الشيخ الشعراوي لم نجد أحداً يتقدم ويقول: أنا سأحصي نعم الله.. لأن موجبات الإحصاء أن تكون قادراً عليه، فأنت لا تقبل علي عد شيء إلا إذا كان في قدرتك أن تحصيه ولكن ما دام ذلك خارج قدرتك وطاقاتك فإنك لا تقبل عليه. علي أن الحمد لله ليس في الدنيا فقط.. بل هو في الدنيا والآخرة.. الله محمود دائما.. في الدنيا بعطاء ربوبيته لكل خلقه.. وعطاء ألوهيته لمن آمن به وفي الآخرة بعطائه للمؤمنين من عباده.. واقرأ قوله جل جلاله: »وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ»، وقوله تعالي: »دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ». فإذا انتقلنا إلي قوله تعالي : »الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، فمن موجبات الحمد أن الله سبحانه وتعالي رحمن رحيم.. يعطي نعمه في الدنيا لكل عباده عطاء ربوبية، وعطاء للمؤمن والكافر.. وعطاء الربوبية لا ينقطع إلا عندما يموت الانسان. والله لا يحجب نعمه عن عبيده في الدنيا.. ونعم الله لا تعد ولا تحصي ومع كل التقدم في الآلات الحاسبة والعقول الالكترونية وغير ذلك فإننا لم نجد أحدا يتقدم ويقول : أنا سأحصي نعم الله.. لأن موجبات الاحصاء أن تكون قادرا عليه فأنت لا تقبل علي عد شيء إلا إذا كان في قدرتك ان تحصيه.. ولكن مادام ذلك خارج قدرتك وطاقاتك فإنك لا تقبل عليه.. ولذلك لن يقبل أحد حتي يوم القيامة علي إحصاء نعم الله تبارك وتعالي لأن أحداً لا يمكن أن يحصيها. ولابد أن نلتفت إلي أن الكون كله يضيق بالانسان وأن العالم المقهور الذي يخدمنا بحكم القهر والتسخير يضيق حين يري العاصين.. لأن المقهور مستقيم علي منهج الله قهراً.. فحين يري كل مقهور الانسان الذي هو في خدمته عاصياً يضيق. واقرأ الحديث القدسي لتعرف شيئاً عن رحمة الله بعباده.. يقول الله عز وجل: »ما من يوم تطلُع شمسه إلا وتنادي السماء، تقول: يا رب، ائذن لي أن أسقط كِسفًا علي ابن آدم؛ فقد طعم خيرَك، ومنع شكرك، وتقول البحار: يا ربِّ، ائذن لي أن أُغرق ابن آدم؛ فقد طعم خيرك، ومنع شكرك، وتقول الجبال: يا رب، ائذن لي أن أُطبق علي ابن آدم، فقد طعِم خيرك، ومنع شكرك، فيقول الله تعالي: دعوهم دعوهم، لو خلقتموهم لرحمتوهم، إنَّهم عبادي، فإن تابوا إليَّ فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم»، »رواه الامام أحمد بن حنبل في مسنده»،تلك تجليات صفة الرحمن وصفة الرحيم.. وكيف ضمنت لنا بقاء كل ما يخدمنا في هذا الكون مع معصية الانسان انها كلها تخدمنا بعطاء الربوبية وتبقي في خدمتنا بتسخير الله لها لانه رحمن رحيم. وبعض الناس قد يتساءل : هل تتكلم الأرض والسماء وغيرها من المخلوقات في عالم الجماد والنبات والحيوان؟ نقول : نعم إن لها لغة لا نعرفها نحن وانما يعرفها خالقها.. بدليل انه منذ الخلق الأول أبلغنا الحق تبارك وتعالي ان هناك لغة لكل هذه المخلوقات.. واقرأ قوله جل جلاله: »ثُمَّ اسْتَوَي إِلَي السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ» »فصلت». إذن : فالأرض والسماء فهمتا عن الله وقالتا له سبحانه وتعالي: »أَتَيْنَا طَائِعِينَ»، ألم يعلم الله سبحانه نبيه سليمان منطق الطير ولغة النملة؟ الم تسبح الجبال مع داود؟ إذن : كل خلق الله إدراكات مناسبة له.. بل له عواطف.. فعندما تكلم الله سبحانه وتعالي عن قوم فرعون قال: »كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (25) وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (26) وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ (27) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ (28) فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ»، »الدخان». إذن: فالسموات والأرض لهما انفعال.. انفعال يصل إلي مرحلة البكاء.. فهما لم تبكيا علي فرعون وقومه.. ولكنهما تبكيان حزنا عندما يفارقهما الانسان المؤمن المصلي المطبق لمنهج الله.. ولقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : »إذا مات المؤمن بكي عليه موضعان: موضع في الأرض وموضع في السماء.. أما الموضع في الأرض فهو مكان مصلاه الذي أسعده وهو يصلي فيه، وأما الموضع في السماء فهو مصعد عمله الطيب.