للوهلة الأولي بدت مهمة دخولي مستشفي الجلاء سهلة نظرا لمعرفتي الشخصية بإحدي طبيبات الأطفال المبتسرين في المستشفي , إلا أن ما وجدته في الحقيقة مخالف تماما لما كنت أتوقعه تصوير : أميرة عبد المنعم المهم بدأ مشوار الحصول علي الموافقة باجراء تجربة صحفية كممرضة داخل هذا المستشفي الكبير , والغريب أن الدكتورة التي تربطني بها علاقة صداقة تنصلت منها وقت طلبت منها تسهيل مهمتي داخل المستشفي وطلبت مني أن أبتعد عن هذا الموضوع ولا أذكر باي شكل من الأشكال أنني أعرفها , وذهبت لمقابلة مدير المستشفي الدكتور عبدالعزيز شوبري وأوضحت له أنني أرغب في عمل تجربة صحفية تصف بشكل محايد المعاناة التي تتعرض لها الممرضات في المستشفي بشكل محترم , وذلك بأن أعمل بالفعل ممرضة بالمستشفى لمدة يوم ، ووافق دكتور عبدالعزيز ولكنه قال لن أستطيع فعل شيء إلا بتصريح من وزارة الصحة , في اليوم التالي ذهبت الي المكتب الاعلامي بالوزارة أعطوني طلبا لكي أقوم بكتابة نوعية الموضوع الذي أود القيام به في هذا الوقت وتذكرت نصيحة زملائي بألا أكتب أي كلمة تدل علي أن هذا الموضوع مغامرة صحفية حتي لا تثير القلق في نفوسهم وبالفعل كتبت أرغب في عمل موضوع عن تجربة التمريض الناجحة بمستشفي الجلاء التعليمي وحصلت علي الموافقة من مكتب المستشار الاعلامي للوزارة وذهبت به للدكتور الشوبري والذي قرأ التصريح بتمعن وقال لي تستطيعين المجيء غدا في العاشرة . بدأت كبيرة الممرضات بصيحات العتاب واللوم بسبب تأخري 10 دقائق عن الميعاد المتفق عليه بيننا أو بالأدق ميعاد نابطشيتي التي كان يجب أن تبدأ من الساعة 2 عصرا الي الساعة 8 مساء , مضيت تسلمي النابطشية وبعدها توجهت الي حجرة تغيير الملابس التي بدت غير مرتبة بالمرة ولا يوجد بها سوي دولابين معلق علي احداهما مرآة دائرية صغيرة , ارتديت زي التمريض وتسلمتني الممرضة بشري ومن هنا بدأت طلبات المرضي تنهال عليها والجدير بالذكر أن هذه النابطشية لم يكن بها سوي اربع ممرضات غيري تمرض أكثر من 40 سيدة حاملا لها العديد من الطلبات . أول مهمة كلفت بها كانت نزع الكانولا من يد أحد المرضي , تعجبت كثيرا من طلب بشري بإزالة الكانولا من المريضة امام أهلها الصعايدة التي كانت الغرفة ممتلئة بهم رغم علمها بأني صحفية ولا أجيد ذلك , فأي خطأ لا سمح الله سينهال علينا اهلها ضربا واستجمعت قواي وتوجهت نحوها بمنتهي الثقة وقمت بإزالتها وتطهير مكان الأبرة ووضع القطن والبلاستر عليها طبعا بمساعدة بشري التي لم تتركني لحطة خوفا علي من غضب المرضي . وفي اقل من دقيقة بدأت احدي الممرضات بالجري نحونا قائلة توجهوا بسرعة الي حجرة الإفاقة , وبمجرد دخولي صرخت احدي السيدات صرخة عالية جدا الا ان المطلوب كان أهم بكثير من احساسنا بالرعب , والسيدة تضع مولودها ولابد من ازالة المحلول من يدها لكي تدخل حجرة العمليات بسرعة وبالفعل هذا ماحدث , وبإيقاع اسرع كان لابد من تعقيم نفس السرير كي تدخل حامل أخري من عشرات الحوامل المنتظرات في الخارج , اخذت زجاجة الأسترليم لتعقيم السرير وفرشه كي يستقبل حاملا اخري , وضعت لها المحلول وبعدها طلب مني أن اذهب لصرف علاج لحالة قيصري من الصيدلية المجانية . وعندما عدت من الصيدلية وجدت معظم الأطباء يحاولون طمأنة طبيب زميلهم يدعي محمد عثمان لأنه تصادف أن يكون هو الطبيب الذي سيجري عملية الولادة لزوجته , بدا علي الدكتور علامات توتر اختلفت عن الملامح الطبيعية المطمئنة التي ترتسم علي وجوه معظم الأطباء الاخرين , وطلب من احد زملائه دخول حجرة العمليات معه , استغرقت هذه الولادة الطبيعية حوالي 10 دقائق دون مبالغة وانتهي دور الدكتور ليبدأ دور التمريض مع الأم والطفلة جني التي كان من نصيبي الاهتمام والعناية بها . أهم ما تأكدت منه ولكني لاحظته من قبل عند ولادة ابنتي أن مشاهد الطفل المولود في افلام السينما مشاهد في منتهي السذاجة , فشكل الطفل عند ولادته شكل صادم بعض الشيء طبقة دهنية بيضاء غريبة علي