الحظ خاصة فى المشاهد التى تجمعها بطفلها القعيد أما باقى نجوم العمل من الشباب فأظن إن إختيار كل واحد فيهم لم يأتى صدفة وإنما كان إختيار عن يقين من أنه هو ولا أحد غيره يستطيع أن يؤدى تلك الشخصية حتى المطرب محمد الكيلانى الذى يلعب دور الأخ الأصغر الذى غواه ونوس بالمال والشهرة عن حلم الغناء فى الأوبرا ودفعه للغناء فى ملهى "حياة " جاء أداؤه وكإنه ممثل محترف لم يفعل شيئا فى حياته سوى التمثيل وكذلك الأخ الأكبر مدرس اللغة العربية الورع الذى كان يذهب الى المسجد للصلاة ليس أكثرلم يسلم من وسوسة شيطان نفسه وغرورها وغواية ونوس أنه رجل دين له مرديه وأصبح يذهب للمسجد من أجل التباهى أمام الناس وليس الصلاة ولم يكتفى ونوس بذلك إنما أخذه معه الى البارات والملاهى الليلية بحجة إن روادها هم الأولى بالنصيحة وهو يعلم أنه سيستجيب له لما لمسه من ضعف إيمانه ووهن يقينه.
سماح السعيد زوجة الأخ الطماعة التى تفهم زوجها جيدا وتعلم ما يدور بداخل نفسه هى أيضا لعبت دورا تحسد على أداؤها فيه فقدت بدت فى كل حركة ونظرة وكإنها تقول أنا أكرهكم جميعا.
ونوس الذى يذهب الى المسجد والكنيسة ويغوى المسلم والمسيحى ونوس الوسواس الخناس الشيطان الغريب الذى جعله الفخرانى بفطرته وموهبته قريب إستطاع سيدى عبد الرحيم كمال أن يلخص رحلته بداخلنا عندما سأله أحد أبطال العمل " إنت بتشتغل إيه يا عم ونوس " فأجابه ونوس " أنا عندى ملاهى إبقى تعالى أركبك الصاروخ وقطر الموت وأدخلك بيت الأشباح وكل ده بتذكرة واحدة " فليحفظنا الله جميعا من الوقوع فى غواية تلك التذكرة ، فونوس داخل كل منا ويشير لنا على الخطأ ولا يصنعه والاجتهاد في أن ننتصر عليه ولا نسير ورائه.