قرار جمهوري بشأن إصدار اللائحة التنفيذية للهيئة القومية للاستشعار من البعد وعلوم الفضاء    جامعة بنها الأهلية تختار مديري البرامج بالكليات    "دفاع النواب": 30 يونيو منعطف تاريخي أظهر معدن الشعب المصري وشجاعة السيسي    سعر الدولار في 9 بنوك مع نهاية تعاملات الخميس    لمنع التلاعب.. محافظ المنيا يشكل لجنة للإشراف على توزيع الأسمدة للمزارعين    يديعوت أحرونوت: عودة جيش الاحتلال لحي الشجاعية تثير تساؤلات بإسرائيل    مباراة العودة بين بايدن وترامب.. كروت ونقاط ضعف المرشحين لرئاسة أمريكا    أخبار الأهلي: الأهلي يضع شرطًا للموافقة على رحيل أليو ديانج    كلمة السر ولاد العم.. مباحث قنا تكشف غموض جثة المحور    زوجها سرقها فعاقبته على غرار فيلم "المرأة والساطور".. المحكمة تحسم مصير "نصرة"    جامعة الأقصر تشترك في مشروع وثيقة التأمين الشامل على حياة الطلاب    مودرن فيوتشر يتقدم على الجونة في الشوط الأول    محافظ بني سويف يهنئ الرئيس السيسي بذكرى ثورة 30 يونيه    تخطى ال13 مليون جنيه.. إيرادات فيلم "عصابة الماكس" خلال 13 يوما    المشدد ل3 متهمين خطفوا زميل أحدهم وشرعوا فى قتله ب«المعصرة»    بائع يطعن صديقة بالغربية بسبب خلافات على بيع الملابس    برنامج التنمية المحلية يختتم تدريبًا لتكتل الفخار بمركز نقادة في قنا    أيمن الجميل: تطوير الصناعات الزراعية المتكاملة يشهد نموا متصاعدا ويحقق طفرة فى الصادرات المصرية    هند صبري تشارك جمهورها بمشروعها الجديد "فرصة ثانية"    وزير الصحة: مراجعة عدد العمليات الجراحية بكل القطاعات لسرعة الانتهاء من «قوائم الانتظار»    محافظ الإسكندرية ووزيرة الثقافة يفتتحان معرض كتاب الكاتدرائية المرقسية    رئيس هيئة الرعاية الصحية يكرم المتميزين في تطبيق أنشطة اليقظة الدوائية    وزيرة التخطيط: حوكمة القطاع الطبي في مصر أداة لرفع كفاءة المنظومة الصحية    أهم حدث سياسي في أمريكا.. المناظرة الرئاسية تحدد هوية حاكم البيت الأبيض    توقيع الكشف على 1080 حالة خلال قافلة طبية بمركز مغاغة بالمنيا    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم بالطريق الإقليمي بالمنوفية    شوبير يكشف شكل الدوري الجديد بعد أزمة الزمالك    مواجهات عربية وصدام سعودى.. الاتحاد الآسيوى يكشف عن قرعة التصفيات المؤهلة لمونديال 2026    بيراميدز يتخذ قرارًا جديدًا بشأن يورتشيتش (خاص)    الحركة الوطنية يفتح مقراته بكل محافظات الجمهورية لطلاب الثانوية وقت انقطاع الكهرباء    وفاة الفنان العالمي بيل كوبس عن عمر يناهز ال 90 عاما    "قوة الأوطان".. "الأوقاف" تعلن نص خطبة الجمعة المقبلة    هل استخدام الليزر في الجراحة من الكيِّ المنهي عنه في السنة؟    حمى النيل تتفشى في إسرائيل.. 