تحتفل مصر اليوم بالعيد ال30 لتحرير سيناء, سيناء التي لم نستغلها بكل مقوماتها الطبيعية ومواردها الزراعية والصناعية والتعدينية والسياحية, ولا حتي البشرية, فمساحتها 088,60 كم2 وتمثل 6% من مساحة مصر الاجمالية, ويسكنها 000,380 نسمة, ومنذ تحريرها في عام 1982 لم تر جديدا حتي الآن, وظلت مهملة, لدرجة أنها كانت سجنا كبيرا مفتوحا يؤدب فيه نزلاؤه, كما وصفها أحد الخبراء الأمنيين. سيناء تحتفل بعيدها ال 30, وتحتفل للمرة الثانية بعيدها بعد الثورة المصرية , ورغم ذلك فإن الأوضاع بها زادت سوء , وأصبحت تعاني أكثر من انفلات أمني , لدرجة أن البلطجية سرقوا سيارة محافظ شمال سيناء منذ أيام وتمت مساومته عليها حتي يتم الإفراج عن بعض السجناء الجنائيين , ولكن تدخل مشايخ القبائل أعاد السيارة للمحافظ . صيحح أننا منذ 30 عاما نحتفل بعيد تحرير سيناء , ويكون هذا اليوم إجازة رسمية , ونسمع أيضا الأغاني , ولكن يبقي السؤال , متي نحتفل بسيناء المعمرة , متي نحتفل بسيناء القوية , التي تجتذب عشرات الآلاف من الشباب المصري وتوفر لهم فرص العمل , متي يأتي اليوم الذي تمثل فيه سيناء بكل ما فيها من مقومات مصدرا مهما للدخل القومي المصري , متي نري سيناء بعيدة عن أي صراعات تقوم بها جماعات مسلحة , متي نري المواطن السيناوي يشعر بأنه يعامل مثل بقية المصريين؟ . كل هذه الأسئلة مشروعة , من حق كل المصريين أن يطرحوها , ومن حقهم أيضا أن يجدوا إجابة , لقطعة أرض مهمة , ضحي آلاف المصريين بدمائهم من أجل عودتها , ولما عادت أهملوها , وتركوها لكل صاحب مصلحة يفعل بها ما يحلو له , الإجابة عن هذه التساؤلات في التحقيق التالي .. الخبير الاستراتيجي خالد مطاوع يقول : رغم أن سيناء جزء لا يتجزأ من مصر إلا أن الوضع الأمني بها يختلف تماما عن الوضع الأمني في باقي ربوع مصر غرب قناة السويس , ولم يختلف الأمر كثيرا بعد ثورة 25 يناير عما قبلها بخصوص الأمن والمؤثرات الفاعلة في إنتاج الأمن , ويرجع ذلك إلي العديد من العوامل والمؤثرات الجغرافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتي تؤثر تارة عكسيا وتارة أخري طرديا مع الوضع الأمني في سيناء , ويعد أمن سيناء هو أمن مصر بأكملها فهي صاحبة الحدود الفاصلة مع الفلسطينيين وصاحبة الحدود الفاصلة مع إسرائيل ومنافذ الكيان الإسرائيلي المنتشرة علي الحدود الشرقيةلسيناء , مع العلم بأنه إذا كانت هناك قضايا اتهم فيها عناصر من سيناء بالتعامل والتخابر مع إسرائيل فهي لا تتعدي - بحصرها - عشر قضايا علي مدار الثلاثين عاما الماضية , ولكن هناك المئات من القضايا التي كان لأهل سيناء الفضل في كشفها ولذلك يجب أن يعلم الجميع أن أهالي سيناء لا يقلون في الوطنية عن باقي سكان مصر . وأضاف خالد مطاوع قائلا : سيناء لها خصائص جغرافية يظن البعض أنها عائق في تنميتها واستغلالها ولها خصائص اجتماعية قبلية يظن أهل الحضر - خطأ - أنها خصائص غير طيبة , ولكن في حقيقة الأمر هي خصائص تميل إلي الحفاظ علي الهوية القبلية لكل قبيلة وتميل إلي تنفيذ العدل من خلال الجلسات العرفية وعندما تم التفكير في المشروعات السياحية كإحدي الركائز الاقتصادية في سيناء كانت كلها استثمارات