من خمستاشر سنة دخل الرجل الي مكتبي يحمل كارتونة كبيرة و فضها و أخذ يعمل بهمة حتي انتهي من العمل و قاللي اتفضلي يا مدام .. نظرت الي الجهاز الرهيب و أنا مصابة بفرحة العيل اللي جتله لعبة جديدة معقدة شوية .. و فركت كفي و لساني خارج فمي في حماس شديد الوطيس .. و النعمة ما اعرف يعني ايه وطيس .. المهم .. الراجل بصلي وهو بيقول في عقل باله ' هي الست دي مالها عاملة كده اتفضلت وجلست اليه .. وشي في وشه .. لا يفصل بيني وبينه اكتر من تلاتين اربعين سنتي .. وكأن يا محترم الكرسي مدلوق عليه برميل غرا .. لزقت ما قومتش .. بقالي خمستاشر سنة متغرية في الكرسي .. لازقة وشي ف وشه .. وإيديا علي مفاتيحه .. كل الذي يتغير هو ملامح وجهي .. التي تعتليها تعبيرات مختلفة مصحوبة دائما بدلدلة لساني بره علامة الحذر و الذكاء والألمعية .. و أحيانا الغباء الشديد و الحوسة .. ثم فرحة انتصار ساحق ثم عودة لغباء آخر مختلف .. و أحيانا أتكلم .. مش مع حد .. معاه هو .. * خمستاشر سنة وانا جالسة إلي الكومبيوتر الذي كان منصوبا علي المكتب .. وانا قاعدة علي الكرسي .. أحيانا أبدل بين رجليا لما يتحولوا لرجلين كنب من التنميل .. أو أحرك رقبتي اللي جالها تصلب و خشونة .. و ساعات أتهور فأرفع ايديا من علي المفاتيح لأطرقع صوابعي قبل أن تتيبس تماما .. أما الكلمات القليلة التي كنت أنطقها فلاتخرج عن .. ما تشتغل بقي دانت رخم .. فين النيلة التاب؟؟ .. الله الله الله انت هاتهنج ياروح خالتك انا لسه ماسيفتش .. واقتحمت عبارات أدلت و أفرمت وأسيف لغتي العربية فاستقرت هناك .. * خمستاشر سنة مر منها حوالي سبع سنين وانا في الوضع جالسة لم أشعر أن ملامحي و مواصفاتي تتغير .. و قدراتي تقل .. الا لما مرة اضطروا يحطوا مراية واقفة في مكتبي لحد ما يلاقولها مكان يحطوها فيه علي الحيطة بره الاودة .. هنا اكتشفت أنني تغيرت .. انا بقوم من علي المكتب و اتحرك ببطء في الوضع قاعدا .. يعني ما بتفردش مرة واحدة .. لكن امشي بضع خطوات متخذة شكل الكرسي لحد ما اسمع تزييق مفاصل و تكسير جبس جوه عضمي و عضلاتي فاستطيع أن أفرد ضهري .. و تظل ايديا متنية كأنها لسه علي المكتب بينما دماغي ممدودة لقدام كأنها لسه في مواجهة الشاشة .. و بكلمه و انا خارجة من الاودة .. انا حاروح اخطف لقمتين .. عليا النعمة تهنج و الا تفصل حاجي ادشدش أهلك .. * بدأ الموضوع بإدمان الجيمز .. كان هذا اختياري .. ابتدي بالألعاب عشان اتعلم عليه و انا مش كارهاه .. و عشت مع الجيمز دور المدمنة .. بتخانق مع الأبطال او الألغاز حتي و انا نايمة .. و ساعات اهب من النوم مذعورة و انا أردد .. يابن الإيه يا جيمس .. كان لازم اعرف انك مستخبي ورا العامود .. كان معايا لسه طلقتين في المدفع الرشاش .. واقوم جري عالمكتب افتح الجيم عشان أخلص علي جيمس فأنام مرتاحة .. * ثم اخترعوا اللاب توب . فتغيرت أوضاعي قليلا .. بقيت أتخذ الوضع جالسة أو نائمة .. يعني كل اللي اتغير ان رجليا بقت مرة متنية ومرة مفرودة عالسرير .. و أحيانا قاعدة مستربعة زي شحاتين السيدة .. افضل أمقق ف عينيا بالساعات الطويلة .. خصوصا بعد ما نجحت في ادخال الانترنت عليه .. فبقيت اسوح في أنحاء الدنيا شرق و غرب .. أقرا كتب ومقالات وبلوجات و اروح بلاد و اشوف افلام واعوم في بحر و اطلع جبال .. كل ده و انا في الأوضاع التلاتة اللي ما بتتغيرش .. و دخلت عالم الفيسبوك .. فانتشرت بقوة حتي اتعرف علي هذا العالم بحق و