48 إصابة في نصف يوم    برلماني: ثورة 30 يونيو تمثل علامة فارقة في تاريخ مصر    شيخ الأزهر يستقبل السفير التركي لبحث زيادة عدد الطلاب الأتراك الدارسين في الأزهر    خبير مياه يكشف حقيقة مواجهة السد العالي ل«النهضة الإثيوبي» وسر إنشائه    الشعب الجمهوري بالمنيا يناقش خريطة فعاليات الاحتفال بذكرى 30 يونيو    تفاصيل إصابة الإعلامي محمد شبانة على الهواء ونقله فورا للمستشفى    تفاصيل إطلاق "حياة كريمة" أكبر حملة لترشيد الطاقة ودعم البيئة    ضبط سلع منتهية الصلاحية بأرمنت في الأقصر    21 مليون جنيه حجم الإتجار فى العملة خلال 24 ساعة    أمين الفتوى: المبالغة في المهور تصعيب للحلال وتسهيل للحرام    كيف سترد روسيا على الهجوم الأوكراني بصواريخ "أتاكمز" الأمريكية؟    اللواء محمد إبراهيم الدويرى: التحركات المصرية فى القارة الأفريقية أساسية ومهمة    ملخص وأهداف مباراة فنزويلا ضد المكسيك في كوبا أمريكا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 27-6-2024    مقتل وجرح عدد من الفلسطينيين فجر اليوم إثر قصف إسرائيلي استهدف 5 منازل سكنية في حيي الصبرة والشجاعية شمال قطاع غزة    أماكن صرف معاشات شهر يوليو 2024.. انفوجراف    بكاء نجم الأهلي في مران الفريق بسبب كولر.. ننشر التفاصيل    ليه التزم بنظام غذائي صحي؟.. فوائد ممارسة العادات الصحية    حظك اليوم| برج السرطان الخميس 27 يونيو.. «يوم مثالي لأهداف جديدة»    طارق الشناوي: بنت الجيران صنعت شاعر الغناء l حوار    مجموعة من الطُرق يمكن استخدامها ل خفض حرارة جسم المريض    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    شوبير يُطالب بعدم عزف النشيد الوطني في مباريات الدوري (تفاصيل)    10 يوليو موعد نهاية الحق فى كوبون «إى فاينانس» للاستثمارات المالية    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنظيم "الإخوان" .. ذهب ولن يعود
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 25 - 12 - 2010

هزم الإخوان المسلمون سياسيا في عدد من البلاد العربية، وأهمها علي الإطلاق مصر، بعد أن حصلوا علي صفر مقاعد في الانتخابات النيابية لعضوية مجلس الشعب في الدورة الأولي، فقرروا الهرب من المواجهة الشعبية في الدورة الثانية، وفي أذهانهم تقديم أنفسهم أمام الناس كمظلومين يستحقون التعاطف.. هزم الإخوان في الأردن بعد أن هربوا أيضا من انتخابات مجلس النواب الأردني، وتراجع حضورهم النيابي في الكويت، وفي البحرين وفي المغرب.
هزم الإخوان المسلمون في العراق وبعد أن كانت كتلتهم النيابية في مجلس النواب العراقي نحو أربعين نائبا في انتخابات 2005 ، انحسرت إلي 6 مقاعد في انتخابات .2010 خسر الإخوان المسلمون نوابا في برلمانات العرب.. لكنهم كسبوا دعاة دينيين علي نهجهم في كل أرض نبتوا فيها.. وهذا ما ترك آثارا مخيفة في كل دار عربية، وبدل أن يكون نواب الإخوان في البلاد العربية بالمئات كما كانوا قبل خمس سنوات، هاهم دعاتهم اليوم أيضا بالمئات إن لم يكونوا بالآلاف في كل المدن والقري والأحياء والمؤسسات وفي محطات القطارات وفي الأندية والمقاهي.. نعم في المقاهي وفي الجامعات والثانويات وفي النقابات وفي المصانع، حتي طغي الحضور الثقافي الديني للإخوان ومتفرقاتهم علي كل نواحي الحياة الأخري خاصة في العلم والتنوير والثقافة والفن والأدب، وأصبح الدعاة رجالا ونساء نجوما وقادة رأي «ديني ليس إلا» أين منهم قادة السياسة والثقافة والفن وحتي الرياضة؟!
نعم..
