الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء جديدة لمناطق في الضاحية الجنوبية لبيروت    البنتاجون: أمريكا لم تتلق إخطارا مسبقا عن الضربة الإسرائيلية في بيروت    وزير الخارجية: تهجير الفلسطينيين خط أحمر ولن نسمح بحدوثه    جوميز: الزمالك ناد كبير ونسعى دائمًا للفوز    هيئة الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الأسبوع الجاري    مايكروسوفت تتصدى لهلوسة الذكاء الاصطناعي    وفاة زوجة الفنان إسماعيل فرغلي.. تعرف على موعد الجنازة    تعرف على آخر موعد للتقديم في وظائف الهيئة العامة للكتاب    المتحف المصري الكبير نموذج لترشيد الاستهلاك وتحقيق الاستدامة    ضياء الدين داوود: لا يوجد مصلحة لأحد بخروج قانون الإجراءات الجنائية منقوص    «الأصيلة المحترمة».. مجدي الهواري يوجه رسالة رومانسية لزوجته دنيا عبدالمعبود    حسام موافي: لا يوجد علاج لتنميل القدمين حتى الآن    عاجل - "الصحة" تشدد على مكافحة العدوى في المدارس لضمان بيئة تعليمية آمنة    وزير الخارجية: الاحتلال يستخدم التجويع والحصار كسلاح ضد الفلسطينيين لتدمير غزة وطرد أهلها    المثلوثي: ركلة الجزاء كانت اللحظة الأصعب.. ونعد جمهور الزمالك بمزيد من الألقاب    جامعة طنطا تواصل انطلاقتها في أنشطة«مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان»    صحة الإسكندرية تشارك في ماراثون الاحتفال باليوم العالمي للصم والبكم    من الأطباء إلى أولياء الأمور.. «روشتة وقائية» لعام دراسي بلا أمراض    حياة كريمة توزع 3 ألاف كرتونة مواد غذائية للأولى بالرعاية بكفر الشيخ    إعلام عبري: صفارات الإنذار تدوي في صفد ومحيطها    وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    نائب محافظ قنا يتابع تنفيذ أنشطة مبادرة «بداية جديدة» لبناء الإنسان بقرية بخانس.. صور    جوميز: استحقينا التتويج بكأس السوبر الإفريقي.. وكنا الطرف الأفضل أمام الأهلي    جوميز ثاني مدرب برتغالي يتوج بكأس السوبر الأفريقي عبر التاريخ    عمر جابر: تفاجأنا باحتساب ركلة الجزاء.. والسوبر شهد تفاصيل صغيرة عديدة    مصراوي يكشف تفاصيل إصابة محمد هاني    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال لاعبي الزمالك بالسوبر.. بيلينجهام وزيدان.. تحية الونش للجماهير    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    سعر الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات السبت 28 سبتمبر 2024    تراجع سعر الطماطم والخيار والخضار في الأسواق اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    تجديد حبس عاطل سرق عقارًا تحت الإنشاء ب15 مايو    التصريح بدفن جثمان طفل سقط من أعلى سيارة نقل بحلوان    ارتفاع أسعار النفط عقب ضربة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت    بمقدم 50 ألف جنيه.. بدء التقديم على 137 وحدة سكنية في مدينة 6 أكتوبر غدا    الوكيل: بدء تركيب وعاء الاحتواء الداخلي للمفاعل الثاني بمحطة الضبعة (صور)    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    أحمد العوضي يكشف حقيقة تعرضه لأزمة صحية    ذكرى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر.. رمز الاستقلال الوطني والكرامة العربية    «عودة أسياد أفريقيا ولسه».. أشرف زكي يحتفل بفوز الزمالك بالسوبر الإفريقي    الأنبا بولا يلتقي مطران إيبارشية ناشفيل    الوراق على صفيح ساخن..