من خارج الأراضي السيناوية , واعتمدت بشكل مباشر علي توظيف واستجلاب عمالة من أرض الوادي غرب قناة السويس ولم يكن لأهل سيناء إلا دور طفيف وغير مباشر لا يشبعهم , ولم يتعامل الأمن منذ استعادة سيناء من الاحتلال سواء بالحرب او السلام مع معطيات الطبيعة السيناوية بكل أبعادها من منطلق أنه أمن خدمي , ولكن كان التعامل مع أهل سيناء علي أنهم بؤر إجرامية وذوو ميول للخيانة ولهم ارتباط وثيق بالجانب الإسرائيلي , وأخيرا انتشرت أخبار تفيد بأن لديهم ميولا لنزعات انفصالية عن الدولة المصرية . وأكد خالد مطاوع الآن بعد مرور أكثر من 30 عاما علي تحرير سيناء كاملة , وبعد مرور عام علي ثورة يناير , والتي بالقطع لم تطالب بالعيش والحرية والكرامة لأهل مصر غرب قناة السويس فقط , بل كانت تطالب به في ربوع مصر كلها شرق وغرب القناة , وبعد ما حدث في سيناء من أحداث أثرت في أمنها سواء بظهور مجموعات لها نزعات دينية تخالف الوسطية , وبعد سلسلة الأحداث التي استهدفت الجهاز الشرطي بسيناء لابد أن تختلف النظرة الأمنية لسيناء كموقع وسيناء كمواطن , الذي هو بالأساس مواطن مصري , علاوة علي أن التعامل بالمفهوم والمنهج الأمني الضيق لكل الأمور لن يغير من أمن سيناء في شيء ولن يكون الأمن الذي ينشد الاستقرار والطمأنينة لأهل هذه القطعة المقدسة من أرض مصر , بل سيتعامل معها كما كان يتعامل من قبل بوصفها سجنا كبيرا مفتوحا يؤدب فيه نزلاؤه . وأضاف مطاوع قائلا : لا يمكن تحميل الأمن بأجهزته كل ما يحدث وما يمكن أن يحدث في سيناء , فالأمن هو أحد العوامل المهمة في التنمية والاستقرار ولكنه ليس العامل الوحيد فيهما وعلي كل أطراف منظومة إدارة الدولة تحمل ما يخصها ووضع الخطط والبرامج التنموية الكفيلة بتغيير وتنمية هذه المجتمعات والاستفادة من مخرجاتها وضمها كعنصر فاعل في الدولة بوصفه مواطنا مصريا وليس مواطنا سيناويا فقط , ولذلك يجب أن يكون دور جهاز الشرطة في سيناء قد تغير من أمن سياسي يخدم النظام ويحافظ عليه إلي أمن خدمي يكرس جهوده لخدمة المواطنين علي اختلاف مستوياتهم وعرقياتهم وأصولهم . وأضاف مطاوع : تنمية المجتمعات ورفع معدلاتها الاقتصادية وتطوير منظومة التعليم وإرساء العدل هم أساس الأمن وليس العكس , فإرساء الأمن بغرض إنتاج التنمية والتصحيح المجتمعي لا يحدث إلا في السجون , وبناء علي ذلك فتنمية الأمن في سيناء لابد أن تصاحبها نظرة تنموية شاملة من الدولة لسيناء وأهل سيناء مع دعمهم وتعويضهم عما فاتهم وعما اقترفه النظام السابق في حقهم وعما لحقهم من أضرار نتيجة ما اقترفه الأمن القمعي , وأيضا الأضرار التي لحقتهم نتيجة التهميش الجبري لعاداتهم القبلية ومنتجاتهم البدوية , فتطوير المنظومة الأمنية بمجتمع قبلي بدوي مثل المجتمع السيناوي بشماله ووسطه وجنوبه , لابد أن يكون وفقا لدراسات وتقنيات تختلف عن مثيلتها في المحافظات الأخري بمصر , وأن تكون هذه المنظومة الأمنية نتاج تحاور واتفاق بين أطراف المعادلة الأمنية , فلابد من الاستعانة بكبار مشايخ القبائل وخبراء القانون لإرساء مبدأ احترام الأمن والقانون بسيناء وتفعيل آلياته . ويقول الدكتور رفعت سيد أحمد - مدير مركز يافا للأبحاث والدراسات -: خلال ال 30 سنة الماضية كانت سيناء مهملة , علي مستوي العملية التنموية , كانت شبه محتلة بقوات متعددة الجنسيات , وكان هناك حظر في المنطقتين ب , ج علي دخول الجيش المصري بها , والاقتصار علي المنطقة أ . وأكد الدكتور رفعت , أن النظام السابق لم ينظر لسيناء بشكل سليم ولم يضعها في إطار الأمن القومي المصري , وهو ما أدي إلي أن تنتشر بها عوامل كثيرة مهددة للأمن القومي , بداية من وجود خلايا تابعة لتنظيم القاعدة , ووصولا لتهريب المخدرات الإسرائيلية وتزوير العملة , خلاصة الأمر أن سيناء كانت مظلومة خلال ال 30 سنة الماضية بعد تحريرها . وأضاف الدكتور رفعت سيد أحمد : أن سيناء لابد أن تحظي باهتمام كبير خلال الفترة القادمة , يتمثل في بناء وايجاد استراتيجية تنموية وسياسية ودفاعية , بمعني أن يكون الاهتمام بها شاملا سواء علي المستوي السياسي أو الاقتصادي أو العسكري الاستراتيجي وكلها عوامل مرتبطة ببعضها البعض , مضيفا أن الذي يضع هذا الأمر ليست مجرد دراسات حكومية فقط , بل يجب أن يضع هذا التصور وهذه الاستراتيجية الجماعة الوطنية المصرية , بالتنسيق مع المؤسسة العسكرية , وأيضا عدد من الخبراء والمتخصصين , والهدف من كل هذا هو إعادة تنمية سيناء بعد 30 عاما من تحريرها , ووضعها في الأمن القومي المصري بشكل حقيقي وليس بشكل إعلامي . إذا كان هذا هو رأي الخبراء والمتخصصين , فكيف يري الشارع المصري والمواطن العادي سيناء بعد 30 عاما من تحريرها؟ ! ندي مصطفي الكيلاني , ليسانس آثار , جامعة القاهرة , تري أننا كمصريين لم نستفد بسيناء منذ تحريرها وحتي الآن , فسيناء ليست قري سياحية وفيلات وقصورا لمشاهير المجتمع , كما هو الحال الآن , وتساءلت ندي , عن الصورة التي كانت ستصبح عليها سيناء لو كانت في يد إسرائيل خلال ال 30 سنة الماضية , وأجابت أيضا عن تساؤلها قائلة : لو كانت سيناء في يد إسرائيل وقتها كنا سنعرف كيف نستفيد بها , وما هي الفائدة والعائد الذي سيعود علي المصريين من استغلال قطعة مهمة من وطنهم أما زكي محمد , فيقول : إننا لم نستفد من سيناء لأن اتفاقية كامب ديفيد وبنودها قيدتنا كثيرا , وبالتالي هذا أعاقني عن عمل أي استثمارات أو استغلال موارد سيناء , وتنميتها , فاتفاقية كامب ديفيد بمناطقها الثلاث قيدت السيطرة الأمنية علي سيناء وصيغة التخوين للسيناويين زادت الأمر سوءا وبخصوص الاقتصاد فلا يوجد اقتصاد يذكر ونظرا لطبيعة الانكماش السياسي فلايوجد نية للتعمير هناك . أما هشام عبد الجواد - بكالوريوس إعلام جامعة القاهرة - فيقول : إن سيناء لن تري أي جديد , حتي بعد 30 سنة أخري من تحريرها وستظل صحراء كما هي , ولكن سيناء يمكن تعميرها في حالة واحدة إذا تحولت لدولة مستقلة عن مصر , ومادمنا نتعامل مع المواطن السيناوي علي أنه مواطن من الدرجة الثانية سيتعامل مع الدولة علي أنها بلده الثاني , ويكفي أن المواطن السيناوي لايطلب للتجنيد , لقد قمنا بحرب 73 للتحرير ثم جاء حسني مبارك ببراعته وحنكته السياسية ليجعلها دولة لهم مرة أخري ولكن إيجار جديد , فعلينا أن نعتبر سيناء عاجلا أو آجلا ستسبب الحرج لمصر وستكون شوكة في ظهرها إن لم يأت رجل وينظر لهذه المنطقة بمنظور مختلف .