ليس التاريخ بالأمر الذي يمكن شراءه، فالإنسان المصري البسيط دائمًا ما يثير الدهشة في عيون الآخرين، هذا لأنه محمل بعمق التاريخ وحكمته وخبرة التجربة، ولذلك ليس ادعاءً إن قلنا؛ إن غاب السلام فقد غابت حكمة المصريين. تحليل- بنده يوسف: في الأول من ديسمبر القادم، ينتظر لبنان عودة طباعة صحيفة الأهرام بنسختها العربية في بيروت، وهذه الخطوة من قِبل صحيفة عريقة تأسست في 27 ديسمبر 1875م من قبل اثنين من الأشقاء اللبنانيين، بشارة وسليم تقلا، الذين كانا يعيشان في ذلك الوقت في الإسكندرية، ليس بالأمر الذي نجده مجرد توسع لنشاط مؤسسة صحفية كبيرة خارج قطرها؛ فالأهرام تمثل الشخصية المصرية بثقافتها العريقة قبل أن تمثل المؤسسة الصحفية، فقد وصفها طه حسين بأنها "ديوان الحياة المعاصرة". ولذلك فعودة الأهرام إلى لبنان هو بمثابة عودة مصر إلى تعزيز دور الشقيقة الكبرى داخل بلدٍ تمازج مع ثقافتنا وحضارتنا منذ الفراعنة، وأثر فينا وتأثر بنا. عندما تريد أن تعرف ماذا يمكن أن يُقدم بلدٌ لمحيطه الإقليمي؛ فانظر إلى محددات سياسته الخارجية، وهذه ما اُبتلي به لبنان، فقد وقع أسيرًا لقوى خارجية لا تحترم محددات سياستها خصوصيات وتنوع ثقافات هذا البلد الجميل، ومن ثم صار عرضة للمخاطر الطائفية والحزبية وتهددت سلامته واستقراره. ولذلك مصر التي تختص بمحددات سياسة تتسم بالاعتدال واحترام ثقافة التعايش والحوار هي البلد الوحيد القادر على سد الفجوة التي يعيشها لبنان. وهو ما شهدناه بشكل عملي حينما ذهب وفد الأزهر في يونيو 2014م إلى بيروت لحل أزمة منصب الإفتاء في لبنان. وفي بلد يعاني من خطر إرهاب الجماعات المتطرفة مثل لبنان، ما زال الخيار الأمثل هو التوجه إلى قبلة الاعتدال وهي المدرسة الدينية المصرية. الأمر ذاته، إذا أردنا الحديث عن الصحافة، فلبنان تتقاسم فيه الطوائف والأحزاب وسائل الإعلام إلى درجة تكاد تغيب فيها الصحافة القومية والوطنية والمسئولية الشمولية. وهو الدور الذي من المنتظر أن تلعبه صحيفة الأهرام في طبعتها العربية، بأن تُعيد المواطن اللبناني إلى دائرته العربية ومحيطه الإقليمي. والمواطن اللبناني يحتاج أيضًا أن يعرف ماذا يحدث في مصر، فلبنان بات محاطًا بالحروب والصراعات في سوريا والعراق وفلسطين ولم يعد أمامه إلا البحر، فيحتاج أن يعرف مستقبل أمنه من خلال مستقبل أمن مصر. ويحتاج أن يعوض طرق تجارته وأسواق بضائعه التي فقدها وغطتها ألغام الحرب في دول جواره، بالتوجه إلى مصر بأسواقها وموانيها ومعابرها. فليس من المفترض أن تكون صحيفة الأهرام صحيفة مصرية عربية فحسب؛ بل ستكون نافذة يطل منها المواطن اللبناني على عروبته وشقيقته الكبرى مصر، ولذلك نجد موقع "صلة" اللبناني الذي يهتم بالعلاقات المصرية اللبنانية، يهتم بخبر عودة صحيفة الأهرام إلى لبنان ضمن أخبار العلاقات بين البلدين. ونجد أيضًا أن عودة الصحيفة المصرية قد مثلت أهمية لدى القوى الوطنية والعروبية اللبنانية التي تسعى وراء معادلة تُخرج لبنان من تشظيه السياسي والطائفي.