الجلد يقال ان رحمة الله ولطفه بالمولود سبب في وجود هذه المادة الطبيعية التي تحمي جسم المولود من اي ميكروبات موجودة بالجو المحيط به . المهم انتهي طبيب الأطفال من ربط الحبل السري وتسليمه لي وبدأت بشري في تنظيف الطفلة بسرعة البرق وانا في تحضير ملابسها حتي لا تتعرض للبرد , وفي تقليد لم اره أو أسمع عنه من قبل طلبوا مني تختيم الطفلة فسألت لماذا , فقالوا إن مستشفي الجلاء يخرج منه حوالي 80 مولودا يوميا , يجب الحفاظ عليهم خوفا من البدل فيتم اخذ بصمات الأرجل ووضع اسورة باسم الأم في ايديهم وهذا بالفعل ما قمت به مع جني التي لم يتجاوز عمرها 5 دقائق سلمنا جني لوالدها الدكتور محمد عثمان الذي آذن لها وعبر لنا عن ان هذه الولادة كانت اصعب عملية ولادة يجريها في حياته . بعد ذلك قابلنا الدكتور خالد الذي طلب مني أن أكون مساعدته في عملية ولادة قيصرية , وصدمني أن غرفة العمليات لم تعلق اثناء العملية بمعني أن المكان بشكل عام الذي كنا متواجدين فيه كان مكونا من حوالي 4 غرف عمليات وغرفة إفاقة , لغرف العمليات أبواب لم تغلق في اي عملية منهم سواء كانت ولادة طبيعية او قيصرية الا أثناء ولادة زوجة الدكتور الأغرب اننا دخلنا غرفة العمليات دون تعقيم ربما لأن طاقم الأطباء كانوا متأكدين أنه ليس من المسموح ان نلمس شيئا في غرفة العمليات , رغم الرعب الشديد الذي كنت اشعر به اثناء وجودي بغرفة العمليات أن الدكاترة كانوا يتحدثون مع بعض في أمور حياتية متفرقة ويمزحون أثناء اجرائها ولاحظت أيضا أنه رغم كون المستشفي حكوميا ومجانيا إلا أن مهارة الأطباء الذين حضرت معهم هذه العملية لا تقل عن مهارة الأطباء الذين يتقاضون الالاف في نفس العملية . بدأ الطبيب في شق بطن السيدة الحامل لا أعلم لماذا لم يفزعني شكل الدم وبعد دقيقتين بدأ رأس الطفل في الظهور أصبت قليلا بالغثيان ولكن ما سيطر علي بشكل كبير هو تسبيح الله خالق هذا الكيان الصغير . انتهي وجودي في غرفة العمليات بمنتصف العملية بعد خروج الجنين بشكل كامل واستجمعت قواي وعدت للعمل مرة اخري لتنظيف الطفل واخذ بصمات قدمه !! ولا أدري لماذا صممت أن أسلم هذا الطفل بنفسي لأهل والدته ربما لأن ولادته كانت صعبة , فأذكر أن أمه مرت بمرحلة ألم الطلق لأنها كانت ستلد طبيعيا ومعظم الحوامل كن يطلقن الصرخات لحظة ألم الطلق إلا هذه السيدة تحديدا كانت تنطق الشهادتين بصوت عال لحظة ألم الطلق , المهم صممت أن أسلم الطفل لعائلته رغم رفض العاملات اللاتي كن يطمعن في حلاوة الولادة ولم استطع الحصول علي الطفل إلا بعد اقناع إحداهن بأنني ساعطيها الفلوس التي ستحصل عليها وبالفعل أعطتني احدي قريبات الطفل في يدي خمسة جنيهات . عدت إلي عملي مع طبيب الأطفال فوجدت طفلين في جهاز الشفط الذي يقوم بشفط بواقي السائل الأمينوسي من رئة المولود , وجدت بنتا وولدا سلمتهما للدكتور وقتها سمعت صوت صراخ الحقوا نادية الحقوا نادية , خرجنا فوجدنا الممرضة نادية مطروحة أرضا غائبة عن الوعي نقلناها الي الغرفة الخاصة بالأطباء وكان سبب هذا الاغماء هبوطا لأنها لم تجد فرصة لتتناول أي شيء من بداية النابطشية , علق لها احد الأطباء محلولا وطلب منها أن ترتاح وشعرت أنا رغم هذه الفترة القصيرة التي قضيتها معهم بإجهاد شديد , سلمت زيي الخاص وشكرت حسن تعاونهم . ولكني لن أختم قبل أن أفصح عما أوصتني به بعض الممرضات زميلاتي ورأيته أنا أيضا بعيني أولا أن عدد الممرضات في كثير من النابطشيات يكون 4 أو 5 ممرضات مما يجعل الضغط عليهن كبيرا جدا , الممرضات يحصلن علي مرتب زهيد بالمقارنة بالمجهود الكبير الذي يقمن به , مثلي مثل كثير الناس يعتقدون أن الممرضات لهن طبيعة قاسية ولكني وجدت أن هذه المهنة مثلها مثل غيرها بها الجيد وبها السيئ ومن يتعامل بطريقة سيئة هو اصلا يتعرض لضغط كبير وبالاضافة إلي الايقاع السريع الذي يقمن بتأدية عملهن فيه . ان راتب الممرضات يقدر بحوالي 300 جنيه وتحسب النابطشية الواحدة بزيادة 2 جنيه .