قالت الحكومة المصرية، رداً على إعلان إثيوبيا المفاجئ عن بدء تحويل مجرى النيل الأزرق، أحد أهم روافد نهر النيل، من أجل بناء سد النهضة الإثيوبي، إنها لن تقبل أي مشروع يؤثر بالسلب على تدفقاتها المائية الحالية، مؤكدة في تصريحات نشرتها صحيفة "الشرق الأوسط" على أن هناك سيناريوهات جاهزة للتعامل مع كل النتائج المتوقعة لهذا المشروع وفقاً للتقارير الفنية التي ستقدم خلال أيام. ويأتي هذا رغم قول أديس أبابا إن تحويل مجرى النهر لن يستقطع من حصة مصر المائية، وإن الغرض منه توليد الكهرباء لا الزراعة، فيما بث التلفزيون الإثيوبي أمس مراسم واحتفالات بدء تحويل مجرى النيل الأزرق لبدء بناء سد النهضة، بحضور وفد رفيع من الحكومة الإثيوبية. وتطمح إثيوبيا في أن يساهم السد، الذي يتكلف 4.8 مليار دولار، في توليد نحو 6 آلاف ميغاواط من الكهرباء، لكن خبراء حذروا من خطورة تأثيره على حصة دولتي مصر والسودان في مياه النهر، خاصة في ظل النقص الشديد للموارد المائية. وتبلغ حصة مصر من المياه نحو 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، من تدفق النهر الذي يقدر بنحو 84 مليار متر مكعب سنوياً، بموجب اتفاق وُقّع عام 1929، وتحتاج مصر 21 مليون متر مكعب إضافية من المياه سنوياً بحلول عام 2050 للوفاء باحتياجات سكانها المتزايدة. وتتوقع تقارير مبدئية أن يخزن سد النهضة، عند اكتماله، نحو 73 مليار متر مكعب من المياه، ما يمكن أن يتسبب في عجز في حصة مصر من المياه بنحو 20 في المائة. ووقعت دول حوض النيل، ومن بينها إثيوبيا، على اتفاق عام 2011 يلغي سلطة النقض (الفيتو) من جانب مصر على مشاريع السدود على النهر، واعترضت كل من مصر والسودان على الاتفاق ولم يوقعا عليه. ويقول خبراء إن الإعلان الإثيوبي بتحويل مجرى النهر جاء بمثابة خطوة استباقية لنتائج تقرير متوقع أن تقدمه لجنة خبراء ثلاثية، تضم خبراء من مصر والسودان وإثيوبيا، إلى جانب استشاريين دوليين، لبحث آثار سد النهضة على الدول الثلاث، والمزمع الانتهاء منه نهاية شهر مايو/أيار الجاري. وقال محمد بهاء الدين، وزير الموارد المائية والري المصري، إن البدء في إجراءات تحويل الأنهار التي تجري منذ فترة لا تعني موافقة مصر على إنشاء سد النهضة، مؤكداً انتظاره ما ستسفر عنه أعمال اللجنة الثلاثية. وأضاف بهاء الدين، في بيان صادر عن الوزارة، أن "إجراءات تحويل الأنهار عند مواقع إنشاء السدود هو إجراء هندسي بحت يهدف إلى إعداد الموقع لبدء عملية الإنشاء"، مشيراً إلى أن عملية التحويل لا تعني منع جريان المياه التي تعود من خلال التحويلة إلى المجرى الرئيسي مرة أخرى. وأكد الوزير أن موقفنا المبدئي هو عدم قبول مصر بأي مشروع يؤثر بالسلب على التدفقات المائية الحالية، مشدداً على أن هناك سيناريوهات جاهزة للتعامل مع كافة النتائج المتوقعة والمبنية على التقرير الفني الذي سيقدم. وقال إن أزمات توزيع وإدارة المياه التي تواجهها مصر هذه الأيام وشكاوى المزارعين من نقص المياه تؤكد أننا لا نستطيع التفريط في نقطة مياه واحدة من الكمية التي تأتي إلينا من