برغم أنها تقدم مشروبات محرمة شرعا،ويشتمل برنامجها اليومي على عروض لا يبيحها الشرع،إلا أنها تزاول نشاطها بشكل قانونى وماتقدمه من مشروبات يتم تسعيره بمعرفة وزارة السياحة ويتحصل منها على ضرائب أيضا،هى بارات ومحال بيع الخمورالتى تنتشر بشكل كبير بشوارع وأحياء وسط البلد،بل منها مايعتبر علامة من علامات وسط البلد،بسبب قيمتها التاريخية من الناحية المعمارية، الشباب" عاشت وتجولت فى هذا العالم لتنقله لكم فى السطور التالية..... هذه " البارات" كما تعمل تحت مظلة القانون،إلا أنها تظل مغلقة لأكثر من 30 يوما فى العام بقوة القانون أيضا،فتمنع من مزاولة نشاطها فى بيع الخمور طوال شهر رمضان ووقفة عيد الأضحى والمولد النبوى الشريف ورأس السنة الهجرية،لأن هذه الأيام تكون بها احتفالات دينية ولها قدسية خاصة عند غالبية المصريين. أما بالنسبة لباقى شهور العام فتعمل هذه البارات يوميا من الساعة السابعة مساء ، برغم أنها تفتح أبوابها من الثالثة ظهرا،ورغم اشتراك جميع البارات فى بيع نوعية خمور واحدة وباقى المشروبات الخالية من الكحل مثل المشروبات الغازية والساخنة إلا أنها تختلف فى أسعارها،التى يتم تحديدها حسب مستوى كل " بار" . و تنقسم هذه البارات إلى 3 مستويات وفق المستوى الاجتماعى والثقافى للزبائن المرتادين،ومستوى الخدمة المقدمة ونوع " المزة ،وهى عبارة عن نوعيات معينة من الطعام تقدم مع الخمور،فى "البارات" الكبيرة يقدم طبق" فول حراتى"يطلق عليه" فولية"وله طريقة خاصة فى تحضيره فيتم سلقه وبعد ذلك يوضع عليه فلفل أسود وملح وكمون ويعصرعليه ليمون بالإضافة إلى طبق به بعض الخضار مثل الخس والخيار والجزر،وطبقين صغيرين يطلق عليهما "بولا"يكون فى أحدهما مكسرات والآخر شيبسى وهذه " البارات" تحاسب الزبون على بعض"المزة"مثل المكسرات والشيبسى اما باقى الأنواع فتقدم مجانا ،أما"البارات"المتوسطة فلا تقدم غير السودانى والترمس،و"البارات" الصغيرة فتقدم نوعا واحدا فقط من" المزة" وهو الترمس. وتتركز البارات المرتفعة المستوى فى شارعى طلعت حرب ومحمود بسيونى، ومعظم زبائنها من قدامى التجار وأصحاب محال الملابس والفضة والتحف بوسط البلد،بالإضافة إلى المهتمين بالسياسة من مختلف الانتماءات لاسيما شيوخ اليساريين،وبعض المثقفين والأدباء والفنانين المغمورين، حيث تولدت بينهم نوعا من الألفة نتيجة لقائهم بشكل يومى. وتتواجد أغلب هذه "البارات" إما فى الدور الأرضى أو "الروف" بالعمارات القديمة بمنطقة وسط البلد، ويغلب على المكان طابع خاص ، نتيجة الموسيقى الهادئة والإضاءة الخافتة التى تمثل نوعا من الهدوء النفسى لمريديها رغم ما يتناولونه من مشروبات كحولية يغيب معها وعيهم قبل المغادرة، وتشعر وأنت فى المكان وكأنك فى أحد المكتبات الشهيرة، حيث الهدوء والصوت المنخفض فى الحوار بين مرتادى هذه "البارات"،وإذا كان المكان مختلفا من حيث الجو العام، فإنها مختلفة ومتميزة أيضا فى أسعارها، التى ترتفع عن غيرها من البارات المتوسطة والصغيرة، ويتراوح سعر زجاجة البيرة من 17 إلى 20 جنيها، أما بالنسبة "للمزة" فيتراوح