لقد عاد الإخوان المسلمون إلي المربع الأول الذي انطلق منه مؤسسهم حسن البنا حينما ركز علي نشر الدعوة أولا في صفوف الناس، وهذا يعني أنهم نجحوا في هذا نجاحا مذهلا بكل المقاييس.. ونظرة واحدة شاملة علي وضعي مصر والعراق في ظل سيطرة مناخ التدين نجد أن هذين البلدين يكادان يدينان في ثقافتهما الطاغية إلي ما زرعه الإخوان المسلمون ومتفرقاتهم في كل جنبات الحياة في مصر «في العراق يرفد حالة التدين جماعات إسلامية أخري فيتحرك حزب الدعوة والتيار الصدري وجماعة المجلس الأعلي وغيرهم في الوسط الشعبي الشيعي - بينما يتحرك الإخوان ومتفرقاتهم في الوسط الشعبي السني».
صحيح أن الإخوان في مصر والعراق «كما في بقية الدول العربية» ظنوا خطأ أن الوقت قد حان لقطف ثمار هذا الانتشار الثقافي لدعوتهم في انتشار سياسي عاكس لقوتهم في الشارع الديني فلم يحصدوا إلا الخيبة تلو الأخري.
إلا أن هذا يعني أن المسلمين كانوا أداة طيعة أكثر لدعاة الإخوان، فتركوا لهم عقولهم، يجبلونها ويشكلونها كما أراد هؤلاء الدعاة.. لكن المسلمين أنفسهم لم يعكسوا توجههم الديني بأي التزام سياسي نحو هذه الجماعة.. لأسباب مختلفة لا مجال لشرحها هنا.
فالإخوان وجدوا لديهم ما يقدمونه في كتب التراث وفي الأحاديث وفي قراءة القرآن وفي تقديم مسائل الحلال والحرام علي كل ما عداها من قيم أخلاقية وعلمية وضميرية وثقافية، أما حين جاء وقت مواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والانتماء للوطن والالتزام بقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.. فإن الإخوان عجزوا عن إيجاد أي حل لأي مشكلة أو حتي عن كتابة أي برنامج عام لإخراج المسلمين من مشاكلهم، فرفعوا لهم شعار الإسلام هو الحل، وهو شعار جذاب نجحوا به في اجتذاب الفقراء أولا.. ثم في اجتذاب رواد المساجد ثم أندية الأغنياء ثم أوساط المهن الحرة «أطباء، مهندسين، محامين».
وحيث إن المسلمين في كل البلاد العربية كانوا قد أكلوا وشربوا وعجنوا وتلحفوا بالدين ليل نهار، صبح مساء في كل نواحي حياتهم.. وما شبعوا وما وجدوا حلا لأي مشكلة اقتصادية أو اجتماعية أو مشكلة انتماء وأخلاق وضمير.. فإنهم أسقطوا الإخوان سياسيا دون أن يشعروا أنهم خسروا شيئا.. فمائة نائب بالزايد كما مائة نائب بالناقص.. لم يتغير شيء في حياة المسلمين، فقد عشش في خلايا أدمغتهم، وعروق دمائهم ما زرعه الإخوان دينيا «ولو شكليا» وما عادت السياسة تعني لهم شيئا فليتركوها لأهلها!
وحتي لا يفهم أحد كلامنا خطأ بأن التدين الإخواني «ومتفرقاتهم» هو صحيح الدين المطلوب، أو هو القصد الذي أراده الله جل جلاله ليسود العدل والأخلاق وإعمال الضمير بين البشر.. نسارع إلي القول بأن ما نجح فيه الإخوان ومتفرقاتهم في كل دار إسلامية هو قشور الدين، حتي غدت المجتمعات العربية في ظل هذه القشور حالة فولكلورية - استعراضية - مظهرية - احتفالية في معظم حالات انتشارها.. خاصة بين جيل الشباب والشابات الذي توجه له دعاة الإخوان في كل مكان.
