الحرب النفسية لن تتوقف بين مصر وإسرائيل ، الكيان الصهيوني ذي الأطماع التوسعية والحلم بإقامة دولة من النيل للفرات، والتي تدعمها أمريكا بجبروتها ووقوفها في وجه العالم متحدية كل قرارات الأممالمتحدة أو أي اتفاقيات وذلك بجعل القدس عاصمة لإسرائيل.. وهو ما يجعل السلام والتعايش من المستحيلات طالما أن القضية الفلسطينية لن تحل. وإسرائيل تدرك جيداً أنه إذا كان هناك تطبيع سياسي فهو بعيد كل البعد عن التطبيع الثقافي والشعبي أو بمعني أدق »النفسي» لكل العالم العربي وعلي رأسهم الشعب المصري، الذي دفع الثمن »شهيدا» من كل بيت منذ بدء إنشاء الكيان الصهيوني وبداية الدولة الإسرائيلية. ولا تتواني إسرائيل عن استخدام أي سلاح يحقق أهدافها خاصة للنيل من معنويات المصريين.. وآخر هذه الأسلحة وإن كانت لن تكون الأخيرة »السينما» والفن عامة.. وذلك للتشكيك في كل شيء في مصر لتحطيم المعنويات والإحباط الشديد.. ولهذا شاركت رؤوس أموال إسرائيلية بعمل فيلم عالمي تنتجه شركة نتفليكس عن رجل الأعمال المصري »أشرف مروان» صهر الزعيم جمال عبدالناصر مستشار الرئيس السادات بعد ذلك وأحد الذين تولوا العديد من المناصب. • فيلم »الملاك» المأخوذ عن نفس اسم الكتاب »الملاك» الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل تأليف »أوروي بار جوزيف» وهو أستاذ للعلاقات الدولية في جامعة حيفا وله العديد من المؤلفات عن الصراع العربي الإسرائيلي وعالم الاستخبارات وقد نشر الكتاب سنة 2016 وتمت ترجمته للغة العربية في سنة 2017. »أشرف مروان» الذي ولد في الثاني من فبراير سنة 1944 وتوفي في 27 يونيو سنة 2007 علي إثر سقوطه من شرفة شقته بلندن.. لتسفر التحقيقات عن أنه »انتحار».
حقيقي شخصية »أشرف مروان» وحياته مثيرة للجدل لكن الرجل التزم الصمت التام.. فقبل كتاب »الملاك» وفي سنة 2003 كشفت إسرائيل أنه عميل كبير للموساد.. وإن كان كبار قادة »الموساد» و»الشاباك» اعتبروه عميلاً مزدوجاً وذلك وفق رواية اللواء »إيلي زعيرا» الذي كان رئيساً للاستخبارات العسكرية، وطرد من منصبه بعد فشل إسرائيل في التنبؤ بحرب أكتوبر لأن أشرف خدعهم.
