هناك متغيرات كثيرة طرأت علي الشخصية المصرية في الآونة الأخيرة، ليست جميعها في اتجاه واحد،...، بل فيها ما هو إيجابي يجب تعظيمه، وماهو سلبي يجب مواجهته واصلاحه. لعل الغالبية العظمي منا قد لفت انتباهها بشدة تلك المتغيرات الجسيمة التي طرأت علي الشخصية المصرية في الآونة الأخيرة، بحيث أصبحت ظاهرة واضحة وملموسة تستدعي التوقف عندها بالفحص والتأمل والدراسة، بحثا عن الأسباب التي تقف وراءها، ومحاولة الوصول للدوافع التي أدت إليها. وبالرغم مما يؤكده البعض بسلبية هذه المتغيرات في مجملها ومحتواها، إلا أن المنطق والموضوعية يشيران الي صعوبة القبول بهذا الرأي ومخاطر الأخذ به وافتراض صحته بالكلية، نظراً لما يحمله في طياته من تجاوز مخل وتعميم غير مقبول. والنظرة الجامعة والشاملة للواقع من حولنا تشير إلي أن هذه المتغيرات ليست جميعها سلبية الأثر والدلالة، وأن من بينها ما هو إيجابي في محتواه وتداعياته،..، وفي اعتقادي أن تلك فرضية صحيحة رغم أنها مبنية علي كثير من حسن التوقع وكثير من التفاؤل. وبناء علي ذلك وتأسيساً عليه نستطيع الأخذ بصحة القول، بأن من بين هذه المتغيرات التي طفحت علي السطح خلال السنوات القليلة الماضية ما هو إيجابي في محتواه ومضمونه، وهو ما يستحق الدفع به والسعي لتعظيم أثره وجدواه... وأن من بينها بالقطع ماهو سلبي في أثره وتبعاته، وهو ما يستوجب الرفض والاستهجان والمواجهة والتصحيح. إيجابيات .. وسلبيات وفي هذا الاطار يري علماء الاجتماع وخبراء علم النفس الاجتماعي، ان تلك المتغيرات بما فيها من ايجابيات وسلبيات، هي نتاج متوقع الحدوث في كل المجتمعات التي تتعرض لأحداث جسام أو تمر بوقائع مصيرية، نظراً لما يجري فيها في هذه الظروف غير المعتادة من مواجهات حادة وانفعالات فوارة، مثل تلك التي جرت في مصر خلال السنوات الماضية منذ الخامس والعشرين من يناير وما تلاها من حراك وتفاعل بالإيجاب والسلب. وإذا ما حاولنا تلمس الإيجابيات ووضعها موضع الرؤية والتبيان، سنجد بالقطع في مقدمتها بشكل واضح ما نتابعه ونراه من شيوع الاهتمام بالشأن العام بين جموع المواطنين وعلي جميع مستوياتهم الاجتماعية والثقافية، وهو ما يتجلي في الحرص الجمعي علي المشاركة الفاعلة في الشئون والأمور والقضايا المتصلة بالمسيرة الوطنية في عمومها. وقد لمسنا هذا وتابعناه خلال ما رأيناه من حرص العامة والخاصة علي المشاركة الإيجابية في الوقائع والأحداث الوطنية، مثل الانتخابات وغيرها،...، وهو ما كان مفتقداً وغائباً قبل ذلك، وهو ما يمكن اعتماده كدليل واقعي علي وجود ما يمكن ان نطلق عليه وجود الوعي الجمعي لدي المواطنين للمشاركة الفاعلة في المسيرة الوطنية للدولة، والحرص علي الاشتباك والتفاعل بالرأي في رسم الصورة المستقبلية للوطن والدولة وفق الإرادة الجمعية لعموم المواطنين. وفي هذا السياق، يمكننا اعتبار ما جري في الثلاثين من يونيو والسادس والعشرين من يوليو قمة الاشتباك والتفاعل والمشاركة الشعبية الكاملة والمتدفقة في الشأن الوطني العام، تسجيلاً وتأكيداً ودعماً لإرادة الشعب، وهو ما كان علامة فارقة وحدثاً فريداً في تاريخ مصر والمنطقة، فضلاً عن كونه حدثاً فريداً وغير مسبوق في تاريخ الشعوب والدول. الاخلاق.. والقيم هذا عن أبرز الايجابيات التي نلمسها ونراها في اطار المتغيرات التي طرأت علي الشخصية في الآونة الأخيرة، وهناك ايجابيات اخري بالتأكيد،..، ولكن إذا ما نظرناً الي الجانب الآخر حيث السلبيات والمتغيرات السلبية التي طرأت علي الشخصية المصرية، لوجدنا علي رأسها بالقطع من وجهة نظر علماء الاجتماع ذلك الانحدار الأخلاقي والقيمي الذي أصاب البعض منا، وطفح علي السطح بصورة حادة ولافتة في مواقف كثيرة، منها علي سبيل المثال وليس الحصر ذلك الجنوح للفوضي وعدم احترام القانون لدي البعض، بالاضافة الي الميل والجنوح نحو العنف وعدم التسامح، وغيبة قيمة العمل وأشياء أخري كثيرة تستحق الاهتمام البالغ، نظراً لما تمثله من خطر علي المجتمع كله. وإذا ما تأملنا في رؤية المتخصصين والدارسين للمتغيرات الاجتماعية التي طرأت علي البعض منا، نجد أنهم يعطون أهمية كبيرة للسلوكيات والصفات