استراحة محارب وليس استسلاماً ، ربما قلبه المريض تحايل ليذهب بحجة العلاج لكنه فى الحقيقة مشتاق لرؤية رفيقة العمر الصحفية ماجدة الجندى والتى تعالج بالخارج هى أيضاً ، المهم أن الملايين فى انتظاره ليعود ويكتب ليوجع قلبه وقلوبهم من جديد . تصوير:أميرة عبدالمنعم بالأمس سافر الأستاذ جمال الغيطانى للعلاج بالخارج .. وذلك بعد أيام من مغادرته لغرفة العناية المركزة بعدما تعرض لوعكة صحية فور انتهائه من تسجيل إحدى حلقات برنامج مصر النهارده .. حيث أصيب بارتفاع مفاجئ فى ضغط الدم أدى إلى حدوث ارتشاح مياه على الرئتين .. لكنه ترك لنا رسالة على صفحات " الأخبار " ، وبين السطور كانت الجمل تنزل علينا كالسياط ليس فقط من روعتها .. ولكن مما أرده منها ، قال " خلال الأيام الماضية رأيت من أردت أن أراه وهاتفت من احببتهم وطفت بأماكنى الحبيبة بصحبة رفاق العمر .. كان بودى أن أرى كثيرين وأن أصافح أكثر لكن ضيق الوقت .. لكم تمنيت السفر إلي جهينة مسقط رأسى وإلى ابناء العمومة فى اسكندرية وإلى الأحباب فى أبيدوس والسويس والأقصر ، لذلك لم أجد إلا هذه الكلمة ارددها طوال الأيام الماضية " سلام .. " بعد أن أحتوتنى حالة من السكينة والهدوء .. اردد السلام ليس لما هو كائن .. إنما لكل ما عرفته ومررت به .. لكل ما يحتويه تراثى " . ومن خلال محطات متقطعة عبر مقاله .. واصل الأستاذ سلاماته قائلاً " سلام للنخيل فى بر مصر .. سلام لهذا الفنان المجهول الذى رسم مقبرة سنجم رع ..سلام للحنان والحنين والرضا والسكينة ..سلام للروح وللريحان وجنة نعيم .. سلام للنواصى وواجهات المساجد .. سلام لقبة قلاوون التى كنت أتمنى أن أفض أسرارها .. سلام لمن لا أعرفهم من الخطاطين الذين كتبوا القرآن وهم يتعبدون .. سلام للأماكن الحميمة فى الوطن والتى ألوذ بكل منها فى غربتى عبر الذاكرة وأأتنس وأشجو والتمس الأمان .. سلام لمقطوعات محمد عبد الوهاب وللشيخ سلامة حجازي .. سلام للمنشدين والعازفين الذين انشدوا نوبة العشاق من أجلى لمدة 7 ساعات .. سلام للموسيقى الصينية ورباعيات بيتهوفن الوترية والمؤثرة لتشايكوفيسكي ولكل من أحببت من موسيقى العالم .. سلام للطيور المجهولة التى مازلت اسمع اصواتها فى خلفية أذان الشيخ محمد رفعت .. سلام لمذاق الأشياء .. سلام للخبز البلدى لحظة خروجه ساخناً من الفرن ولقائه بالملوخية الخضراء .. سلام لمن أخترع الطعمية .. سلام لشجرة البلسان التى انقرضت وأنواع الأسماك التى اختفت لأننا لم نعد نحترم النهر .. سلام للنسائم وميل الشجر مع الريح .. سلام للحلواني الذى أتقن صناعة الهريسة فى دمياط .. سلام للفراشات الهائمة .. سلام لكل حى ، ولكل من عبر ، سلام للمن والسلوي " . ما سبق جزء من مقال رائع هو أراده مقطوعة سلام لكل من شاهده وما عايشه .. وبين السطور أتذكر حوار مجلة " الشباب " معه منذ عامين تقريباً والذى نشرناه على جزئين ، كانت كلماته لا تقل قوة ووضحاً ، كان مهموماً بكل شيء .. معترضاً " يعني إيه 5 % يأخذون كل شيء و95 % يخدمون عليهم " وموجوعاً " أعرف ناس كانت زمان أصحاب مباديء وفجأة تحولوا إلى بهلوانات " ومعترفاً بالجميل " نجيب محفوظ سيظل فوق رأسي وهيكل بالنسبة لي فرصة " ومتواضعاً " أضع أمامى صورة للحارة التى نشأت فيها حتى أتذكر ماذا كنت فى البداية وماذا أصبحت الآن " وحاسماً " وأنا ألفظ أنفاسي الأخيرة .. سأطلب ورقة وقلمأً لأصف لحظات الموت " وراضياً " هناك قدر متاح لي حتى أكون محترماً " . حكي لنا عن رسالة الرئيس الفرنسي له تعبيراً عن اعجابه ب" الزيني بركات " ومعجزة خروجه من حارة الطبلاوى وسر عشقه لصور الأمام الحسين رضى الله عنه وفسر اشكالية كونه يسارياً وصوفياً فى الوقت نفسه .. تكلم ببساطة عن ال900 جنيه التى كان يتقاضاها كمكافأة وحالياً أصبحت 1400 جنيه وقال " أنا أحسن غيري رغم إن الناس فاكرة إنه ياما هنا ياما هناك " وكيف يضطر وهو رئيس تحرير إنه يكتب في صحف عديدة خليجية " علشان أكل العيش " .. وأقسم لي بشرفه أنه طوال نصف قرن من العمل الأدبى لم يستطع ادخار 130 ألف جنيه عرف أن موظفاً صغيراً في إحدي الوزارات كان يتقاضاهم كراتب شهرى ، وكيف أقسم لوالده على المصحف بأن يحصل على الدكتوراة .. وحذر العرب من اهمال اللغة العربية وإلا سيأتى اليوم الذى سيقرأون فيه القرآن ولا يفهمونه ! مهما قيل .. مليون سلامة يا أستاذ .. ونحن في انتظار " الزينى بركات " ليعود لنا .. ويواصل "التجليات" ، وخلال الانتظار لن نكف جميعاً عن الدعاء له .. وفى الحقيقة نحن ندعو لأنفسنا ! .