تقول النكتة إن رجلا يجالس صديقا له بمقهى بحى شعبى بادره بغضب واستياء وازدراء متهما إياه بانعدام النخوة والرجولة ووصفه بأنه رجل «ديوث» يفرط فى عرضه وكرامته بل إنه يسىء إلى كرامة الرجال من أهل شارعهم كله حيث إنه يتغاضى عن علاقة آثمة تربط بين زوجته وبين «إبراهيم الكهربائى».. تلك العلاقة التى فاحت رائحتها وذاعت وانتشرت فى الحى كله دون أن يحرك ساكنا وينتقم لشرفه المهدر، وخاصة أن تلك العلاقة الشائنة تتم فى منزله بل فى الشرفة جهارا نهارا وعلى مرأى ومسمع من الجميع، فما كان من هذا الزوج «الديوث» إلا أن باغته معقبا فى برود وسخرية وبلادة: بتقول «إبراهيم الكهربائى».. طيب لعلمك بقى الواد ده لا كهربائى ولا بيفهم حاجة فى الكهرباء. والنكتة طبعا تعكس آفة واضحة من آفات سلوك الشخصية المصرية وهى التغافل عن كل ما هو جوهرى وأصيل وأساسى وموضوعى ورئيسى فى القضية المثارة واستبداله بكل ما هو هامشى وفرعى وسطحى وجانبى فى مناورة خبيثة للالتفاف حول موضوع الحدث ودلالاته وآثاره بغية صرف النظر والانتباه عن أهميته وخطورته.. ومغزاه الحقيقى. وتكشف النكتة أيضا عن التغييرات التى أصابت التركيبة الاجتماعية والنفسية للشخصية المصرية وما تمارسه من نفاق وانحناء وتجنب للمواجهة والإيمان بسد الأبواب فى وجه الريح حتى تستريح.. وهو ما تعبر عنه «د.عزة عزت» فى كتابها المهم «التحولات فى الشخصية المصرية».. بتأكيدها أنه من الآفات المجتمعية المستحدثة اتخاذ أسلوب «الطناش» منهجا فى الحياة حتى إن الشباب ابتكروا ثلاثية تقول «طنش تعش تنتعش» كحل يسعد ويبعد المرء عن المواجهة بكل أشكالها والتجاهل للأمور الجالبة للمتاعب أو مجرد إعمال الذهن واتخاذ موقف سلبى من كل شىء تأكيدا للأنانية والأنا مالية المتفشية فى التعامل بين الناس حاليا. استلفتنى ثلاثة أمثلة صارخة لعدم المواجهة والتخلى والالتواء والالتفاف حول القضية المثارة وإحالة أسباب المشكلة إلى ما يبعدها عن حقيقة الداء فى محاولة للهروب بالتمسك بالقشور أو إبعاد الأنظار عن أبعاد المشكلة الحقيقية. المثال الأول.. تلك المظاهرات التى ينظمها نشطاء إسلاميون آخرها المظاهرة الحاشدة بعد صلاة الجمعة الماضية للمطالبة بالإفراج عن «كاميليا شحاتة» زوجة القس «سمعان» كاهن «دير مواس» والتى ترددت أنباء عن احتجازها فى إحدى الكنائس بعد أن أشهرت إسلامها.. حيث دعا مئات المتظاهرين إلى ما أسموه محاكمة قيادات الكنيسة لإصرارهم على رفض خروج «كاميليا» إلى وسائل الإعلام لإظهار الحقيقة والاكتفاء بنفى شائعات إسلامها وتأكيد تمسكها بالمسيحية مرددين هتافات مثل «إسلامية.. إسلامية.. هانخليها إسلامية.. لا شرقية ولا غربية».. و«يا كاميليا همك همى.. ودمك دمى» و«سيبوا كاميليا حرة طليقة لنولعها حريقة». إن القضية الخطيرة والأساسية هنا هى تخطى السلطة الدينية حدود دورها الروحى والدينى وممارسة دور الدولة المدنية والأجهزة الأمنية باعتقال مواطنة مصرية داخل أسوار دير أو كنيسة وسحق إرادتها وحريتها ومنعها من ممارسة حياتها الإنسانية، كما تريد فى تعد سافر وتحد مباشر للقانون الوضعى ولحقوق المواطنة وحقوق الإنسان.. هذا