بعد أيام قليلة تعرض شركة نتفليكس الأميركية فيلم "الملاك" من انتاج إسرائيلي فرنسي عن أشرف مروان صهر الرئيس الأسبق عبدالناصر ومدير مكتب خليفته أنور السادات. يجسد دور أشرف الممثل الهولندي التونسي الأصل مروان كنزاي، ويلعب الممثل الإسرائيلي ساسون جاباي دور السادات، والممثل الأميركي من أصول فلسطينية وليد زعتر دور عبدالناصر، وستجسد شخصية ابنته وزوجة أشرف مروان ممثلة إسرائيلية من عرب الأراضي المحتلة. الفيلم مثل القصة المأخوذ عنها ليس "هينا" ولا يجب استقباله رسميا بعدم الاكتراث، فهو يرسخ الرواية الإسرائيلية عن زرع جاسوس في بيت عبدالناصر وفي غرفة نوم ابنته. رواية مؤلمة حقا لو ظلت الحقيقة غائبة كما هي شأنها منذ ظهر كتاب يوري بار جوزيف عام 2010 "الملاك – الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل". وفاته الغامضة عام 2007 عقب إلقائه من شرفة منزله في لندن على طريقة سعاد حسني والليثي ناصف، كانت مثيرة للجدل. موت مريب أغُلق التحقيق فيه بعد ذلك بثلاث سنوات دون نتيجة. رحل أشرف مروان ومعه ألغازه التي لن تحل إلا برواية مصرية دقيقة وموثقة وقوية على غرار رأفت الهجان. الأفلام السينمائية قوة ناعمة لا يستهان بتأثيرها. تماما كما كانت الشوارع في مصر وإسرائيل تخلو من المارة أثناء عرض مسلسل رأفت الهجان. أشرف ارتبط بثلاثة رؤساء لمصر على التوالي. أسرار القصر الرئاسي والحكومة والهيئة العربية للتصنيع التي تولى رئاستها كتاب مفتوح أمامه. يصفه كتاب الملاك والفيلم بأنه كان "أشد الرجال نفوذا في مصر". تساءل جوزيف في كتابه "كيف يعقل أن الحكومة المصرية لم تقم بأي محاولة للتحقيق في خيانته أو إخضاعه للمحاكمة في الفترة بين الكشف عن حقيقته 2002 ووفاته 2007"؟! يقول أستاذ العلوم السياسية الدكتور حسن نافعة في تغريدة على تويتر " لولا خلاف بين جهازي الموساد والمخابرات العسكرية الإسرائيلية لما انكشفت قصة الجاسوس أشرف مروان المذهلة. الرواية الإسرائيلية التي وثقها كتاب الملاك ستظل مصدقة إلى أن تصدر رواية مصرية تفندها بالوثائق. في صمت مصر قبول ضمني لرواية إسرائيل". الملياردير نجيب ساويرس علق عليه باتهام ضمني لجمال عبدالناصر، فكتب على تويتر "أشرف مروان جاسوس من زمن عبدالناصر". حسن نافعة في مقال له مؤخرا يقتطف من كتاب "الملاك" ما يخلي مسئولية عبدالناصر عن صهره. يقول جوزيف: أشرف مروان لم يقع في حب منى عبدالناصر وكان سعيه للتعرف عليها من خلال شقيقته مدفوعا برغبة انتهازية حارقة للتقرب من عائلة الرجل الذي يحكم مصر. أما منى فقد وقعت في حبه من أول نظرة وظلت مخلصة له طوال حياته. حين تحرى عبدالناصر عن أشرف لم تكن المعلومات التي وصلته من النوع الذي يطمئنه، بعكس ما حدث حين تقدم حاتم صادق لخطبة هدى كريمته الكبرى، ومن ثم حاول إثناء ابنته لكنها تمسكت به بإصرار. لم يحصل أشرف بعد زواجه من منى على أي مزايا استثنائية في عهد عبدالناصر الذي حرص على أن يعمل أشرف في مكتبه تحت إشراف ورقابة سامي شرف. ولأنه لم يكن سعيدا بهذا الوضع فقد سعى للحصول على منحة دراسية في لندن، وهو أمر لم يكن صعبا على صهر عبدالناصر الذي لم يكن لديه بدوره سبب وجيه للاعتراض، فماذا يقول لابنته. حين علم عبدالناصر أن صهره استدان من أسرة كويتية معروفة للعائلة (السيدة سعاد الصباح وزوجها) مبالغ مالية خسرها على طاولة قمار، استدعى زوجها وابنته إلى مصر على الفور وأصر على طلاق منى التي رفضت فاضطر عبدالناصر للرضوخ حتى لا يكسر قلبها، وأصر على أن يسدد ما اقترضه. أجرى أشرف أول اتصال بالسفارة الإسرائيلية في لندن من تليفون عمومي قبل وفاة عبدالناصر بشهرين عام 70 لكنها لم تأخذه على محمل الجد، خصوصا أنه رفض ترك رقم تليفونه. التجنيد الفعلي لم يتم إلا بعد وفاة عبدالناصر بشهور طويلة وبعد انحياز اشرف للسادات في صراعه مع مراكز القوى، الأمر الذي أهله لشغل مواقع حساسة في مكتب السادات إلى أن أصبح مديرا له. يؤكد الكتاب في أكثر من موقع أن الرغبة في الانتقام، وكراهية أشرف لكل ما يمثله عبدالناصر سياسيا وأخلاقيا، كان أحد أهم دوافع أشرف للعمل كجاسوس لحساب أعدى أعداء عبدالناصر. انتهى استدلال نافعة من كتاب الملاك محاولا قدر استطاعته تبرئة عبدالناصر من أي مسئولية عن صهره، بل وإلقاء تلك المسئولية صراحة على السادات بقوله "عبدالناصر ليس مسئولا عما جرى ويجب مساءلة آخرين على رأسهم السادات". حتى في مسائل حساسة تضر بالسمعة وتوصف بالخيانة العظمى ، ينشغل أنصار عبدالناصر بالدفاع عنه وإلصاق النقيض بالسادات، ويفعل خصومه العكس. مع أن نافعة يقول في نهاية مقاله "نحن لا ننكر أن أشرف إن صحت الرواية الإسرائيلية عنه، جلب العار ليس فقط لعبدالناصر وأسرته، بل لمصر كلها". [email protected]