صدر عن الدّار المصرية اللبنانية، للكاتب الصحفي مصطفى بكري كتابا جديدا بعنوان "مرسى فى القصر نوادر وحكايات " ، يقع الكتاب في 255 صفحة من القطع المتوسط، ويحتوي على عشرة فصول غير المقدمة والإهداء، وينتهي بأربع وثائق مهمة عن عصر مرسي، والسنة التي تحكم فيها الإخوان المسلمون في مقدرات الشعب المصري، وكادوا يوردونه موارد الهلاك، وقد أهدى مصطفى بكري كتابه: «إلى من كان يسميهم مرسي ب «الفلول» داخل مؤسسة الرئاسة». ويعد هذا الكتاب هو الرابع لمصطفى بكري بعد: «الجيش والثورة»، و «الجيش والإخوان»، و «سقوط الإخوان» والتي خصصها كلها لرصد أحداث المرحلة الانتقالية، بعد ثورتي يناير و يونية، وقد رصد تلك المرحلة متابعًا ومراقبًا ومشاركًا من قلب الحدث، وأحيانًا كان طرفًا فاعلًا فيه، من خلال علاقته بالمجلس العسكري السابق، ومصادره الصحفية، ذات الطبيعة الخاصة، في أعلى مستويات اتخاذ القرار. في هذا الكتاب: «مرسي في القصر» يذهب مصطفى بكري إلى منطقة جديدة، في صراع جماعة الإخوان المسلمين مع الدولة المصرية ومؤسساتها، حيث يرصد السلوك الاجتماعي الشاذ عن الروح المصرية الذي اتسمت به جماعة الإخوان، ممثلة في مندوبها في قصر الرئاسة «محمد مرسي» وكيف كان يتصرف اجتماعيًّا، وعلاقته «بالأكل» والطعام، والتي فاقت كل ما يعرف الخيال الشعبي من «نهم وجشع»، وكيف كان يتصرف أبناؤه وزوجته وضيوفه، مع القصور الرئاسية والتحف النادرة، والسجاد التاريخي وكيف كان يلتهم ضيوفه «الفتة»، جالسين على الأرض، وكميات الطعام التي كانت تدخل يوميًّا إلى القصر الرئاسي ونوعياتها، وكيف كانت «باكينام الشرقاوي» تحمل معها يوميًّا بعد مغادرة القصر، صندوقًا مليئًا بالطعام، بحجة أنها لا تستطيع «الطبخ» لزوجها في المنزل لأنها مشغولة بأمور الدولة. في هذا الكتاب يبتعد مصطفى بكري، عن التأريخ والوقائع الرسمية، ليرسم صورة قلمية، أقرب إلى «السخرية» لمحمد مرسي وجماعته، وهو لا يعيب نهمهم إلى الطعام، ولا يرده إلى الحرمان فقط، بل إلى هستيريا أصابت الجماعة التي لم تصدق أن مرشحها جلس على عرش مصر، فقد تعاملوا بنفس المنطق مع مؤسسات الدولة وهيئاتها، ففرغوها من كل الكوادر والكفاءات النادرة حتى يقوموا بتعيين رجالهم فيها، في إطار خطة التمكين التي تسارعت وتيرتها في عام من أسوأ الأعوام التي مرت على مصر تحت حكم جماعة الإخوان الإرهابية. «مرسي في القصر»، كما يقول مصطفى بكري في المقدمة، له حكايات ولا حكايات هارون الرشيد في «ألف ليلة وليلة»، جوع لا يصدق، وشبق إلى الطعام، اختلال نفسي في التصرفات، حقد دفين تجاه الجميع... غباء سياسي بلا حدود، فقد ظل الإعلام والشارع يردد أن مرسي «استبن» حتى صدّق الرجل فترك مصيره يقرره الآخرون، غيَّب عقله تمامًا وسلَّم ذقنه للشاطر وبديع ومكتب الشاطر، كان يرفض الاستماع إلى نصيحة