يقف عمرو خالد، وهو أحد دعاة الإخوان الدينيين «حتي لو انقلب أو انقلبوا عليه في السياسة» متباهيا في كل مرة أمام جمهور مأخوذ ببكائه وحركاته التمثيلية وقراءاته التي تتضخم وقائعها وأحداثها من داع إلي آخر ومن داعية إلي أخري، بأنه نجح «حتي الآن» في إقناع خمسين أو مائة أو ألف أو عشرات الألوف من الفتيات بوضع غطاء للرأس فوق رءوسهن «طبعا هو يطلق عليه لفظ حجاب وكل المسلمين والمسلمات يسمونه حجابا، وكلمة حجاب وردت في القرآن الكريم سبع مرات ولم تعن في أي آية من الآيات التي وردت فيها غطاء للرأس أبدا، فانظروا إلي جهل هؤلاء الدعاة بكلام الله.. رغم أنه وسيلتهم للسيطرة علي عقول البشر. علي كل..
يتباهي عمرو خالد «ودعاة آخرون» بأنهم نجحوا في إلزام فتيات بالحجاب.. ولم يذكر مرة واحدة، أو هو ليس من مهماته ومسئولياته أن يقنع فتاة واحدة أن تظل صادقة.. لا تكذب لمدة 24 ساعة فقط، لم يقل لنا مرة واحدة أنه أقنع فتاة واحدة أن تكون بارة بوالديها، أو أن تكف عن النميمة سواء عبر الهاتف أو في أي جلسة منزل أو مقهي أو عند صديقة أو قريبة.
لم يقل لنا عمرو خالد «وغيره من الدعاة» أنهم نجحوا في جعل فتاة واحدة حريصة علي النظافة ليس في الطرحة التي تضعها علي رأسها، بل في سلوكها في الشارع أو في المنزل أو في تعاملها مع الآخرين بدءا بوالديها ثم إخوتها ثم زميلاتها.
لقد تعمدنا سرد هذا النموذج لنصل إلي بيت القصيد: فنقول إنه في خانة الإنجاز الديني لجماعة الإخوان ومتفرقاتهم ودعاتهم، وعمرو خالد هو أحد الأمثلة، لم يلمس هؤلاء إلا القشور في المجتمعات الإسلامية وما غاصوا، وما هم بقادرين علي لمس الجوهر الإنساني ليسهموا في تغييره نحو الأفضل.. فلم يكن هذا همهم يوما.
ارتدت فتيات مصر والعراق الأغطية فوق رءوسهن وسادت اللحي والزبيبة أو الزبيبات فوق جباه ورءوس الفتيان، وكثرت البسملة والأدعية وإن شاء الرحمن مئات المرات في اليوم، وعقدت جباه وحواجب المتدينين علي عبوس دائم ضد انفراجة الوجه كمظهر ديني فولكلوري، وما عدنا نجد مكانا أيام الجمعة لجالس داخل المساجد، فانتشرت الحصر في الشوارع تقطع الطرقات علي الآخرين، ولعلعت أصوات خطباء الجمعة. في إجماع علي التحذير من عذاب القبر، وجهنم في الآخرة، ونار تصلي وتكوي ولا تبقي.. حتي لتظن أن المصلين ما أن يخرجوا إلي الشوارع بعد هذا الغذاء الناري، حتي تتداعي قلوبهم إلي الألفة، فيحب بعضهم بعضا، ويستأذن بعضهم الآخر بالمرور بسيارته، بل ويدعوه إلي مشاركته الغداء ويتوقف التاجر منهم عن الغش في الميزان، ويمتنع الشاب عن التحرش بأي فتاة، ويتوقف الطالب عن عمل برشام في الامتحان ويعطي صاحب المحل أو المؤسسة حقوق العمال ولا يسخرهم أو يسخرهن 12 ساعة عمل دون راحة.. ويندفع الجميع نحو مجتمع مثالي إسلامي هو امتداد بعد انقطاع لمجتمع المدينة المنورة إن لم يكن في عهد الرسول العربي الكريم ففي عهود خلفائه الراشدين.