سعر طبق الفاكهة من 10 إلى 15 جنيها، وبولة المكسرات من 15 إلى 20 جنيها. وعلى النقيض تماما ما شاهدناه فى البارات متوسطة المستوى، لكنها أكثرها جاذبية للزبائن، نتيجة أسعارها المتوسطة، ومعظم زبائنها من الشباب وهو ما يضفى عليها نوعا من الحيوية والضجيج معا، حيث يتبادل مرتادوها الحوار بصوت عال، وتكون فى شكلها العام أقرب للمقاهى الشعبية، بداية من شكل الكراسى والطاولات الموجودة، كما انها تقدم المشروبات الباردة والساخنة بجانب الخمور، ويقع أشهر هذه الأماكن فى منطقة "باب اللوق" بوسط القاهرة. ويتردد على هذه الأماكن مجموعة كبيرة من الشباب والمثقفين وصغار الفنانين والصحفيين، منهم الفنانة الشابة فرح يوسف ولكنها تجلس دائما مع بعض أصدقائها فى القسم الممنوع فيه تقديم المشاريب الكحولية وتقوم بلعب "الشطرنج" والفنانين الشباب أبطال فيلم "الماجيك" كماأن هناك جزء من نسيج نوعية زبائن هذا المستوى مجموعات " الخرتية " وهى اسم مهنة تطلق على الشباب الذى يملك اجادة التحدث بالانجليزية ويقفون وينتشرون بشوارع وسط البلد ليقوموا " باصطياد" السائحات بسطاء المستوى الآتيات بمفردهن وليس عن طريق شركة سياحة ويعملون لهن كمرشدين وفى أوقات كثيرة " أزواج"،والأجانب الذين يجلسون فى هذه البارات غالبيتهم يبدو على مظهرهم أنهم من طبقات متواضعة، حيث يقيمون فى الفنادق الصغيرة والقديمة بوسط البلد والتى يطلق عليها "لوكاندات"،والأكثر من هذا أن مرتادى هذه الأماكن يعتبرونها جزءا من حياتهم، حيث إنها تمثل بالنسبة لهم جزءا من برنامجهم اليومى ويتقابلون فيها دون موعد سابق أو اتصال، فمن يضل طريق صديقه يجده على الفور فى هذا المكان. وقد وصف لنا أقدم العاملين بالمكان، أنه كان يتردد عليه مجموعة من نجوم الفنانين مثل عادل إمام ومحمد صبحى، كما شهد المكان تصوير مجموعة من الأعمال الفنية أشهرها فيلم "الكرنك" و "ملك وكتابة"،ويظهر مستوى المكان من الشجار الذى يحدث بين مرتاديه بشكل شبه يومى، بسبب معاكسة إحدى الفتيات أو الاختلاف مع أحد العاملين بسبب "الحساب"، حيث يحاول مقدم الطلبات مغالطة الزبائن فى أسعار المشروبات وعدد الزجاجات المطلوبة، حيث يرغب فى محاسبتهم على 7 زجاجات بيرة بدلا من 5 وهو عدد الزجاجات الفعلية التى تناولونها، وذلك اعتقادا منه أنهم "سكارى"، إلا أن محاولاته تفشل فشلا ذريعا، حيث يفيق الزبائن بمجرد سماع رقم كبير فى أسعار المشروبات. ولا يختلف الزحام داخل المكان عن خارجه، حيث تتواجد أعداد كبيرة من المنتظرين أغلبهم من الشباب والفتيات لحين خلو مكان يجلسون فيه، فلم يجدوا إلا تناول أطراف الحديث بنفس قوة الضجيج الذى بالداخل على أبواب "البار". اما البارات بسيطة المستوى والصغيرة فهى ليست منتشرة مثل البارات الكبيرة والمتوسطة،هذا ويمكن تصنيفها إلى نوعين،الأول هو مجرد بار فقط والثانى تستطيع أن تطلق عليه"كباريه"شعبى،لكن النوعان يشتركان فى مستوى ونوعية زبون واحد وهو الزبون المتواضع الحال الذى ربما يكون اقترض قبل مجيئه ثمن زجاجات البيرة التى سيشربها،أو يكون ظل يعمل طوال