حقيق .. قابلت و صاحبت ناس .. أمم .. و تعاملت معاهم رغم عددهم الكبير جدا شخص شخص .. فوضع علي هذا عبئا جديدا لم أشتك منه و لم أعبأ به .. و لكن زاد التصاقي بالجهاز .. انام علي روحي و انا حاضناه واصحي منفوضة لا يكون فاتني حاجة .. و عندما يهزمني النوم بالقاضية اقفله بمنتهي الحسرة والألم و آخده ف حضني وانام .. وأفتح عينيا الصبح و إيدي ممدودة جنبي بتدور عليه .. كأني أكرر كل المشاهد السينمائية التي تبدأ بالزوجة بتتقلب في الفراش و بعدين تمد إيدها تحسس عالمخدة اللي جنبها ثم تفتح عيناها في ذعر عندما تكتشف أن سي فتحي مش بايت جنبها .. معرفش ليه كانت دايما بتحسس أول حاجة عالمخدة مطرح دماغه و هي مغمضة .. يعني لو كان نايم جنبها كانت جابت عينه او دبت صباعها في مناخيره .. المهم إني وصل بيا المرض لدرجة إني كنت بشاور عقلي كتير آخده معايا تحت الدش او عند الكوافير عندما أضطر اضطرارا لقص شعري .. لدرجة إني كنت .. ولازلت بفكر في طريقة أعلقه علي صدري مفتوحا زي البافيتة و امشي بيه . * الشيء الوحيد الذي حافظت عليه في الخمستاشر سنة هو الذهاب الي السينما .. لمشاهدة الأفلام التي أنتجها أو ينتجها غيري .. وكنت لا أدقق كثيرا في الطقس نفسه لأني كنت بابقي مركزة في الشغل .. عيني متعلقة عالشاشة الكبيرة لألمح كل التفاصيل بعين الخبرة والعمل .. يعني بالنسبة لي كنت بروح الشغل .. فلم أنتبه إلي المقارنة .. أو التفكير بتمعن للحظة .. * ثم اضطرتني صلة القرابة أن أذهب إلي حفلة للمصريين مع أصحابي اللي عمري ما شفتهم إلا علي شاشة الفيسبوك .. و كنت أظن أني خلاص اعرفهم كويس قوي كأننا بقالنا سنين متربيين مع بعض .. هذه المرة ذهبت كمواطنة خارجة تمارس طقس ثقافي اجتماعي فني إنساني .. في بداية التجمع رأيت أصحابي دما و لحما فاكتملت معانيهم .. سمعت صوتهم و شفت ملامحهم اللي مش في الصورة واتعرفت علي سلوكهم الاجتماعي .. وأحسست بالاجتهاد في الظهور بأحسن صورة .. خارجين بقي و متأنتكين .. جايين يمارسوا لحظات انسانية يسعدوا فيها و يسمحوا لأرواحهم تتقابل في الإطار الإنساني الطبيعي .. دخلت القاعة فأحسست بالأنوار والإضاءة التي و كأنها كانت في استقبالي وحدي .. و ستارة المسرح المسدلة و التي تخفي وراءها ساعتين من المفاجآت .. و فعلا ظهرت فرقة المصريين لتفتح علينا دش ذكريات وحنين للماضي و استمتاع حقيقي بعهد مضي ولكنه يولد من جديد مع أجيال جديدة .. رقصنا وضحكنا و صقفنا و مسكنا إيدين بعض وتمايلنا و بكينا من الشجن و الحنين وطوفان المشاعر .. و كمان ضربنا عصاير وشخللنا بالعلب الفاضية .. بعد ما حشيناها رز .. قمة الممارسة الإنسانية . * طقوس الذهاب للمسرح و السينما والحفلات و التجمعات الثقافية .. طقوس تميزنا عن غيرنا من الشعوب المتخزنة في البيوت بفعل التخلف و الرعب و الكسل و الجهل .. وكمان هي طقوس لنمارس فيها آدميتنا .. ماحنا بني آدمين .. * بني آدمين لينا ايدين و رجلين و عينين ودراعات و الأهم من ده كله عقول .. و قلوب .. قلوب ما بتحياش إلا بممارسة الآدمية و تبادل المشاعر الملموسة المتحققة .. مش مشاعر متبرمجة علي مفاتيح الكي بورد .. لو فضلنا قاعدين ورا البتاع ده .. أعضاءنا حاتسقط .. وأولها رجلينا اللي ما بنستعملهاش دي .. تاني حاكرر الصورة .. راس و ايدين و عينين ومقعدة .. حلاوتنا و احنا أولنا راس و آخرنا مقعدة .. و إيه بقي؟؟ .. مقعدة كبييييييييييييييييييييييييييييييرة .. أكبر من دماغنا ..