عشرات السنين وهذا الفولكلور الديني الاستعراضي المظهري الاحتفالي يسود في المجتمعات العربية، فما هي نتائج هذه السيادة؟ هل تحسنت أخلاق المسلمين عما كانت في الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي أو قبل أن يخرج عفريت الإخوان المسلمين ومتفرقاتهم من عقاله؟
ما كان في مدن مصر كلها فتاة تضع غطاء رأس في الجامعة أو في الثانوية أو في المشغل أو في المصنع أو في الدوائر الحكومية، أو في المحلات التجارية أو في الأندية أو في الشارع أو في وسيلة نقل إلا ما ندر ومع هذا كانت الأخلاق أرقي، والسلوكيات أنقي، وما كنت تجد متحرشا في الشارع إلا ماندر، وإذا كان عاكس فتاة فبلغة فيها من خفة الدم ما لا يؤذي «حتي لو كانت المعاكسة مرفوضة» وكان كل من في الشارع يحشد للفتاة ويؤنب المعاكس.
ما كنا نقرأ عن كمية الغش التي تسود العلاقات بين المسلمين «ومع الآخرين» كما هي سائدة اليوم في كل شأن من شئون العلاقات بين البشر، في التجارة في الأندية، في الرياضة، في الصحافة، في وسائل المواصلات.
كانت حياة الناس أكثر استقامة وثقة.. قبل أن تدهمها ثقافة الحلال والحرام.. فبات الأخ سجانا لأخته خوفا من انحرافها أو انحراف جارها نحوها وإذا أراد أن يريح نفسه فعليه أن يلزمها بوضع الغطاء علي رأسها.. فإن وجد اهتزازا مستمرا في شخصيته ألزمها بالنقاب، فإذا ظل إيمانه ضعيفا ألزمها أن تضع نظارة علي عينيها لمنع خروج الشهوة عند أي شاب يشاهد هاتين العينين أو أن تلتقي النظرات في الشارع!!!
في ظل ثقافة الحلال والحرام والغطاء والنقاب تحول الشباب المسلم العربي والمصري والعراقي واللبناني والسوري والمغربي واليمني والخليجي.. في نظر هؤلاء المتجلببين بالدين فولكلورا أو جهلا أو انعدام ثقة بالنفس، إلي وحوش فالتة كاسرة خارجة لتوها من الغاب، بل بات المجتمع كله كأنه غابة تسود فيها الوحوش، وما علي هؤلاء المتجلببين بالدين إلا أن يشهروا سلاح الحلال والحرام كي يحموا أعراضهم وشرفهم.. فليكن الغطاء ثم النقاب ثم منع الاختلاط ثم الفتاة عورة كلها صورة وصوتا.
وليت هؤلاء المتجلببين بالدين يكونون علي مستوي نموذجي في الأخلاق أو السلوك المستقيم.. كي يفرضوا احترامهم علي الآخرين فيعتبروهم نماذج تقتدي.. إنما هو الرعب من أن يري شاب شقيقته أو حبيبته أو أن يشم عطرها إن بالغت ووضعت قطرة منه فتراه هو في معظم الأحيان، مطلق البصر يبحث عن منظر يرضي شهوته أو يستفزها، أو متحرشا بأي فتاة حتي لو كانت محجبة أو منقبة.
في استطلاع جريء أجرته السيدة «المحجبة» نهاد أبوالقمصان منذ أكثر من سنتين «ربما عام 2008» ونشر في كل الصحف المصرية تقريبا تبين أن أكثر من 60% من اللواتي يتعرضن للتحرش هن من المحجبات.. والأخطر من هذا هو تراجع السلوكيات في الشارع العربي «والمصري» مع سيادة المناخ الديني الذي زرعه الإخوان المسلمون ومتفرقاتهم، فعدم احترام القوانين هو عنوان ثابت في هذه السلوكيات، والصراخ والضوضاء عنوان آخر، والشتائم والألفاظ البذيئة علنا وبأعلي الأصوات وأنكرها، عنوان ثالث، أما العنوان الرابع فهو غياب المصطلحات الأخلاقية أو المعنوية، فقد انقرضت كلمة شكرا ليحل محلها عبارة ماشي، وما عاد الرد بتحية صباح الخير أو مسائه جاهزا إلا أن نقول السلام عليكم فربما نجد ردا.. ومناقشة البائع في سعر سلعته محرم، والسائقون «من الفقراء والأغنياء والأطباء والقضاة والسباكين والجزارين» يملكون الشارع كله.. كل بمفرده، لا مرور لأحد قبله، لا طريق لسيارة أخري يتجول في كل الحارات، في الشارع دون إشارة أو حتي مد يد، وويل لعابر الطريق خاصة إن كانت امرأة أو رجلا مسنا فعليه أن يهرول وهو «أو هي» عاجز، وإلا صدمه، وهو المحقوق.
