كل الخطوات التنموية التي يقوم بها الوطن لا تساوي شيئًا إذا ظلت الزيادة السكانية بالمعدلات الحالية، لذلك نبهت الدولة إلي خطورة هذا السلوك اللامبالي في ظل دعوات البعض جهلًا أوتلفيقًا بأن تنظيم الأسرة نوعٌ من الاعتراض علي قضاء الله وقدره، وأن كل مولود ينزل ورزقه معه، وأمثال هذه الكلمات المتواكلة التي تعتمد الكسل والتراخي منهجًا في حياةٍ لا تعرف غير التخطيط السليم.. وقد ناقشنا في هذا التحقيق مفهوم تنظيم الأسرة دينيا وتربويا: مشروعية العزل يوضح د. مجدي عاشور مستشار مفتي الجمهورية وأمين الفتوي بدار الإفتاء المصرية مدي مشروعية استعمال وسائل تنظيم الحمل بأنه ورد في كتب السنة الشريفة أدلة صريحة تبيح العزل عن النساء، بمعني أن يقذف الرجل ماءه خارج مكان التناسل من زوجته، بعد كمال اتصالهما جنسيًّا وقبل تمامه. من هذه الأحاديث ما رواه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلًا أَتَي رَسُولَ اللهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ لِي جَارِيَةً، هِيَ خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا، وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا، وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، فَقَالَ: »اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» فَلَبِثَ الرَّجُلُ، ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَبِلَتْ، فَقَالَ: »قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا». بل إن في قوله صلي الله عليه وسلم »سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» بيان بأن تنظيم النسل لا يتضمن الاعتراض علي قدر الله تعالي وقضائه؛ لأنه من باب الأخذ بالأسباب العادية التي إن شاء الله تعالي خلق عندها الأثر أولم يخلقه كما هي عقيدة أهل السنة في ارتباط الأسباب بالمسببات بطريق جريان العادة، وأن كل أثر وقع في الكون فهومخلوق، وأنه لا خالق سوي الله عز وجل.. وعن تساؤل البعض عن كون تنظيم النسل فيه قتل للأولاد، يوضح د. مجدي عاشور أن منع حدوث الحمل بمنع التلقيح الذي هوالنواة الأولي في تكوين الجنين لا يعد قتلًا؛ بل هومن باب الحفاظ علي الموجود دون التوقف عند المفقود الذي في علم الله تعالي؛ لأن الجنين لم يتكون بعد إذا ما تم تناول وسائل تنظيم النسل، ولم يلتقِ مني الزوج ببويضة الزوجة إذ لم يتخلقا ولم يمرا بمراحل التخلق، وتنظيم النسل هوإجراء وقائي قبل الحمل أصلا. دقيقة أسرية وأشار د. عاشور إلي أنه اتخذ إجراءات عملية لمناقشة مسائل تنظيم النسل فقهيًّا بصورة مبسطة بعيدا عن الخلافات الفقهية من خلال برنامج »دقيقة أسرية» أقدم من خلاله إجابات مختصرة عن الأسئلة الفقهية والعقدية الشائعة فيما يخص قضية زيادة السكان وتنظيم النسل انطلاقا من واجب الوقت الذي يستوجب مشاركة المؤسسات المصرية المختلفة فيما بينها في مرحلة البناء والتطوير ونشر الوعي الصحيح بين الناس مع ترسيخ القيم والأخلاق بصورة تحافظ علي المسلم وهويته الدينية والوطنية. دين النظام والتنظيم د. عبد الراضي عبد المحسن أستاذ الفلسفة الإسلامية وعميد كلية دار العلوم جامعة القاهرة يؤكد أن الإسلام دين النظام والتنظيم الذي يتجلي في الدقة والحصر المشمولة به عموم تعاليمه وتشريعاته ومواقيتها وأماكنها وكيفياتها. ويشير د. عبد الراضي إلي أنه إذا ما تعلق الأمر ببناء الإنسان والأسرة التي هي الحجر الرئيسي في بناء المجتمع فقد بيّن الدين أن الأفضلية للمجتمع الأقوي تكوينا وتنظيما وإنتاجا، فالمؤمن القوي خير وأحب إلي الله من المؤمن الضعيف، وأن اليد العليا خير من اليد السفلي لأن الأولي تعطي وتبني وتنتج وتحرس والثانية تأخذ وتستهلك وتحتاج وأمرها مرهون بغيرها واستقلالها وحريتها بيد معطيها ومانحها. ولا يمكن أن يكون مجتمعا مؤلفا من الأسر الضعيفة ذات اليد السفلي الآخذة المعوزة فاقدة الاستقلال والحرية هي التي أمر الإسلام بها أويتباهي الرسول صلي الله عليه وسلم أمام الأمم بها فيما روي عنه في قوله: تكاثروا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم، فالمأمور به هنا هوالنسل القوي بدنيا وصحيا وعقليا وتعليميا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وليس النسل الكثير الضعيف الذي شبهه النبي صلي الله عليه وسلم بغثاء السيل أي التوافه والمخلفات التي يحملها السيل ويجرفها من غير حول لها ولا قوة. وفي أزماننا هذه يحتاج بناء النسل القوي أوقاتا أوسع وتدريبا أعمق وتعليما أصعب وموارد وطاقات ينوء بها أولوالقوة فما بالنا بأجيال مستهلكة وأوطان نامية وشعوب تنخر فيها الأمية حتي النخاع! ضرورة مجتمعية ومن جانبها تؤكد د. أمل سويدان عميد كلية الدراسات العليا للتربية بجامعة القاهرة أن تنظيم الأسرة لم يعد رفاهية وإنما ضرورة مجتمعية وتربوية ووطنية علينا التمسك بها والدفاع عنها لأنها سلوك حضاري وضمن الإطار الصحي الذي يُركز علي صحة الأم والطفل معا وينشر طاقة إيجابية بين أفراد العائلة، حيث يساعد علي تحسين الوضع الصحي والغذائي والنفسي للأفراد ويُقلل نسبة البطالة ويُسهم في تقليل نسبة الأمية.. وتشدد د. سويدان علي ضرورة تفاعل واتحاد جهود الأسرة والمدرسة والمعلمين مع جهود الدولة لتحقيق أفضل النتائج في خفض الزيادة السكانية، خاصة أن فوائد تنظيم الأسرة الصحية والتربوية والمجتمعية متعددة، حيث تقل معدلات وفيات الأطفال حديثي الولادة ووفياتهم قبل الولادة، ومعدلات ولادة الأطفال الخداج، والذين يُعانون من قلة الوزن، كما يسهم التنظيم في تقليل نسبة إصابة الأطفال بالأمراض المعدية وتقليل نسبة الإصابة بالتشوهات الخلقية والعقلية وسوء التغذية.