قرار حظر التدخين بمختلف أنواعه فى مدينة الاسكندرية فى الأماكن العامة والمغلقة ، ونصه على فرض الغرامة المالية على المخالفين لهذا .. هو من أهم القرارات الحكومية الايجابية التى أسعدتنى وأسعدت كذلك الحريصين على صحة الانسان العامة والمحافظة على نظافة البيئة فى عروس البحر المتوسط من مخاطر التلوث البيئى وأثاره السلبية المتعددة . ولكن هنا يطرح سؤال هام : هل هذا الحظر مشروع ومتوافق مع مبدأ احترام الحريات العامة ؟ ، فمن حيث مشروعيته ، فهو طرح على مجلس الشعب ، ونال موافقته لعدة اعتبارات ، من أهمها تزايد معدلات التدخين ، بمختلف أشكاله فى مصر وبنسب مرتفعة للغاية ، والأخطر من هذا ، التحاق أطفال ومراهقين كثيرين بشريحة المدخنين فى الفترة الأخيرة ، بأعداد أكبر ومتزايدة ، لدرجة أنه أصبح معتاداً أن تجد فى مكان عام طفل أو مراهق مازال فى مرحلة النمو يدخن الشيشة أو السجائر بشراهة ، وبالاضافة إلى ارتفاع عدد المصابين بأمراض مختلفة مثل سرطان الرئة ، والذبحة الصدرية مما يؤثر على انتاجية كل من العامل والموظف وبالتالى الاقتصاد القومى ككل ويزيد من أعباء الحكومة بسبب مسئوليتها على علاج هؤلاء المرضى ، ولهذه الأسباب السابقة وغيرها ، حاز المشروع على الموافقة من المجلس ، فأصبح تنفيذه مشروعا ، وأما بالنسبة لمدى مراعاته لحرية المواطنين ، فأولا : طبق مثل ذلك الأمر ، فى دول أجنبية عديدة منذ فترة طويلة ، وأيضا عربية مثل قطر والامارات والمغرب ، ومن المتوقع تطبيقه فى دول أخرى قريبا ، لأنه هذا أصبح مطلباً دولياً وشعبياً تتبناه وتدعمه بشكل قوى الأممالمتحدة والعديد من المنظمات والهيئات الدولية ، وثانيا : فمن المعروف فى أى زمان ومكان ، انه من أهم المسئوليات التى تقع على عاتق المجمتع المدنى والحكومة معا انهما اذا رأتا أى خطر يهدد سلامة مواطنيهما فعليهما على الفور التدخل واصلاح ما يمكن اصلاحه ، فالحرية الشخصية من أهم شروطها أن يفعل الانسان ما يريده بشرط عدم تسببه فى ضرر الأخرين ، والمدخن عندما يخرج الى الشارع ، أو يكون فى مكان عام لايضر نفسه فقط ، ولكنه يتسبب فى ضرر لكل من حوله ، وهو ما يعرف بالتدخين السلبى ، والمقصود به الشخص غير المدخن ، القريب من المدخن والذى يتضرر أكثر ويصاب بأمراض أخطر منه ، وهذا ثبت علميا منذ زمن طويل ، وبالتالى منع تدخين السجائر أو الشيشة ، فى الأماكن العامة والمغلقة ، مثل القهاوى والنوادى ومراكز الشباب والمنشأت التعليمية والصحية ووسائل المواصلات العامة ووالمبانى الحكومية ، وتوقيع غرامات مالية على كل شخص مخالف لهذا القانون الواجب التنفيذ بدون أى تمييز ومحسوبية .. هو أمر جيد جداً وضروري ، وكذلك يعد فرض الحكومة ضرائب على السجائر المستوردة والمعسل والتبغ هو ما تدعو اليه منظمة الصحة العالمية ، وكما فعلت دول متقدمة كثيرة مثل أمريكا واليابان ، لما له تأثير عملى وفعالية كبيرة فى تقليل حجم استهلاكه . وبالنسبة للجانب الدينى فى ذلك الموضوع ، فمن المعروف أن الله سبحانه وتعالى ، خلق الانسان فى أحسن صورة ، وهذا ما ذكره عز وجل فى كتابه الكريم ، بقوله تعالى " لقد خلقنا الانسان فى أحسن تقويم " ، وبالتالى هنا البشر مطالبين ، بالحفاظ على أجسادهم وصحتهم لأنهم سيسألون عنها أمام خالقهم يوم القيامة وما فعلوه بها ، وبالتالى كان اصدار دار الافتاء المصرية فى وقت سابق ، فتوى تحريم التدخين عموما ، أمر طبيعى وشرعى ، بناء على قول الله سبحانه وتعالى " ولاتقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما " وأيضا يقول جل جلاله " ولاتلقوا بأيديكم الى التهلكة ان الله كان بكم رحيما " ، وبالاضافة الى انه أى مال ، يصرفه الفرد على السجائر أو الشيشة سواء كان غنيا أو فقيرا يعتبر اسرافاً وتبذيراً لأن ذلك المال أولى به أسرته أو أهله أو انسان محتاج ، أو من الممكن أن يصرفه على نفسه فيما يفيده وينفعه وليس يضره . ومن الضرورى أن يلعب الاعلام عموما ، والمدارس والجامعات ، ومختلف منظمات المجمتع المدنى فى مصر دور فعال وحيوى ، فى مجال التوعية ، بأضرار هذه الأفة المستفحلة من حيث مظاهرها المختلفة ونتائجها الخطيرة على الصحة العامة للأفراد جميعا ، وأيضا توجيهم وارشادهم إلى كيفية اقلاعهم عن تلك العادة السيئة والمضرة لهم ، فهناك حاليا وسائل علمية حديثة وفعالة ، تسهل من عملية اقلاع المدخن عن هذا الادمان نهائيا خلال فترة قصيرة ، وهنا على الأطباء ووزارتى الصحة والبيئة أن يوضحوا هذه الأمور الى العامة وأن يبرزوا لهم أهمية ممارستهم للرياضة ، ولم تقدم حتى الأن السينما والتلفزيون والاذاعة ذلك الموضوع الهام والخطير بشكل بارز وقوى ، بل بالعكس .. الأفلام والمسلسلات فى الأونة الأخيرة بصفة خاصة زادتا مع الأسف الشديد من انتشار هذه الظاهرة المضرة خصوصا بين أوساط الصغار والمراهقين والشباب بسبب كثرة المشاهد غير المبررة فنيا التى يظهر الممثلون والممثلات فيها وهم يدخنون بشراهة مما يغرى ويؤثر بدرجة كبيرة وخطيرة على الفئات غير الواعية ، ويحاولون تقليد ما يشاهدونه . وفى النهاية أتمنى أرى فعلا فى القريب العاجل مدينة الاسكندرية الجميلة خالية تماما من كل أشكال التدخين ، وكذلك مدن مصر والعالم أجمع .