السلبية التي انتشرت في السنوات الأخيرة لدي البعض منا، ويأتي في مقدمتها ظواهر الاهمال والتسيب وعدم الانضباط التي تفشت وصاحبتها ميول لعدم الانضباط وغيبة الجدية في العمل والأداء، بحيث أصبحت تلك الصفات من أكثر البلايا التي ابتلينا بها وأصابتنا بالعاهات في الاقتصاد والتنمية، والتدهور في مستوي الحياة العامة طوال العقود والسنوات الماضية. وليس من المبالغة في شيء التأكيد علي أن هذه الصفات السلبية التي طرأت علينا، وتراكمت خلال السنوات الأخيرة بكل ما تحمله في طياتها من سوء هي المسئولة مسئولية مباشرة عن القصور الذي نعاني منه علي المستوي الاقتصادي الآن. وفي اعتقادي أن ما أصاب المجتمع من خلل واهتزاز في القيم الاخلاقية والانسانية في الآونة الأخيرة، قد جاء كنتيجة حتمية لانتشار وتفشي هذه الصفات السلبية،،، وذلك بالقطع أمر بالغ السوء والخطر أيضاً ولا يجب السكوت عليه أو السماح باستمراره إذا ما أردنا حقاً وفعلاً الانتقال بمصر الي عالم الحداثة والتطور والتقدم والقوة الاقتصادية. وفي يقيني أن هذا هو السبب الرئيسي والدافع الأساسي وراء الرغبة المعلنة والالتزام الجاد من جانب الرئيس لإعادة بناء الانسان المصري واعتبار ذلك هو التكليف والمهمة الرئيسية والاساسية للحكومة الجديدة،...، وهو ما نأمل ان يوفقها الله لتحقيقه. العمل.. والفهلوة وفي اطار المصارحة الواجبة والمكاشفة والشفافية الضرورية لابد أن نعترف أن أخطر ما أصابنا في الآونة الأخيرة، ومازلنا للاسف نعاني منه حتي الأن، هو أننا تخلينا بفعل فاعل عن الأصالة التي ميزت الشعب المصري منذ نشأته وعلي مر السنوات وتعاقب العصور، وفقدنا في غيبة من الوعي والحكمة الكثير من القيم الايجابية، التي كانت تميز الشخصية المصرية علي طول تاريخها الانساني. وعلي رأس هذه القيم دون شك ما جبلنا عليه من حب للعمل وتقديسه، واعتباره نوعاً من العبادة ودليلاً علي احترام الانسان لذاته ورغبته الدائمة في التفوق وإثبات قدرته علي الابداع والإجادة. والمؤسف حقا أننا استبدلنا هذه القيم الايجابية بأخري سلبية، وهي الكلام الكثير عن الفهلوة والقدرة الاستثنائية المبالغ فيها دون فعل او عمل حقيقي علي أرض الواقع،..، بالاضافة الي ترديد مقولات وتبريرات خاطئة وهابطة مثل »علي قد فلوسهم» وهو ما يعني قمة الاستهانة بقيمة العمل والتهرب من أداء الواجب،..، وهو ما أدي بنا الي ما وصلنا إليه وما نعاني منه الآن، من قلة في الانتاج وتدني في جودة المنتج، وتدهور اقتصادي واجتماعي وقيمي. وأحسب ان الوقت قد حان الآن كي نتخلص من هذه السلبيات، وأن ننفض التراب عن معدن المصري الأصيل، وأن نعود إلي ما كنا عليه من حب وتقديس للعمل والانتاج، والرغبة في الابداع والابتكار والإجادة،...، وهو ما يعني في جوهره وأساسه الحاجة الملحة لإعادة بناء المواطن المصري علي أسس صلبة وسليمة وصالحة، بكل ما يعنيه ذلك من متطلبات لازمة علي كافة المستويات التعليمية والثقافية والصحية والاجتماعية والاقتصادية،..، وغيرها من المكونات المادية والمعنوية اللازمة لبناء الانسان المصري، باعتباره الركيزة الاساسية للانطلاق للتنمية الشاملة، وإقامة الدولة المدنية الحديثة والقوية. الصحافة والقانون في ظل الجدل المتصاعد حالياً حول مشروع القانون الخاص ب»تنظيم الصحافة والاعلام»، المطروح علي مجلس النواب،..، أحسب أنه من المهم والضروري الاشارة إلي خطأ التصور القائم لدي البعض، بوجود اختلاف في وجهات النظر داخل الاسرة الصحفية، بين من يدافعون عن حرية الصحافة ومن يقفون ضدها. وفي هذا لابد من التأكيد علي بديهية أساسية متفق عليها داخل الأسرة الصحفية، وهي الاجماع التام بين عامة الصحفيين وخاصتهم علي التمسك بحرية الصحافة والحق في النقد، بوصفهما من الحقوق الأساسية للصحفي والصحيفة، وبوصفهما ايضاً واجباً ملزماً علي الصحفي والصحيفة تجاه المجتمع والقراء. ويتلازم مع ذلك الإيمان المطلق بأنه ليست هناك حرية بلا مسئولية وبلا ضوابط في إطار القانون والدستور، وأن النقد يجب ان يلتزم بالموضوعية والتوافق التام مع القيم المجتمعية والاخلاقية والانسانية، دون المساس بحريات الاخرين أو حقوقهم.