بصرف النظر عن كونها مسيحية أسلمت أو مسلمة تنصرت أو يهودية أو بوذية أو لا دين لها.. فهى إنسانة أولا.. ومصرية ثانيا.. تخضع لقانون مصرى ودستور لا يحكمه تمييز طائفى وكان أولى بمنظمات حقوق الإنسان والمنظمات النسائية أن يقوموا بتلك المظاهرات الغاضبة.. لكن الأمر عولج فى النهاية على طريقة نكتة الواد «إبراهيم الكهربائى». المثال الثانى.. لقاء «فاروق حسنى» وزير الثقافة ب«محسن شعلان» رئيس قطاع الفنون التشكيلية المحكوم عليه بالسجن ثلاث سنوات فى قضية سرقة «زهرة الخشخاش» للفنان العالمى «فان جوخ» رغم الاتهامات التى تبادلها الطرفان طوال الفترة الماضية ورحب الوزير بتعيينه مستشارا فئة «أ» بالوزارة «كمكافأة وتكريم له عن إهماله واستمراراً لسياسته فى أن «يشيل عنه بلاوى»، وانشغل الجميع منذ تلك اللحظة بالإجابة عن أسئلة عديدة ومختلفة مثل: مدى قانونية تعيين «شعلان» مستشارا رغم صدور حكم ضده.. وهل هذا من حق الوزير أم لا؟! وهل فى أمر التصالح بين «الوزير» و«الموظف» صفقة مريبة»!! .. وما هى تلك «البلاوى» التى يحجبها الوزير عن صديقه اللدود؟! أما اللوحة المسروقة «القضية الأساسية» فقد توارت وتراجعت إلى خلفية المشهد والأحداث.. ولم تعد تشغل أحدا.. بل أصبحت مسألة ثانوية لا قيمة لها على طريقة نكتة الواد إبراهيم الكهربائى.. المهم هو التئام شمل الصديقين وإزالة ما عكر صفو تلك الصداقة الجميلة فى زمن انقرض فيه الوفاء بين الأصدقاء انقراض الغول والعنقاء.. إن تلك الصداقة الجميلة الخالدة هى أسمى ما فى الوجود الإنسانى.. أسمى من ملايين «زهرة الخشخاش» ومن إبداعات فان جوخ كلها.. ولم لا والفنان «شعلان» قد أبدع «60» لوحة فى محبسه تعبر عن محنته وإحساسه الطاغى بالظلم وغدر الوزير والأيام.. وهى لوحات تعبيرية ساذجة تشبه رسوم الهواة التى كانت تنشرها مجلة «صباح الخير» فى ركن الرسامين زمان. لكنها قطعا من وجهة نظره ومن وجهة نظر الوزير لوحات رائعة تعبر عن معاناة حقيقية لفنان خلف الأسوار وليس مجرد رسم طبيعة حية لزهرة فى آنية أكد «شعلان» نفسه أنها لوحة «زبالة». ونحن فى انتظار أن يفتتح الوزير قريبا معرض الفنان «محسن شعلان» وتسقط «زهرة الخشخاش».. ويعيش الواد «إبراهيم الكهربائى». المثال الثالث.. الحديث الذى تورط فيه الكابتن «أحمد رفعت» عضو مجلس إدارة نادى الزمالك واللاعب السابق الذى كان يطلق عليه الناقد الكبير «نجيب المستكاوى» لقب «أحمد اضرب» فى اللقاء التليفزيونى مع الرياضى «مصطفى عبده» تورطا فاحشا حينما تحدث عن لاعب متمرد مدللا على استهتاره وتسيبه وتخلفه عن التدريبات بتفضيله اللقاء الجنسى مع زوجته الحسناء عن البقاء فى المستطيل الأخضر.. بينما كان من المفترض أن يناقش بموضوعية وبتحليل علمى الأسباب الحقيقية لمشاكل مجلس الإدارة والجهاز الفنى وعلاقة اللاعبين بأجهزة التدريب.. وخطط اللعب واللياقة البدنية وسياسة التعاقد مع اللاعبين.. هذا فى نفس الوقت الذى قرر فيه اللاعب منع زوجته من حضور التدريبات والمباريات والظهور الإعلامى بدلا من أن يسعى إلى رفع مستواه الفنى بالتدريب الشاق الجاد.. و... يعيش إبراهيم الكهربائى!