وبعد كل هذه السلوكيات المستنكرة.. إذا نودي للصلاة نري معظمهم يتجلببون التقوي والورع وإغماضة العيون ومسح الرءوس ويركضون نحو المسجد في هدنة مع الانتقام ليقولوا لله... يارب نحن نؤدي فروضك وأنت شاهد حتي إذا فرغوا عادوا إلي ممارسة الإرعاب والإرهاب السلوكي ضد خلق الله.
تعالوا إلي الأخطر
مع سيادة مناخ التدين الإخواني ومتفرقاته، تراجعت الأخلاق.. وتراجعت اللغة العربية لغة القرآن.. اقرأوا هذه الواقعة:
عقد في الفاتيكان في شهر أكتوبر 2010 المجمع المسيحي المقدس «سينودس» لمطارنة وبطاركة المشرق العربي، وأقر في برامجه الحالية والمستقبلية تعزيز وضع اللغة العربية.. نعم العربية. أين؟ في الفاتيكان، وفي كل المدارس والبعثات والكنائس والأديرة، في أي بلد عربي ينتمي رجال الدين المسيحي إليه.
تعزيز اللغة العربية في الأوساط العربية المسيحية وتهديد اللغة العربية في الأوساط العربية الإسلامية.. إنها المفارقة الكارثة.
تتراجع اللغة العربية مخاطبة ومحادثة وتعليما واعتمادا في التسميات واللافتات والمحلات والشركات.. في المدارس وفي الجامعات والمعاهد وفي المصارف وفي المفردات اليومية وحتي في المطاعم التي تحتاج إلي مترجم كي يقرأ لك مضمون طبخة قد تكون المسقعة أو الملوخية بالأرانب، أو فطيرة السمك.
تتراجع اللغة العربية في الإعلانات التي بات معظمها بلغات أجنبية.
تتراجع اللغة العربية في نقاشات المحطات الفضائية والأرضية، فيحاول متحاورون الحديث بلغة القرآن فتبدأ كوارث الأخطاء في القواعد، وتحريك الكلمات والأحرف فتجد نائبا حاليا أو سابقا، فنانا، أو مثقفا أو أستاذ جامعة إذا تحدث بالعربية الفصحي يرفع المجرور وينصب المرفوع، حتي يطحن عظام سيبويه في قبره أربعين مرة في كل حلقة.
تفتيت المجتمعات العربية
وأسوأ ما نجحت فيه جماعة الإخوان المسلمين ومتفرقاتها «كما الجماعات الشيعية الفارسية» هو تهديد النسيج الاجتماعي الوطني داخل كل وطن عربي - وإسلامي - وانعكاس هذا التهديد بالتفسخ داخل الطوائف والمذاهب علي امتداد الوطن العربي والعالم الإسلامي.
لم تنجح إسرائيل طيلة 62 سنة في التسلل إلي النسيج الوحدوي الإسلامي العربي، لكن الجماعات الإسلامية السنية والشيعية عملت في تفتيت هذا المجتمع نيابة عن إسرائيل بوعيها أو بدونه.
