أفلام يوسف شاهين تحمل مشاعرنا وأحساسينا وتعبر فعلا عن واقعنا.. هو رجل وهب نفسه للكاميرا وقدم لها عصارة فكره وعواطفه وانفعالاته، تتسم أعمال شاهين بتلك النكهة المختلفة أو البصمة التي تشبه صاحبها العصبي القلق المتوتر المطارد بكل فكرة وكلمة ليصوغها في قالب مشهد يكون منطلقا لقصة تقدم علي الشاشة الفضية تعجب البعض ويرفضها البعض الآخر ولكن الجميع يقر بعبقرية صاحب الفكرة حتي وإن اختلفوا معه. ومنذ »بابا أمين» فيلمه الأول أظهر شاهين المولود في مدينة ساحلية عرفت بانفتاحها وبامتزاج الأعراق والطوائف في صلبها رغبة في ولوج عوالم جديدة ورمي حجر في مشهد سينمائي راكد طغت عليه في أحيان كثيرة الرومانسية الساذجة.. جو أو الأستاذ كما يناديه تلاميذه ومريدوه صنع مدرسته الخاصة وصاغها بحرفية سينمائية، وبذلك قدم للسينما العربية روائع فدشن بفيلم باب الحديد الذي مثّل فيه مع هند رستم وفريد شوقي مرحلة الجرأة في أبرز تجلياتها من خلال تطرقه لموضوع الكبت الجنسي والسياسي الذي يعيشه الإنسان العربي، لكن هذا الفيلم لم يكن جماهيريا إبان عرضه وكان ينبغي الانتظار ردحا من الزمن حتي يُفهم وتُدرك معانيه ويصبح واحدا من أهم الأفلام في سجل السينما العربية. وعلي امتداد ستين عاما هي عمر مسيرته الفنية التي قدم خلالها 40 فيلما أحدث يوسف شاهين فتحا كبيرا في مجال الفن السابع وتمكن من صناعة مجموعة من النجوم الذين قدم لهم فرص الظهور لأول مرة ومنحهم بطولات مطلقة متوسما فيهم الموهبة علي غرار خالد نبوي ومحسن محيي الدين ومحمد منير وهاني سلامة وله الفضل في تقديم النجمة العالمية داليدا لأول وآخر مرة في السينما العربية من خلال فيلم اليوم السادس. كما قدم يسرا التي كانت إحدي نجماته المفضلات في عديد الأعمال بشكل مختلف كما كسر الصورة النمطية عن الفنانة نبيلة عبيد عندما قدمها في فيلم الآخر طارحا علاقة العرب بأمريكا بشكل جريء وغير مسبوق.. كما أنه صاحب الفضل في تكسير الصورة النمطية عن عديد الفنانين ومن أهم الأمثلة هنا الفنان محمود المليجي الذي انحصرت أدواره في شخصية الشرير ووحده شاهين كسر عنه هذا القالب وقدمه في فيلم الأرض في صورة الفلاح القوي الشهم المتمسك بأرضه في دور من أروع ما قدم في السينما العربية كما أن مشهد المليجي وهو يُسحل في أرضه التي يرويها بدمه يمكن أن يكون أفضل ما صورت كاميرا شاهين وغيره من المخرجين.. وإذا كان يوسف شاهين قد انطلق في فيلمه الأول من الفانتازيا التي كانت غريبة عن مجتمعنا فإنه ختمها بفيلم مغرق في الواقعية ويستشرف الآتي وكان فيلم هي فوضي الذي أكمله خالد يوسف.