حالة السرقة التى تعرضت لها لوحة " زهرة الخشخاش " للفنان العالمى فان جوخ من متحف محمد محمود خليل بالجيزة .. كشفت عن حالة الإهمال التى تتعرض لها متاحف الشخصيات المصرية التى لا تتذكرها وزارة الثقافة إلا فى وقت الكوارث . المعاينة والتحقيقات الأولية كشفت أن أجهزة الإنذار وكاميرات المراقبة الموجودة بغرف المتحف معطلة منذ أسابيع .. إلى جانب غياب الرقابة وتراخى أفراد الأمن عن مرافقة الزوار ولهذه الأسباب تعرضت اللوحة للسرقة ، حيث استغل اللص غفلة الأمن وقام باستخدام آلة حادة " كتر" وانتزع اللوحة التى تقدر بنحو بأكثر من 50 مليون دولار من البرواز الخاص بها وأخفاها فى ملابسه .. ومما ساعده على ذلك أن اللوحة لم تكن توجد داخل إطار زجاجى كما أنها معروضة بمفردها فى غرفة واحدة . وقد سبق وأن تعرضت هذه اللوحة للسرقة من قبل وتحديدا عام 1978 ثم أعيدت للمتحف بعدها بعامين .. ولهذا السبب يقال أن اللوحة الأصلية اختفت أما الموجودة فى المتحف فهى نسخة مقلدة ، منها ولكن وزارة الثقافة فى هذا الوقت تأكدت من أصالة اللوحة بواسطة خبراء فرنسيين وبشهادة معتمدة من أكبر المراكز الفنية فى العالم ، ولا تزال التحقيقات مستمرة مع مسئولى الإدارة بالمتحف كما أن الأنباء التى وردت بشأن استعادة اللوحة غير دقيقة حسب تصريح وزير الثقافة الذى أعلن أمس متأخرا أن اللوحة لا تزال مختفية . على كل حال سرقة اللوحة لفتت الأنظار إلى ما يضمه متحف محمد محمود خليل من كنوز ولوحات لا تقدر بثمن فكيف استطاع أن يقتنى كل هذه الكنوز .. ؟! وقد ولد محمد محمود خليل عام 1877 فى عائلة أرستقراطية شديدة الثراء حيث كان والده يشغل منصبا مرموقا فى ديون الخديوى إسماعيل ، وتلقى تعليمه فى مدرسة الليسيه بالقاهرة ثم سافر إلى فرنسا لدراسة القانون بجامعة السربون وخلال حياته بباريس التقى محمد محمود خليل الحسناء "إيملين هيكتور" وهى فتاة فرنسية شديدة الجمال حيث كانت تدرس الموسيقى والفنون فأحبها وتزوجها عام 1901 واستطاعت هذه الحسناء بعد فترة قصيرة من الزمن أن تنقل إلى زوجها الثرى عشقها للفن ومن هنا بدأت رحلتهما فى اقتناء الأعمال الفنية واللوحات النادرة من أشهر فنانى فرنسا فى القرن التاسع عشر وبعد انتقالهما للحياة بالقاهرة اشترى محمد محمود خليل قصر عائلة سوارس اليهودية المعروفة عام 1915 وهو القصر الذى عاش به وحوله إلى متحف يضم مقتنياته فيما بعد ، واشتهر هو وزجته بعشقهما ورعايتهما للفنون ، فإلى جانب اهتمامهما بتحويل قصرهما إلى مركز نشط لتشجيع الفنانين المصريين فقد قام خليل عام 1923 بتأسيس جمعية محبى الفنون الجميلة والتى رأسها فى البداية الأمير يوسف كمال وفى عام 1927 نجح فى إقناع الملك فؤاد باصدار مرسوم ملكى لتشكيل لجنة استشارية لرعاية الفنون الجميلة تكون تابعة لوزارة المعارف العمومية ، وقد شغل منصب وزير الزراعة عام 1937 ثم أصبح رئيسا لمجلس الشيوخ لدورتين متتاليتين بين عامى 1938 و 1942 ، وقد عرف فى هذه الفترة بالسياسى المليونير صاحب الثروة الطائلة ، إلى أن توفى فى ديسمبر عام 1953 وقد أوصى بأن تؤول تركته الفنية إلى زوجته الفرنسية .