هكذا حصل في العراق البلد العربي الموحد الذي اشترطت الجماعات الإسلامية الشيعية المعارضة وضع مقاييس مذهبية لتقاسم السلطة أولا بين السنة والشيعة.. والأكراد، ثم وبسبب الاحتلال الأمريكي وبمشروع إيران الفارسي التوسعي وفي غمرة الرعب الأمريكي من القاعدة وقاعدتها السنية، قفزت الجماعات الشيعية الفارسية إلي السلطة في بلاد الرافدين، وفي نصب أعينهم مشروع تفتيت العراق إلي أقاليم كردية سنية - شيعية كخطوة أولي نحو مزيد من الإمارات الإسلامية، وهو حلم إسرائيلي سابق تنفذه إيران بدعم من وبالجماعات الإسلامية التابعة لها. ومازلنا نلعن الغرب
مازال خطباء المساجد ومن يسمون أنفسهم الكتاب المسلمين، ووسائل إعلام عديدة وحتي العديد من المثقفين يتحدثون عن أهم الفوارق بين المسلمين وبين أهل الغرب فيجعلون الأخلاق عنوانا إسلاميا ويجدون الانحلال عنوانا غربيا، ويستدلون علي ذلك بتفكك العلاقات الأسرية والجهر بالشذوذ الجنسي، بل وتشريعه والاحتفال به مع إباحة الزواج بين مثليي الجنس.
كل هذا صحيح ومستنكر ونحن لا نجادل فيه أبدا رغم أن المعجم النفسي الأمريكي DESM تراجع عن اعتباره مرضا وبات منذ العام 1994 يعتبره خيارا خاصا بصاحبه، وباتت كل دول الغرب تقريبا تبيحه ولم تعد تتعامل معه كمرض.
لكن..
وخارج هذه المصيبة الغربية يجب أن يبحث المسلمون والمتمسلمون عن عناوين أخري للتفوق علي الغرب والتميز عن أهله.
يجب أن يبحث المسلمون عن الصدق عنوانا مهما للتميز لأنك إذا اعتمدت مقياسه عنوانا للتقدم جاء الغربي أكثر صدقا بما لا يقاس عن المسلم رغم أن أهم صفات رسول المسلمين الأكرم هي الصدق والأمانة ويبدو أن المسلمين باعوا الإنتاج كله منه إلي الغرب وما حفظوا منه إلا الكتب التراثية منذ مئات السنين.. وإذا بحثت عن الاستقامة.. تقدم وضوح الغربي وصراحته علي نفاق المسلم واحتياله.
وإذا بحثت عن إعمال الضمير في سلوك الغربي تقدم علي الراحل الأكبر من ضمائر المسلمين. وإذا تحدثت عن الحريات التي جعلها الغربي عنوانا لتقدمه، لم يقدم المسلمون خلال قرون من السنين إلا الاستعباد المجبول بالدين، والإمبراطورية العثمانية كاستمرار للدولة الإسلامية العامة، نموذج أكثر بشاعة لم تورث العرب إلا التخلف والاستعمار وظاهرة التجزئة التي ما كانت يوما موحدة في ديار المسلمين «محمد علي في مصر، فخر الدين في لبنان، اليمن مستقلاً وفي جحور الظلام، الجزيرة العربية بين عزلة الصحراء ومغانم الاستعمار».
وليس أدل علي عظم الفوارق بين المسلمين والغرب، وأهله، من أن ملايين المسلمين من كل أصقاع الأرض خاصة في آسيا وأفريقيا يتسابقون بل يلهثون ويركبون الصعاب والأمواج للوصول إلي أي بلد غربي طلبا للعمل الذي يعز عليهم في بلادهم، وطلبا للعلم الذي سبقنا الغرب إليه بما لا يقاس، وطلبا للحرية التي نسي المسلمون أصلها في بلادها، وطلبا للعلاج، رغم تسابق المسلمين للطب النبوي الذي ظنوا التسمية فيه كافية لمناقشة الطب النووي في الغرب.
وهكذا
لم يسبقنا الغرب في العلم والتنوير والنور والتقنية وتقديم الدواء وصناعة الطائرة وتوفير السيارة وأحدث وسائل الاتصالات والمرئيات.. بل الأهم أن هذا الغربي سبقنا في الأخلاق وفي إعمال الضمير، وفي إتقان العمل «يردد المسلمون ليل نهار قال الله وقال الرسول، ومن ضمن الأقوال قول النبي العربي الأكرم: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه.. ثم يصدرون هذا الكلام بأكمله حتي يفرغوا مخازنهم منه ليتلقفه الغربي فيعمل به، ولا يبقي لنا إلا الغش والتزوير».