وعودة للفيلم الذي يبدأ عرضه بعد أيام قليلة فهو من إخراج »أرييل فرومان» الذي يؤكد في فيلمه علي عدم ولاء »أشرف» لمصر وخيانته لوطنه وهي الرسالة التي تحرص عليها إسرائيل لزعزعة الثقة في كل وأي شيء. ويقوم بدور »أشرف مروان» الممثل الهولندي ذو الأصول التونسية »مروان كينزاري» و»وليد زعتر» بدور الزعيم جمال عبدالناصر و»مايسة عبدالهادي» بدور مني عبدالناصر و»ساسون جاباي» الممثل الإسرائيلي بدور »أنور السادات»، ولعل البلد العربي الوحيد الذي سيعرض به الفيلم هو المغرب حسب »نتفليكس» الشركة المنتجة. ويركز الفيلم علي الدور الذي لعبه »مروان» في إمداد إسرائيل بالعديد من المعلومات الحساسة الخاصة بالتسليح.. في الكتاب العديد من المفارقات حاول فيها المؤلف تدارك ما ورد في الكتاب السابق الذي نشر عن »بييرجمان» من أن »مروان» ذهب بنفسه إلي السفارة الإسرائيلية بلندن لتقديم خدماته.. وأنه تم تجاهله وتجاهل مباحثاته التليفونية التي أجراها مع الملحق العسكري الإسرائيلي إلا أن هذا الأخير تجاهل تماماً محادثاته إلي أن أتي إلي لندن صدفة اثنان من الموساد وسمعا بالحكاية في المطار فألغيا سفرهما ليحاولا الاتصال واللقاء ب»أشرف مروان». »أشرف مروان» الذي شككت إسرائيل في وطنيته ورفضها لفكرة أن المخابرات المصرية هي التي وضعته في طريقهم وأنه خدم »مصر» في كل المواقع والمراكز التي تبوأها، وإذا لم تكن هناك ردود فعل مباشرة ورسمية حول الكتاب وهو ما ينطبق علي الفيلم الذي يلاقي تجاهلاً تاماً من مصر.. خاصة أن إسرائيل حاولت من قبل فعل نفس الشيء مع »رأفت الهجان» أو بمعني أدق »رفعت الجمال» أو »جمعة الشوان» واسمه الحقيقي »أحمد الهوان» وكل ذلك يدخل في إطار الدعاية والتمجيد علي قوة المخابرات الإسرائيلية والدعاية لإسرائيل.
أشرف مروان نفسه لم يشغل باله في سنة 2003 علي الرد علي ما نشر في ذلك الوقت وإن لم يتضمن اسمه صراحة.. وإن كانت الصحافة الإسرائيلية ذكرته.. وأياً كان الاختلاف أو الاتفاق مع سياسة الرئيس مبارك إلا أنه قال عن مروان »إنه قام بأعمال وطنية لم يحن الوقت بعد للكشف عنها.. وأضاف أنه لم يكن أبداً جاسوساً لإسرائيل». وعند وفاته أمر مبارك بإقامة جنازة عسكرية له شيعت من جامع »عمر مكرم» تصدرها رئيس مجلس الشوري في ذلك الوقت فتحي سرور.. وجمال مبارك وصفوت الشريف وعبدالسلام المحجوب الذي بكاه بشدة.. وقد أم صلاة الجنازة د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر.
أما زوجته السيدة مني عبدالناصر فكانت قد صرحت قائلة إن زوجي كان يعمل لمصلحة بلده مصر وكل ما تردده عنه إسرائيل مجرد هراء. والجدير بالذكر أن مني عبدالناصر كانت قد أكدت من قبل أنها واثقة أن زوجها ألقي به من شرفة منزله بلندن متهمة الموساد بقتله. أما الرئيس السادات الذي جعله مقرباً منه ومنحه وساماً تكريماً له علي ما قدمه من خدمات جليلة للوطن في حرب أكتوبر سنة 1973.. فيقول الكاتب الكبير »موسي صبري» الذي كان مقرباً جدا من السادات أنه سأله يوماً عن »أشرف مروان» وذلك بعد إشاعات كثيرة طالت ذمته المالية وعلاقته بالمليونير السعودي كمال أدهم.. قال »السادات» ل»صبري» »أنا لا أقبل أن أمد يدي لأي حاكم عربي، لكننا نتعرض لمآزق مالية خطيرة، وأشرف يقوم بهذه المهمة كما أنه قدم خدمات ممتازة في موضوع الأسلحة واستطاع بجهده الشخصي أن يذلل الكثير من العقبات مع المصانع الفرنسية بالذات، وتم هذا في أوقات حرجة وقبل حرب أكتوبر سنة 1973. إن فيلم »الملاك» لن يكون الأول أو الأخير في الصراع بين المخابرات المصرية والإسرائيلية ،والتي تحرص إسرائيل أن تواري هزيمتها أمام المخابرات المصرية والتي قدمتها سواء في أفلام أو مسلسلات وتحاول إسرائيل ان تردها كجزء من الحرب النفسية علي مصر والعرب.