أراد الحق سبحانه وتعالي ألا تمنعنا المعصية عن أن ندخل إلي كل عمل باسم الله، فعلمنا أن نقول: »بسم الله الرحمن الرحيم» لكي نعرف أن الباب مفتوح للاستعانة بالله، وأن المعصية لا تمنعنا من الاستعانة في كل عمل باسم الله لأنه رحمن رحيم، فيكون الله قد أزال وحشتك من المعصية في الاستعانة به سبحانه وتعالي لولا رحمة الله التي سبقت عدله ما بقي للناس نعمة وما عاش أحد علي ظهر الأرض.. فالله جل جلاله يقول: »وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَي أَجَلٍ مُّسَمًّي فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ» »61» »النحل» فالإنسان خلق ضعيفا، وخلق هلوعا. ورسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : »لا يدخل أحدكم الجنة بعمله إلا أن يتغمده الله برحمته، قالوا: حتي أنت يا رسول الله؟ قال: حتي أنا». فذنوب الإنسان في الدنيا كثيرة.. إذا حكم فقد يظلم، وإذا ظن فقد يسيء.. وإذا تحدث فقد يكذب.. وإذا شهد فقد يبتعد عن الحق.. وإذا تكلم فقد يغتاب. هذه ذنوب نرتكبها بدرجات متفاوتة، ولا يمكن لأحد منا أن ينسب الكمال لنفسه حتي الذين يبذلون أقصي جهدهم في الطاعة لا يصلون إلي الكمال، فالكمال لله وحده، ورسول الله صلي الله عليه وسلم يقول : »كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون» ويصف الله سبحانه وتعالي الإنسان في القرآن الكريم بقوله تعالي : »وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوه،ُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ » »34» »ابراهيم» ولذلك أراد الحق سبحانه وتعالي ألا تمنعنا المعصية عن أن ندخل إلي كل عمل باسم الله.. فعلمنا أن نقول: »بسم الله الرحمن الرحيم» لكي نعرف أن الباب مفتوح للاستعانة بالله، وأن المعصية لا تمنعنا من الاستعانة في كل عمل باسم الله.. لأنه رحمن رحيم، فيكون الله قد أزال وحشتك من المعصية في الاستعانة به سبحانه وتعالي. ولكن الرحمن الرحيم في الفاتحة مقترنة برب العالمين، الذي أوجدك من عدم.. وأمدك بنعم لا تعد ولا تحصي. أنت تحمده علي هذه النعم التي أخذتها برحمة الله سبحانه وتعالي في ربوبيته، ذلك أن الربوبية ليس فيها من القسوة بقدر ما فيها من الرحمة. والله سبحانه وتعالي رب للمؤمن والكافر، فهو الذي استدعاهم جميعا إلي الوجود، ولذلك فإنه يعطيهم من النعم برحمته.. وليس بما يستحقون.. فالشمس تشرق علي المؤمن والكافر.. ولا تحجب أشعتها عن الكافر وتعطيها للمؤمن فقط. والمطر ينزل علي من يعبدون الله ومن يعبدون أوثانا من دون الله. والهواء يتنفسه من قال لا إله إلا الله ومن لم يقلها. وكل النعم التي هي من عطاء الربوبية لله هي في الدنيا لخلقه جميعا، وهذه رحمة.. فالله رب الجميع من أطاعه ومن عصاه. وهذه رحمة، والله قابل للتوبة. وهذه رحمة. إذن : ففي الفاتحة تأتي »الرحمن الرحيم» بمعني رحمة الله في ربوبيته لخلقه، فهو يمهل العاصي ويفتح أبواب التوبة لكل من يلجأ إليه. وقد جعل الله رحمته تسبق غضبه. وهذه رحمة تستوجب الشكر، فمعني »الرحمن الرحيم» في البسملة يختلف عنها في الفاتحة، فإذا انتقلنا بعد ذلك إلي قوله تعالي: »الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ » »2» فالله محمود لذاته ومحمود لصفاته، ومحمود لنعمه، ومحمود لرحمته، ومحمود لمنهجه، ومحمود لقضائه، الله محمود قبل أن يخلق من يحمده، ومن رحمة الله سبحانه وتعالي أنه جعل الشكر له في كلمتين اثنتين هما: الحمد لله.