دخل العلاج والتداوي بالأعشاب منحني جديدا خلال الآونة الأخيرة، رغم وجوده والتداوي به من آلاف السنين، لكن صناعة الدواء سحبت منه البساط لفترة كبيرة، حتي تمكن الطب البديل من إظهار الأعشاب مرة أخري علي الساحة الدوائية، لتدخل مستخلصات الأعشاب في كثير من المستحضرات الطبية. تلك الأعشاب في الحقيقة تمثل سلاحا ذا حدين، فعلي قدر فوائدها يستغلها غير المختصين لعمل وصفات عشبية يدّعون أنها علاج لبعض الأمراض الخطيرة مما يعرض حياة المرضي للخطر، فما حجم الأعشاب الطبية في مصر وما أنواعها؟ وكيف تدخل كعامل أولي بالطب التكميلي؟ وما هي الأمراض التي قد تساعد الأعشاب في علاجها؟ حسب وزارة الزراعة من أكثر الأعشاب التي تشتهر مصر بزراعتها الينسون والنعناع والكمون والكراوية والكركديه والبابونج والريحان، وإنتاج مصر من الأعشاب أو النباتات الطبية يصل إلي 4 ملايين طن، حيث إن مصر لديها المناخ المناسب لزراعة النباتات الطبية والعطرية التي يصدّر منها 90٪ كمواد خام، هذه الشهرة التي تأخذها الأعشاب بمصر خلقت اتجاها كبيرا لاستخدامها في العلاج، لاسيما أن ارتفاع أسعار الأدوية شجع المرضي علي اللجوء للأعشاب والرجوع مرة أخري لعادات ووصفات طبية قديمة أو ربما الإعلانات الفضائية التي تُعرض بشكل مبالغ فيه علي مرأي ومسمع من المرضي يوميا. يقول إبراهيم مكي مريض سكري عن تجربة شخصية وبعد العلاج بالأنسولين وأنواع مختلفة منه كأنسولين" اسبارت وليسبرو"، قررت اللجوء إلي بعض الأعشاب التي قرأت عن فوائدها لمرضي السكري لتنظيم مستوي السكر بالدم كالمداومة علي شرب الحلبة أو الينسون وبالفعل شعرت بالتحسن ولكن لفترة وكنت قد أهملت الدواء ولكن اكتشفت أنه لا غني عن الدواء وأن الأعشاب علاج تكميلي خاصة مع الأمراض الخطيرة كالسكري وغيره، أما بالنسبة للأمراض الأخري المؤقتة كالكحة والسعال فهي لا غني عنها حتي أنها تدخل في الأدوية الخاصة بعلاجها . أما هناء محمد فتري أن هناك توجها كبيرا للعلاج بالأعشاب، فنحن كمرضي دائما نبحث عن حلول أخري خاصة أن سعر الدواء في زيادة مستمرة، ذلك بجانب أزمات نقص الأدوية المستمرة، فنضطر للجوء إلي البدائل مما يعرضنا إلي آثارها الجانبية حينها نلجأ إلي الأعشاب فهي إذا لم تفد علي الأقل لا تضر . يقول جمال الصاوي إن العلاج بالأعشاب يعتبر عادة قديمة تربينا عليها وحتي الآن نجد محلات العطارة تنتشر بجميع المناطق وهو أمر جيد، ولكن المخاطر تأتي من الوصفات التي يعمل عليها غير المختصين والضحية يكون المريض، فقد عانيت لفترة طويلة من التهاب بالمعدة وقمت بشراء مجموعة من الأعشاب من العطار من المفترض أنها لعلاج التهاب المعدة، ولكن شعرت بعدها بتضاعف الألم فذهبت للطبيب وعلمت أن الوصفة التي لجأت إليها بالفعل سببت لي التهابا في حين أن ما كنت أشكو منه هو القولون في الأصل . من خلال تجربة محمود عبد الشكور بالعمل في محلات العطارة يري أن الأعشاب فعلياً تحتوي علي مواد فعاّلة تساعد المريض علي التعافي من عدة أمراض، ولكن هي تحتاج إلي وصف تناولها بجرعات معينة لأن الإصابة بالمرض درجات وبالتالي جرعات العلاج لابد أن تكون مختلفة، يتابع: لاحظت هذا الفرق بين محلات العطارة التي كان يقوم عليها طبيب متخصص وبين محلات العطارة التي يقوم عليها غير المختصين ويكون شغلهم الشاغل العلاج بالأعشاب . عن العلاج بالأعشاب والطب التكميلي وأنواع العلاج الحديثة يقول دكتور سعيد شلبي أستاذ الباطنة والكبد رئيس قسم الطب التكميلي سابقا بالمركز القومي للبحوث إن العلاج بالأعشاب يعتبر هو أصل العلاج بكافة المستويات الطبية منذ القدم، حيث كان الأطباء يلجأون إلي الطبيعة والتداوي بالأعشاب ومع النمو السكاني أصبحت الأعشاب لا تكفي وحدها فبدأ اللجوء إلي إعداد تركبيات ومستخلصات للأدوية من الأعشاب لتعالج معظم الأمراض، ومع التقدم في الزمن بدأت ملاحظة التأثير السلبي لبعض الأدوية وآثارها الجانبية ومسبباتها الخطيرة التي قد تسبب السرطان أحياناً فتم الرجوع للطبيعة مرة أخري، حتي أنه بالفعل في وقتنا هذا هناك أكثر من 200 مستحضر طبي من المنتجات العشبية، فهناك مستحضر الجوافة بالصيدليات لعلاج الكحة وهو مستخلص من أوراق الجوافة، ودواء حلف البر ودواء التكسمون لعلاج الحصاوي البولية، ويوجد أعشاب معبأة علي هيئة أكياس فوارة لعلاج أمراض مختلفة . يتابع: الطب التكميلي علم، وهو قسم مستقل بالمركز القومي للبحوث تم إنشاؤه عام 2004 أي من 14 سنة، وخلال هذه الفترة قمنا بإجراء العديد من الأبحاث لعلاج بعض الأمراض علي مستوي عالمي، كما قمت بتسجيل 3 براءات اختراع لعلاج الأمراض الفيروسية بالأعشاب بمركز الفيروسات الأمريكية، وقد أثبتت الأبحاث نجاحها وإن كانت نسبة نجاحها أقل من الدواء، ولكنها تحافظ علي شفاء المرض علي عكس الأدوية التي تمكن الفيروس من الهجوم مرة أخري علي المريض بعد الانقطاع عنه والمثال علي ذلك العلاج الخاص بفيروس سي. يتابع: القسم به ما يقرب من 40 طبيبا بمختلف التخصصات سواء كبد أوجهاز هضمي أو باطنة أو أطفال، كل طبيب منهم يعمل علي أبحاث مختلفة كلٌ في تخصصه، فكل عشب معين يصلح لعلاج مرض معين، كما أن الأعشاب تدخل في علاج الأمراض التي تهم قطاعا من المرضي، كأمراض الكبد وفيروس سي والسكر، كما أنها تدخل في أنظمة الرجيم وإنقاص الوزن. أوضح أن هناك أنواعا من الطب التكميلي كالعلاج بالطاقة، والعلاج بالمثل عن طريق استخلاص المواد الفعّالة من الأعشاب وتخفيفها آلاف المرات للوصول في النهاية إلي المحلول النهائي، وفي النهاية نحصل علي نتيجة الدواء وهو نوع من العلاج يعمل به بأكثر من بلد ومن أشهرها ألمانيا وبعد ذلك انتشر بالعالم كله، ومن خلال المركز طورنا هذا النوع من العلاج وقمنا بعمل علاج لمرضي السكر من ورق التوت ليساعد علي خفض مستوي السكر بالدم. يوضح أن هناك نوعا آخر من العلاج وهو "العلاج بالطاقة" أيضا برعت فيه ألمانيا باستخدامه في علاج أمراض معينة، حيث تحتوي أمبولات علي محاليل معينة كلٌ منها يخص مرضا معينا، ونظرا لعدم منح الاهتمام لهذا النوع من العلاج فهو يتكلف أموالا كثيرة لاستيراد الأمبولات من الخارج، لافتا إلي أنه بجانب العلاج بالطاقة والمثل يوجد العلاج بالليزر، والإبر الصينية. أكد أن كثيرا من المرضي بالفعل يلجأون إلي العلاج بالأعشاب لقلة آثاره