أعالي النيل، موضحاً أن موقف مصر من عدم معارضة أي مشروع تنموي في أي دولة من دول الحوض مازال قائماً ومستمراً، مع التأكيد على عدم الإضرار بدولتي المصب مصر والسودان. وقال البابا تواضروس الثاني، بابا الكنيسة الأرثوذكسية، إنه لم يكلف من قبل الرئاسة للتوسط لدى الكنيسة الإثيوبية لحل أزمة حوض النيل، عقب بدء أديس أبابا اليوم بتحويل مجرى النيل الأزرق، أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، إيذاناً بالبدء الفعلي لعملية بناء سد النهضة، الذي تخشى القاهرة أن يؤثر على حصتها من المياه. وأضاف تواضروس من فيينا، حيث يقوم بزيارة، فى اتصال هاتفي مع مراسل وكالة "الأناضول": "لم أتلق أية اتصالات هاتفية من الرئيس محمد مرسي أو أي مسؤول حكومي للتدخل لدى الكنيسة الإثيوبية لحل أزمة المياه بين البلدين". وكانت وسائل إعلام مصرية محلية تحدثت عن أن الرئيس المصري طلب من البابا تواضروس التوسط لدى إثيوبيا لحل أزمة حوض النيل استناداً للعلاقة التاريخية بين الكنيستين، وأن البابا وافق ووجه دعوة عاجلة لبطريرك إثيوبيا لزيارة مصر. في السياق ذاته، قال مصدر بالمقر البابوي، إن "البابا لن يتأخر للمساعدة في حل أزمة مياه النيل إذا طلب منه ذلك"، لافتاً إلى أن البابا سيلتقي البطريرك ماتياس بطريرك الكنيسة الإثيوبية الجديد يوم 19 يوليو/تموز بالقاهرة، وقد يناقش معه هذا الأمر. وأشار في تصريحات لوكالة "الأناضول" إلى أن "الكنيسة الإثيوبية ليس لها أي دور في صناعة القرار بإثيوبيا فرأيها استشاري فقط"، لافتا إلى أن "الكنيسة الإثيوبية خرجت من رحم الكنيسة المصرية وتربطها علاقات تاريخية بها، لكنها لا تملك التدخل لوقف بناء السد فعلياً". يذكر أن اللقاء الأخير بين الأنبا بولس بطريرك أثيوبيا الراحل والبابا شنودة الراحل فى نوفمبر/تشرين الثاني 2010 بالقاهرة لم يتطرق لأزمة حوض النيل، بحسب مصدر باباوي تحدث لمراسل "الأناضول". ومن ناحية أخري ، كشف اللواء د. نور عبد المنعم، الخبير الاستراتيجي في شئون المياه بالشرق الأوسط، عن كارثة محققة تنتظر دول النيل من المنبع إلى المصب في نفس العام الذي ستنتهي فيه إثيوبيا من بناء "سد النهضة" وقال إن مصر مهددة ب 7 سنوات "شُح ّمائي" قد تترتب عليه مجاعات إذا لم يتم للحلول البديلة فور الانتهاء من بناء السد، وأن السنوات السبع تأتي ضمن ظاهرة "الشُح المطري" التي تتكرر كل عشرين عام فيما يسمى بالدورة العشرينية للفيضان السنوي، وشبّه الظاهرة ب"السبع سنوات العجاف" التي ابتليت بها مصر زمن سيدنا يوسف. وقال إن الظاهرة التي تتكرر كل 20 عاماً سيكون خطرها مضاعف على مصر والسودان عقب بناء سد النهضة الذي سيحتجز خلفه كميات المياه التي كانت تذهب لهذه الدول. وأوضح أن هذه الظاهرة تنتج عندما تمتنع الأمطار عن التساقط فيها على دول المنبع وأهمها إثيوبيا، ما يعني أن إثيوبيا أيضاً تنتظر فور انتهائها من بناء سد النهضة عام 2015 "سبع" سنوات "شُح مطري" ومجاعات إذا لم يكن لديها حلول بديلة، لافتاً إلى أن الظاهرة ستتأثر بها دول النيل بالكامل والوضع سيكون كارثياً.