وكان محمد محمود خليل قد تزوج من سيدة مصرية تدعى سعاد راشد و أنجب منها أبنه الوحيد "عمرو " ولكنه على ما يبدو كان يخشى على هذه الثروة الفنية التى لا تقدر بثمن ولذلك حرمه من أن يرث أى شىء من القصر أو متعلقاته وتفجر الخلاف بين الأرملتين ووصل لساحات المحاكم وبعد وفاة إيملين عام 1960 أوصت بأن تؤول ملكية القصر ومقتنياته للدولة ، ومن جانبه أفتى مجلس الدولة وقتها بإنفاذ هذه الوصية وبالفعل استلمت الدولة القصر وحولته لمتحف عام 1962 وظل على هذه الحال حتى عام 1972 حيث أمر الرئيس السادات بنقل محتوياته إلى قصر الأمير عمرو إبراهيم فى الزمالك وتم تخصيص المتحف كمكتب لرئاسة الجمهورية وفى عام 1986 عادت المقتنيات إلى القصر مرة أخرى وقد تم ترميمه واعادة افتتاحه عام 1995 حيث تحول إلى متحف ومركز ثقافى وفنى عالمى . لم يتوقف محمد محمود وزوجته الفرنسية طوال حياتهما معا عن حضور المعارض الفنية والمزادات العالمية وكانت أول لوحة قاما بشرائها هى لوحة "ذات رابطة العنق " من أعمال الرسام الفرنسى الشهير " رينوار " بمبلغ 400 جنيه كان ذلك عام 1903 وقد تردد محمد محمود خليل فى شراء هذه اللوحة وقتها لارتفاع سعرها ولكن زوجته قالت له أنها ستصبح ثروة لا تقدر بثمن فيما بعد وهو ما قد كان حيث قدرت هذه اللوحة مؤخرا بنحو ربع مليار جنيه مصرى أو بما يعادل 50 مليون دولار ومنذ ذلك الحين لم يتوقف الزوجان العاشقان للفن عن اقتناء الأعمال الفنية وعندما تسلمت وزارة الثقافة والإرشاد القومى القصر عام 1960 بعد وفاة إيملين ذكرت الوزارة فى محضر جرد المقتنيات أن القصر يضم 304 لوحة من ابداعات 143 فنانا عالميا بينها 30 لوحة لثمانية من الفنانين المصريين وهم محمود سعيد وجورج صباغ ومحمد حسن ويوسف كمال وطاهر العمرى وعفيفى وصارخان وإدمون صومه هذا بالإضافة إلى 50 تمثالا برونزيا من صنع 14 مثالا إلى جانب عدد كبير من التحف الفنية النادرة مثل الأباجورات والأطباق الخزفية وخلافه و قدرت هذه المحتويات فى ذلك التوقيت بنحو 3 ملايين جنيه مصرى . ولكن على ما يبدوا أن عدد من هذه المقتنيات قد تعرض للسرقة أو الإهمال حيث أن ما تبقى الآن فى المتحف لا يتجاوز 208 لوحة و43 تمثالا ومن حسن الحظ أن اللوحات النادرة للفنانين العالمين هى الباقية . وقد غلب على هذه اللوحات والتحف بطبيعة الحال الطابع الفرنسى ولذلك تعرض محمد محمود خليل للنقد من قبل العديد من الفنانين الذين وصفوه بأنه مصرى الجنسية فرنسى الهوى ويتضح ذلك من طبيعة المقتنيات التى من أهمها وأعلاها قيمة ما يلى : - لوحة " زهرة الخشخاش " للفنان العالمى فان جوخ والتى لا تقدر بثمن وخصصت إدارة المتحف لها غرفة مستقلة ووضعت أمامها مقعدا خشبيا لأنها لوحة ساحرة تحتاج وقتا أطول لتاملها وهى اللوحة الوحيدة لهذا الفنان فى الشرق الأوسط ويعد فان جوخ من الفناينن القلائل الذين استطاعوا أن يزلزلوا عرش بيكاسو بجودة وارتفاع سعر لوحاته . - لوحة "الحياة والموت " أو "المستحمان فى تاهيتى " للرسام العبقرى بول جوجان ويقال أنه تم تقدير هذه اللوحة مؤخرا ب 50 مليون دولار ، فهى تعد واحدة من أجمل اللوحات التعبيرية فى العالم . - لوحة بوتريه "فيكتور هوجو" لأوجيست رودان ( 1841 – 1917 ) مع تمثال للأديب الفرنسى بلزاك . - مجموعة لوحات الفنان الرائع رينوار وتضم : ذات رابطة العنق ، فنجان ويوسفى ، بستان فى كلماتى ، رأس طفل . - لوحة "درس فى الغناء" للفنان الكبير لو تريك . - أعمال فنية أخرى للفنانين : تريون وكورييه وبيساور ولاكروا وجونكييز إلى جانب عدد كبير من اللوحات الصغيرة الحجم التى تسمى المينياتور والتى أبدعها أشهر فنانى فرنسا فى القرن التاسع عشر . ويضم القصر أيضا تماثيل نادرة من البرونز للحيوانات مثل الظباء والغزلان والنمور وقد أبدعها المثال الفرنسى الكبير بارى كما يضم مكتبة بها 2794 كتابا ومرجعا فى الفنون والحضارة والتاريخ والفلسفة وجميعها باللغة الفرنسية . هذا إلى جانب قطع من الأثاث النادر والقصر نفسه يعد تحفة فنية متفردة فهو يقع على مسحة 1400 متر وتم تشييده على الطراز الفرنسى المعروف بالآرت ديكور وهو طراز يتسم بالفخامة والعراقة .