النهار حتى يحصل على المال لكى يصرفه بالليل على الخمور فى تلك البارات،وتنتشر النوعية الأولى فى شارعى عبد الخالق ثروت والجمهورية،وتكون عبارة عن محل صغير المساحة به "ترابيزه" أو أربعة عليها مفارش بلاستكية تكون غالبا عليها رسومات وإعلانات عن نوع من أنواع "البيرة"،ويكون هناك بار صغير على أحد جوانب حائط المحل وأمامه ما لايزيد على ثلاثة كراسى يجلس عليها رجال "عواجيز" يظلون يفرطون فى شرب"البيرة"وكأن هذه المرة الأخيرة لشربهم لها،ويجلس على"الترابيزات"عدد من الشباب يبدو من مظهرهم أنهم إما بسطاء الحال أو طلاب جامعات،والذى يجذب هاتين الفئتين لهذه النوعية من البارات هو رخص ثمن البيرة والخمور التى تقدم،فتقريبا تباع بالسعر الرسمى المحدد من قبل الشركات المنتجة للبيرة،و أكثر مايميز طابع هذه"البارات"هو الهدوء التام الذى بها وأن معظم الزبائن من الرجال كبار السن ودخول شخص بآلة العود الموسيقية ويظل يضرب عليه ويغنى ولكن مجهوده يضيع هباء فكل الجالسين يكونون فى واد آخر،والطريف أن عازف العود يعلم هذا ولكن ما يجعله يستمر هو أمله فى الحصول على زجاجة بيرة من صاحب"البار"،أو كوب من أحد الجالسين،كما أن من الغريب هناك هو غلاء سعر زجاجات المياة المعدنية والمياة الغازية والمشروبات الساخنة عن أسعار "البيرة"،وكأنها دعوة تحريضية ضمنية لمن يجلس ويشرب غير"البيرة" أن يشربها. أما النوعية التى تشبه"الكباريهات"فهى منتشرة بشكل كبير فى شوارع عماد الدين والجمهورية وكلود بيك، تكون عبارة عن محلات صغيرة غالبا مايكون بها طابق آخر صغير جدا وتصعد إليه بسلم ضيق خلف "البار"،وتكون أسفل عقارات قديمة ومتهالكة للغاية،نوعية "زبائنها"من سائقى الميكروباصات وأصحاب محال الفاكهة والخضار والقادمين الجدد من الأرياف للعمل بالمدينة،ومايمز هذه "البارات"عن دونها أن بها عدد من الفتيات صغيرات السن كثيرات منهن دون العشرين كل واحدة منهن وراءها قصة درامية كبيرة،هن من يقدمن "البيرة"والمشروبات"للزبائن"،غير أن يوم الخميس يكون هناك بنود"رقص"تبدأ من الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وحتى السادسة صباحا،وكل ساعة تذهب راقصة وتأتى أخرى جديدة وجميعهن من الراقصات التى يطلق عليهن الدرجة"الثالثة"،ويتراوح سعر زجاجة البيرة فى هذه الأماكن مابين 10 إلى 13 جنيها ،والمكسب الحقيقى التى يتحصل عليه صاحب المكان يكون من مصدرين،الأول هو سرقة "الزبون"عن طريق فاتورة الحساب فتكون فاتورة مضروبة يضع سعر زجاجة البيرة بها 10 جنيهات،ويضيف ضريبة سياحية 20 جنيها وخدمة 15 جنيها وضريبة مبيعات 10 جنيهات، ليكون إجمالى الحساب فى النهاية 55 جنيها وطبعا الأرقام الموضوعة ليست حقيقية وعندما يعترض "الزبون"يبدأ يخصم له أى شىء ويشعره أن المحل سيتحمل الفرق حرصا على غضبه،وهناك الكثير من الزبائن لايعترض خاصة عندما تقوم إحدى الفتيات مضيفات المكان بتقديم الفاتورة"للزبون"،أما المصدر الثانى للمكسب يكون من خلال"النقطة"التى يحيى بها"الزبائن"الراقصات يوم الخميس،وهذه لها قصة كبيرة لما بها من سرقة وخداع "للزبون".