الجانبية، كما أن هناك دولا عديدة تعتمد علي العلاج بالأعشاب، كأمريكا التي تقوم باستيراد الأعشاب من الصين بمليارات الدولارات فالأعشاب لها أهمية كبيرة بالنسبة لها وتعتبرها منتجا مميزا، لذلك نأمل أن يكون هناك اهتمام بالبحث العلمي في ذلك المجال، وبالاتجاهات الحديثة للعلاج. لفت إلي أن العلاج عن طريق الأعشاب أخذ منحني الخوف عند بعض الناس لاشتغال غير المتخصصين به كخريجي زراعة وعلوم، فذهبوا يعالجون المرضي بالأعشاب وبعض التركيبات العشبية، وهناك بعض الممارسات الخاطئة من قبل بعض الأشخاص أساءت للعلم، مؤكدا: نحن نتصدي للممارسات الخاطئة من قبل بعض الأشخاص ومنها كان ادعاء البعض العلاج بالحمام، ولكنها لا أصل لها من الصحة ولا تخص علم الطب التكميلي. علي جانب آخر يقول محيي الدين عبيد نقيب الصيادلة إن هناك حاليا اتجاها لتنشيط العلاج اعتمادا علي الأعشاب وهو أمر ليس سيئا، فالأعشاب تدخل في تركيبات بعض الأدوية بالفعل، ولكنها في تركيبات الأدوية تدخل بكميات معينة أي أن المواد المستخلصة من الأعشاب تقدر بنسب معينة حسب الدواء ولعلاج أمراض بعينها، كما أنها يمكن أن تجدي نفعا وتدخل بالمكملات الغذائية، ولكنها لم تثبت فعاليتها علي سبيل المثال مع الأمراض الفيروسية، وبعض التجارب التي أجريت في هذا الشأن لم تثبت نجاحها مقارنة بالدواء. يتابع: أما الوصفات العشبية غير الدقيقة التي تعرض علي القنوات الفضائية ليلا ونهارا أو التي يقدمها غير المتخصصين للمرضي فهي تعرِّض حياة المرضي للخطر، كما أنهم يدّعون أنها تعالج الأمراض الخطيرة وذلك غير صحيح لأنه لكي نقر بأن عشبا معينا يمكنه علاج مرض معين كفيروس سي لابد من إجراء التجارب أولا وإثبات صحتها، بالإضافة إلي أن هناك بابا مفتوحا علي مصراعيه أمام من لا خبرة لهم سواء بمحلات العطارة أو المراكز التي تدعي تعليم الطب البديل التي لابد من تشديد الرقابة عليها وأمام أي شخص يقدم وصفة عشبية ويدعي أنها تعالج مرضا من الأمراض الخطيرة. مشيرا إلي أن البلاد التي تتجه حاليا إلي الأعشاب كنوع آمن من العلاج تفرض بدورها الرقابة علي الصيدليات التي تعتمد علي التعامل بالأعشاب كدواء، وهو اعتماد معترف به بألمانيا ولكن ذلك لا يمنع الرقابة القانونية والصحية علي التعامل بالأعشاب. من وجهة نظر طبية يقول محمد عز العرب استشاري أمراض الكبد والجهاز الهضمي رئيس وحدة أورام الكبد بمعهد الكبد إن الأعشاب لكي تصبح مساعدا علي العلاج لابد أن يتم وصفها من طبيب متخصص، حيث إنها تنتشر بالشوارع ومحطات المترو وتباع في شكل أكياس بها مجموعة متنوعة من الأعشاب دون رقابة، مشيرا إلي أن هناك من يتخذون منها مهنة للتربح ويدعون كتابة روشتات ووصفات طبية تعالج كافة الأمراض. أكد أنها يمكن أن تسبب خطرا علي صحة الإنسان وتسبب مشاكل بالكلي تصل إلي الفشل الكلوي، نتيجة لصعوبة تخلص الجسم منها، غالبا المادة الفعّالة بها تكون غير نقية وقد يشوبها الفطريات التي تضر الكبد أيضا وقد تسبب التسمم، بالإضافة إلي أنه يتم تناولها بدون تحديد جرعات محددة، وطريقة تخزينها التي في الغالب تكون خاطئة وتسمح بتكوُّن الفطريات والجراثيم بها.