أحد، وكان مرسي دائمًا يردد: «إن ذيول النظام السابق يستكثرون عليه النعمة، لا يصدقون أنه أصبح أوّل رئيس مصري منتخب منذ عهد الفراعنة». وحكاية «أم أحمد» والأولاد والمحاسيب، وقد رواها مصطفى بكري بالتفصيل، لا تقل سخرية ونهمًا واستعلاء عما كان يفعله مرسي نفسه، فقد قسموا القصور الرئاسية بينهم «أسامة» يعيش في استراحة القناطر، أما نجل مرسي الآخر «عمر» فقد كان من نصيبه «قصر الطاهرة»، أما الزوجة وصديقاتها، فقد كان من نصيبهن «قصر القبة» في القاهرة، و «قصر المنتزه» في الإسكندرية. يروي مصطفى بكري في الفصل الأول وعنوانه «الفتة يا جدع» كيف استقبل مرسي خبر فوزه بمنصب الرئيس: دخل إليه في شقته في التجمع الخامس عدد من ضباط الحرس الجمهوري، كان يجلس في شقته مرتديًّا الجلباب، وحوله مجموعة من أصدقائه المقربين في جماعة الإخوان، شاهد الضباط بقايا من أكلة «الفتة» في صينية كبيرة على الأرض، وقف محمد مرسي يستقبل ضيوفه الجدد، وراح يحتضن الواحد تلو الآخر، ويقول لهم: «أهلًا يا وش الخير.. اتفضلوا نجيب غدا» - قال له ضابط كبير: مبروك يا سيادة الرئيس. - رد مرسي غير مصدق: معاكم القرار؟ - قال الضابط: قرار إيه يا فندم؟ - قال مرسي: حاجه تثبت يعني. - رد الضابط: لقد أُبلغنا رسميًّا.. وجئنا لتأمينك. - قال مرسي: طيب اتفضلوا.. اشربوا الشاي.. وأنا حلبس هدومي. يروي ضباط الحرس لمصطفى بكري، أن مرسي كان يرتدي ملابسه على عجل، وهاتفه لا يتوقف عن الرنين، وكان يبدو متلعثمًا في الردود، لكن أخطر اتصال جاءه من المرشد محمد بديع، هب مرسي واقفًا، وقال بصوت عالٍ أمام الحاضرين: «البركة فيك يا فضيلة المرشد، صبرنا كتير وربنا كرمنا أكبر كرم.. يعز من يشاء ويذل من يشاء». ثم ظل يردد كلمة «حاضر» أمام الحرس وأصدقائه عدة مرات. أما أول طلب أراده مرسي من ضباط الحرس الذين ذهبوا إليه فكان أن قال: كلمولي التلفزيون يا جماعة عاوز أروح أقول كلمة، أشكر فيها الناس.. من لا يشكر الناس لا يشكر الله». بعد أن تحدث مرسي للتلفزيون، طلب مرسي استئذان المشير طنطاوي، حتى يذهب إلى القصر الجمهوري «لأخذ فكرة» فوافق المشير، وعندما دخل مرسي مكتبه، تحسس المكتب بيديه، ونظر إلى المصوّر التلفزيوني وقال له: «صوّر كويس يابني» ثم قال لقائد الحرس: عاوزكم تلففوني في القصر شوية، عاوز أتفرج يا أخي». لم يكن مرسي يعرف الفارق بين قائد الحرس ورئيس الديوان، توقف أمام سجادة ثمينة 8 متر في 8 متر، السجادة موروثة من أيام الملك، قيمتها المالية في الوقت الراهن لا تقل عن ثلاثة ملايين دولار... قال الرئيس بصوت عالٍ: «إيه السجادة دي؟» إزاي تحطوا سجادة قديمة بالشكل ده للرئيس، ده قرف إيه؟ انتوا ابتديتوا تشتغلولي، كل السجاد القديم ده تشيلوه، أنا عاوز سجاد من «النساجون الشرقيون». سادت حالة من الصمت والذهول، وسط الحاضرين، قال أحدهم: «بس دي سجادة قديمة وتمنها حوالي ثلاثة ملايين دولار يا سيادة الرئيس دي سجادة «جيلان». قال مرسي: إيه يا خويا سجادة إيه؟ بتقول ب 3 ملايين دولار؟ إزاي؟». فوجئ المسئول الرئاسي بالسؤال، ارتبك، وقال له: «دي موروثه من أيام الملك». قال مرسي: ده نظام قديم بقه، لا يا خويا شيلوا القرف ده، وهاتوا لي سجاد من النساجون الشرقيون.. عاوز بكرة آجي ملاقيش ولا سجادة قديمة». مرسي يكذب في خطابه الأوَّل: عندما ذهب مرسي إلى ميدان التحرير، ليخطب في أهله وعشيرته، أفرط في إطلاق الوعود، وفجأة أزاح من أمامه حرّاسه بطريقة عصبية، عاد إلى الخلف خطوة، ثم تقدَّم إلى الأمام خطوتين، وراح يشكف صدره للجميع وقال بأعلى صوته: «أنا لا أرتدي قميصًا واقيًّا و أؤكد لكم أنني سأعمل معكم في كل لحظة من ولايتي الرئاسية». اندهش رجال الحرس الجمهوري، الرئيس يكذب، إنه يدّعي بكل جرأة أنه لا يرتدي القميص الواقي، مع أنه كان يرتدي الفانلة الواقية من الرصاص، والتي تظهر من بين ثنايا قميصه، وكان رجال الحرس يرتدونها أيضًا، لكن ماذا سيقولون؟ هل سيعترضون أم يلتزمون الصمت، قال أحدهم: «ربنا يستر، الرئيس بدأ كلمه بالكذب.. أبشر». وهكذا في بقية الفصول: «يا فرحتك يا بهانة، وولادك يا مرسي، والسلطانية، وخطاباتك برجالاتك، متقدرش، هاتولي الشاطر، أنا حوريكم» يرصد مصطفى بكري ويحلل سلوك مرسي مع ضيوفه ومع مسئولي الدولة، فهو يكذب على هذا، ويخدع ذاك، حتى أن السلفيين الذين دعموه أصيبوا بصدمة كبيرة، وقد خدعهم، ولم يف بوعوده معهم أما أبناؤه كما يرصد مصطفى بكري، فكانوا يتعاملون مع ممتلكات الدولة على أنها ملك شخصي لهم، ويروي في ذلك وقائع شديدة الغرابة، فأحد أبنائه أهدى خطيبته الطالبة في كلية الطب، عربة حديثة من أسطول الرئاسة، لكنها حطمتها في حادثة، فأرسلها خردة إلى الرئاسة وأعطاها غيرها، وزوجته كانت تعترض على نوع السيراميك وتأمر بإزالته مما كلف الدولة 14 مليون جنيه، على حمام واحد فقط. وكانت عندما تذهب إلى قصر المنتزه تتأمل اللوحات على الجدران وتقول إن سكان القصر السابقين كانوا من عبدة الشيطان، ثم تأمر بتكهين هذه اللوحات التي لا تقدّر بثمن، أما الزوار السريون الذين كان يستقبلهم مرسي، فحتى الآن لا يعرف أحد من هم، ولا ماذا كانت مهمتهم، ولا الموضوعات التي كانت تناقش مع الرئيس. ويأتي دور من عينهم الرئيس معه في القصر، مثل باكينام الشرقاوي، وخالد القزاز، وأحمد عبد العاطي، وغيرهم أغلبهم خريجي سجون، بعضهم سُجِن في قضية ميليشيات الأزهر العسكرية، وآخرون اعتقلوا في قضية سلسبيل، وجميعهم تعاملوا مع مصر على أنها غنيمة وحكاياتهم في هذا الكتاب تفوق ألف ليلة وليلة. وقد سمعها وسجلها مصطفى بكري من العاملين في القصر، لتكون سجلًا صادقًا، وصورة حقيقية عن الوضع في مصر، في السنة التي حكم فيها الإخوان.