فى البداية نؤكد احترامنا الكامل للدور المهم والتاريخى الذى يقوم به حالياً الجهاز المركزى للمحاسبات .. لكن فى الوقت نفسه من حق القاريء علينا أن نعرض عليه كل وجهات النظر خاصة لو كانت هناك مستندات تدعمها لأن القانون وسيادته فوق الجميع . والحكاية باختصار إنه ثارت علامات استفهام عديدة فى الفترة الأخيرة بخصوص التقارير التى يصدرها المركز حالياً ، وسبب عدم نشرها فى السابق خاصة فيما يتعلق باستثناء رئاسة الجمهورية والوزراء وكبار رجال الدولة ووزارة الداخلية تحديداً وأمن الدولة من المراقبة والمحاسبة طوال السنوات العشر الماضية ، وهو ما يتحدث عنه إبراهيم أبو جبل أحد كبار المراقبين بالجهاز قائلاً: سلطة رقابة الجهاز أخذت فى الانحدار منذ أن تولى المستشار جودت الملط منصبه وتحديدا فى عام 1999 وطوال السنوات العشر الماضية حدثت أكبر عملية نهب فى التاريخ منذ عهد الفراعنة نتيجة غياب الرقابة والحساب حيث تم استثناء رئاسة الجمهورية ومجلس الوزارء وزارة الداخلية وأمن الدولة وهيئة الرقابة الإدارية حيث لم تخضع حسابات هذه الجهات للرقابة أو المحاسبة من قبل الجهاز وهذا أدى إلى إهدار مئات المليارات من الجنيهات التى تم انفاقها فى غير مصارفها المشروعة أو تم اختلاسها من قبل المسئولين دون أن يسألهم أحد .. وربما لن يصدق أحد أن البلاغات التى وردت لمكتب النائب العام ضد جميع رموز الفساد كانت من مواطنين ولم يكن للجهاز دور فيها رغم أنه هو المسئول الأول فمن بين 6310 بلاغات من المواطنين لم يكن لجهاز المحاسبات فيها سوى 8 بلاغات فقط وتم تقديمها بناء على طلب من النيابة الإدارية دون مبادرة من الجهاز فى هذه الفترة الحرجة ولهذا فإن القضاء الآن محتار فى إثبات التهم على كبار رموز الفساد وذلك لأن الجهاز لم يراقب أعمالهم بتكليف من المستشار جودت الملط نفسه الذى منع الرقابة على أعمال الوزراء والمسئولين الكبار والمحافظين ، أما فى وزارة الداخلية فى العهد البائد فقد كان بها ما يسمى بالصناديق الخاصة وهى خزائن تضم مليارات تصل إلى الوزارة سنويا بهدف الانفاق على الأحداث الطارئة أو القيام ببعض المشروعات وهذه الصناديق لم يراقبها الجهاز مما أدى إلى إهدار المليارات وربما يفسر ذلك سر ثروة العادلى أيضاً فإن الصناديق الخاصة فى جميع الهيئات والوزارت لم تخضع للمحاسبة بل وذكر الملط أن جملة رصيدها جميعا تبلغ حوالى 22 مليار جنيه مع ان الحقيقة المؤيدة بالمستندات أن المبلغ الفعلى بهذه الصناديق يصل إلى أكثر من 88 مليار جنيه .. ومن جهته يكشف المراقب محمد حلمى رئيس إحدى الشعب بالإدارة المركزية الثانية للمخالفات المالية بالجهاز عن آلية عمل المحاسبات فى الفترة الماضية قائلاً : سقف الحرية انخفض فى الجهاز فى تقديم البلاغات وفى القيام بدوره فى عهد جودت الملط ودور الجهاز تقلص جداً لأقصى درجة حيث أنه انتهج سياسة عقاب أعضاء الجهاز الذين يكشفون عن الفساد وهذا حدث مع بعض الزملاء منهم الزميل المراقب الذى كشف انحراف المحافظ عدلى حسين وعلى سبيل المثال كتب أحد المراقبين الماليين تقريراً عن قيام الدكتور عاطف عبيد بإهدار المال العام عن طريق انفاق 2 مليون جنيه على ديكورات مكتبه عندما كان رئيسل للوزراء فكانت النتيجة أنه تم التعتيم على هذه التقرير ولم يخرج إلى النور وكان المبرر فى جميع هذه المخالفات هو الحساسية السياسية واعتبارات الأمن القومى وكان أى تقرير خاص بأى مسئول كان لابد أن يتم تحت إشراف الملط نفسه ولهذا كان يتم التعتيم عليه وكانت النتيجة أنه طوال 12 سنة لم تخرج من الجهاز ملاحظة واحد ضد وزير أو محافظ أو مستشار فى هيئة قضائية .. كما تم التستر أيضاً على العديد من الصفقات مثل صفقة عمر أفندى والقمح المسرطن كما أنه فى صفقة المبيدات المسرطنة لم يكن للجهاز أى دور لدرجة أن التقرير الذى تم إعداده فى هذا الشأن خرج بعد سنوات من القضية.. وردا على كلام المستشار جودت الملط بأنه ليس للجهاز صلاحيات دستورية فى ملاحقة الفساد وأنه مجرد جهة استشارية يقول المراقب محمد حلمى : أولا أنا كمواطن عادى عندى التزام بضرورة الإبلاغ عن أى فساد وعندى التزام كموظف عام يعمل فى هذا الجهاز الخطير أن يتم إبلاغ النائب العام بالجرائم المرتكبة وهذا ما فعله مثلاً المهندس يحيى حسين رئيس شركة بنزايون عندما رأى أن هناك فساداً فى صفقة بيع عمر أفندى ففضح الأمر على الملأ وتم كشف الفساد فى الصفقة ومن هنا فنحن كجبهة نطالب بعدد من المطالب من أجل إحياء دور المركزى للمحاسبات وضمان نزاهته وبعده عن السياسة ولهذا نطالب بالآتى: - إقالة المستشار جودت الملط - النص فى الدستور على دور الجهاز المركزى للمحاسبات كهيئة رقابية مستقلة - تفعيل دور الجهاز بغرض أن يكون جهة رقابية ذات أنياب. - ضمان استقلالية الجهاز بعيدا عن السياسة. ومن ضمن المفاجآت الأخرى أن المستشار جودت الملط استثنى جهاز المحاسبات نفسه من الرقابة ومن المحاسبة فكانت النتيجة اختفاء 32 مليون جنيه من موازنة الجهاز ولا أحد يعرف أين ذهبت .. حول تفاصيل هذه المفاجأة يقول فتحى إبراهيم العزازى، مدير عام بالجهاز: رفعنا قضية حراسة على أموال صندوق الخدمات الطبية أمام الدائرة الثانية بمحكمة عابدين نتيجة وجود عجز مفاجىء فى أموال الصندوق قدره 32 مليون جنيه والقضية مرفوعة ضد رئيس الجهاز نفسه .. هذا وقد أعلن المراقبون المناهضون لسياسة الملط عن عزمهم ملاحقته حتى استقالته من منصبه ، وعن قيامهم بتنظيم تجمع حاشد أمام الجهاز يوم الأحد القادم تضامناً مع الموظف الذى ألقى القبض عليه أمس بعد ضبطه بكتابة منشورات تكشف عن تستر الملط على الفساد وكان هذا الموظف الذى يدعى محمد المشد قد خرج اليوم من قسم الشرطة بعد تحقيق استمر ساعات دون أن تنسب له قضية معينة.