لم يمتلك مهارة خاصة أو تعليما، يؤهله ليصبح له مهنة يتكسب منها، لكنه إمتلك فقط الرغبة فى العيش، فإحتال على الحياة بمهنة لاتحتاج إلى تلك المهارات، ليتحمل معاناته من مضايقات أو نظرات البشر التى تعتبره إما متسولا أو عاملا بمهن دون المستوى، إلا أنه تجاهل تلك النظرات واستمر فى حياته على رصيف الحياة يتجرع تلك النظرات مع لقيمات العيش، هذا الشخص هو عم محمد الشهير "بنازح البكابورت" الذى يبلغ من العمر 53 عاما، صاحب الجسد النحيل، الذى اعتاد على مصاحبة الراوئح الكريهة والغازات السامة، فيما يتحاشى الناس الإقتراب منه، ويسد المارة أنوفهم قرفا واشمئزازا.. فقد ألتقيته صدفة فى أحد شوارع الجيزة يؤدى عمله، متجاهلا كل م ايحيط به. قال عم محمد :" أعمل فى هذه المهنة وأنا فى عمر 12 عاما، وقررت عدم تعليم هذه المهنة لإبنائى ليس بسب نظرة الناس إليها، فالعمل مش عيب، واللقمة الحلال متعة، ولكن تجنبا للمخاطر المتعددة التى يتعرض لها أصحاب هذا العمل، بالإضافة إلى أن أى والد يرغب فى رؤية أولاده أفضل منه، لهذا أبنائى الثلاثة هما خريجو جامعات ويعمل كلا منهم الآن فى تخصصه الذى درسه" وعن كيفية قضاء يومه ذكر عم محمد :" أستيقظ كل يوم فى الصباح الباكر على آذان الفجر لأصلى، وأدعو الله لجلب الرزق، وأدخل على أبنائى أقبلهم وأحفزهم على القيام ليشدوا الرحال جميعا كل إلى عمله سعيا وراء الرزق، أتوقف عند عربة الفول لكى أفطر، ثم أتجه مباشرة إلى مكان البلاعة التى توجد بيها المشكلة". وعن رحلته داخل البلاعة أوضح عم محمد بأنه تعرض للكثير من المخاطر حينما ينزل إلى البلاعة، رغم الخبرة التى يملكها، إلا أنه عندما ينزل إلى البلاعة يقابل فى طريقه زجاجا مكسورا وحقن وأمواس، وقد أصيب منها عدة مرات، كما يوجد بالبلاعة أكياس بلاستك وحفاضات أطفال وزيوت تلقيها السيدات من المطابخ فتتحول إلى دهون مجمدة تؤدى إلى انسداد المواسير المعبأة بالغازات السامة التى قد يتعرض لها عامل المجارى، إن لم يكن حذرا. وأضاف أنه عمله يستغرق وقت طويلا قائلا :" من الممكن أن أقف فى تسليك بلاعة يوما كاملا، فهناك بلاعات يصل عمقها إلى خمسة أمتار، وهنا بضطر إلى الغطس فيها ومع جهاز تنفس متصل بأنبوبة أكسجين من الخارج، وهناك بلاعات توجد بشوارع ضيقة ومتعبة، فهذا العمل يتطلب التعايش مع كل الظروف". وبشأن نظرة الناس إليه أكد عم محمد أنه لايتضايق من نظرة الناس إليه التى غالبا يهيمن عليها الإشمئزاز، ففى النهاية أؤدى عملا أتقنته، مهما كانت نظرة الناس إلى هذا العمل، لأنى وغيرى من ممارسى هذه المهنة لو أعطينا إهتماما لنظرات الناس، لتوقفنا عن هذا العمل، ولأصبحت الشوارع الأن غارقة فى مياة الصرف لاتجد من يسلكها، فما لا يعلمه الناس أن كل مافى البلاعة ماهو الإ نتاج مخلفات، وأن هذه المهنة لها قدسيتها فى بلاد أخرى، ويحصلون فيها على أعلى الرواتب. وبسؤاله عن أمتياته فى الحياة أجاب قائلا :" لا أريد شيئا فى الحياة غير رضا ربنا علي، وأن ينعم على بالستر أنا وأبنائى، وأن يحقق لهم أفضل المراكز التى عجز أن يحققه لنفسه".