كان أمام العرب والمسلمين قبل خروج عفريت الجماعات الدينية، الإخوان المسلمين، الإسلام الفارسي، ومتفرقات هذا وذاك فرص حقيقية للتقدم والاستنارة مع ثبات في الأخلاق والصدق والقيم الإسلامية الأصيلة. لكن مظاهر التدين الفولكلوري الاستعراضي، ورايات الحلال والحرام، بدل رايات العلم والتنوير والثقافة والمعرفة حذفت من حاضر العرب لأربعين سنة خلت كل ما تم بناؤه منذ أوائل القرن العشرين ومازالت مجموعات المتمسلمين تمني العرب والمسلمين بدولة إسلامية عامة خليفة للخلافة الإسلامية في تركيا، دون أن يعملوا العقل والفكر والذهن للحظة في مصير هذه الدولة ومصائرنا تحتها، ودون أن يكون لديهم للحظة نباهة رؤية وريثة هذه الامبراطورية دولة تركيا الحديثة وأسباب تقدمها.. بل والحلم الذي يراه هؤلاء المتمسلمون كلما خرج من تركيا الحالية إنتاج كتب عليه صنع في تركيا، فيصرخون مباهاة هذا إنتاج إسلامي، وهم في جهل من عالمية الإنتاج وعناصره التي تكمل بعضها بعضا، فهذه قطعة من اليابان وتلك من أمريكا وتلك من أوروبا أو الصين أو البرازيل أو روسيا.. وأين مساهمة العرب والمسلمين.. أين العرب والمسلمون: مازال بعضنا لاهيًا بالمسواك وآخر يحف جبهته بالحصيرة وكثيرون في مخازن الكتب يستسلمون للجهل والتخلف والظلام والعمي في البصيرة كلام سلف خاطب به أهله منذ مئات السنين ويصر هؤلاء علي استحضاره ليحكمنا به، رغم ما فعله بأجداد الأجداد، وأسلمهم به إلي الحاضر الغريب.
إنها السلطة
لم تنشغل جماعة الإخوان المسلمين ومتفرقاتها والجماعات الأخري سنية أو شيعة، طيلة تاريخها الطويل بغير هدف الوصول إلي السلطة بالقوة المسلحة أو بالقوة الناعمة استنادا إلي جمهور محلي أو إلي قوة غربية غاشمة سرا وعلانية، بفرض الجزية بعد عرض الإسلام علي أهل بريطانيا أو بمال بريطانيا ودعم أمريكا في باكستان وأفغانستان.
السلطة عند هؤلاء هي غاية المني، هي الغاية قبل الوسيلة، هي الانتقام من كفر المجتمع، هي التعويض المادي والمعنوي والثقافي ينتزعونه من الناس والبسطاء منهم تحديدا أو محدثي النعمة أو المبالغين في غِّيهم مقابل حملات تضليل باسم الدين، وتجهيل باسم السلف.
لذا
لا حاجة للأخلاق إذا اعترضت طريقهم نحو السلطة، لا داعي لمواجهة العدو إذا سمح لها بإقامة إمارة في غزة، فليكن، حلفا مع الشيطان الأكبر إذا أسقط صدام حسين في العراق وأسقط الطالبان في أفغانستان فالمهم أن تبقي السلطة في أيدي الملالي في إيران.
نعم
هزم الإخوان المسلمون ومتفرقاتهم سياسيا.. لكنهم نجحوا في هزيمة المجتمعات العربية والإسلامية ودحرها إلي قعر عميق، يحتاج إلي ثورات تنوير أحدث وأشد مراساً وأصعب من تلك التي عرفها هذا الشرق مع رفاعة رافع الطهطاوي ومع قاسم أمين ومع هدي شعراوي ومع لطفي السيد وطه حسين «قبل أن يكفروه» والشيخ محمد عبده وسلامة موسي.. وجمال عبدالناصر.
رئيس تحرير مجلة الشراع اللبنانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.