ودعوات للتظاهر لفك حصارها الأمني    عاجل - قصف إسرائيلي جديد على الضاحية الجنوبية في بيروت    جيش الاحتلال: سنهاجم الضاحية الجنوبية في بيروت بعد قليل    فلسطين.. إصابات جراء استهداف الاحتلال خيام النازحين في مواصي برفح الفلسطينية    "المشاط" تختتم زيارتها لنيويورك بلقاء وزير التنمية الدولية الكندي ورئيس مرفق السيولة والاستدامة    5 نعوش في جنازة واحدة.. تشييع جثامين ضحايا حادث صحراوي سوهاج - فيديو وصور    تفاصيل إصابة شاب إثر الاعتداء عليه بسبب خلافات في كرداسة    حبس تشكيل عصابي تخصص في سرقة أعمدة الإنارة بالقطامية    حظك اليوم.. توقعات الأبراج الفلكية اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    الشروع في قتل شاب بمنشأة القناطر    تحرك جديد.. سعر الدولار الرسمي أمام الجنيه المصري اليوم السبت 28 سبتمبر 2024    «زي النهارده».. وفاة رئيس الفلبين فرديناند ماركوس 28 سبتمبر 1989    عباس شراقي يُحذر: سد النهضة قد ينفجر في أي لحظة    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    الأزهر للفتوى: معتقد الأب والأم بضرورة تربية الأبناء مثلما تربوا خلل جسيم في التربية    كل ما تحتاج معرفته عن حكم الجمع والقصر في الصلاة للمسافر (فيديو)    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نداء لوزير الثقافة: فلتحطم تمثال «نجيب محفوظ»
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 30 - 10 - 2010

كان من دواعى الزهو والتيه والإحساس بالفخر أن أبدأ رحلتى فى التأليف الدرامى بكتابة سيناريو وحوار الفيلم التليفزيونى «تحقيق» المأخوذ عن قصة قصيرة بنفس الاسم لأستاذنا الكبير «نجيب محفوظ» والتى نشرت ضمن المجموعة القصصية «الجريمة».. وكان نجاح الفيلم من خلال ردود الأفعال الجيدة تجاهه من قبل النقاد والمتلقين فى ذلك الوقت دافعاً قوياً وحافزاً كبيراً لى على الاستمرار والتواصل واكتساب الثقة خاصة أن القصة كما كتبها أديبنا الكبير كانت صعبة التحول إلى عمل مرئى وبالتالى تمثل لى تحدياً واختباراً فى مدى قدرتى على التوصل إلى بناء درامى مختلف عن السياق المكتوب بالقصة مع عدم الإخلال بمضمونها ومحتواها الفكرى المهم فى نفس الوقت.
فالقصة بطبيعة شكلها الملغز القائم على تداخل الأزمنة والأمكنة.. ونفى منطق التتابع الذى لا يعتمد على التسلسل التقليدى والحبكة المرتبطة ببداية ووسط ونهاية ورسم الشخصيات الملتبس واختلاط مستويات الحدث، وغموض المحتوى الذى يحتوى على نهاية غريبة ويضفى على القصة كلها شكلاً عبثياً وإطاراً رمزياً يعكس كما تعكس المجموعة القصصية كلها اتجاها فريداً فى أسلوب نجيب محفوظ مغايراً لطبيعة قصصه السابقة المعتمدة على البناء الكلاسيكى المحكم.
حينما عرض الفيلم بالتليفزيون سأل الناقد «محمد صالح» الأستاذ عن رأيه ملمحاً أن السيناريست قد غير كثيراً فى أحداث القصة ورسم الشخصيات والنهاية وحول اتجاهها من قصة تنتمى إلى أدب اللامعقول إلى فيلم معقول فأكد له الأستاذ: حسناً ما فعل فقد سبق أن التزم كاتب سيناريو آخر بقصة عبثية أخرى لى هى «شهر العسل» بنفس طريقة الحكى والبناء العبثى فأغلق الناس التليفزيون.
يؤكد هذا الاعتراف أن كاتبنا الكبير كان يدرك الفروق الجوهرية بين لغة الأدب واللغة المرئية وأن القصة أو الرواية المقروءة تختلف اختلافاً كبيراً فى بنائها وطريقة سردها عن طبيعة العمل المرئى من خلال السيناريو الذى يعتمد على أدوات ووسائل مختلفة ومن ثم فإن السيناريو فن قائم بذاته ولا يعتبر كاتبه مجرد وسيط أو معد أو ناقل أو محاك للرواية الأصلية وإنما هو ينشئ عالما كاملاً يوازى عالم الروائى.. يتفق معه فى المضمون الفكرى لكنه يختلف عنه فى وسائل التعبير ولم لا.. والأستاذ مارس كتابة السيناريو والحوار لأكثر من أربعة عشر فيلماً منذ الأربعينيات.. وإن كان كما صرح للناقد الكبير «رجاء النقاش» فى كتابه المهم عنه أنه لم يكن سعيداً بكتابة السيناريو.. وأنه كان يمارس ذلك الفن كوسيلة للصرف على الأدب.. عالمه الأثير.. ويقارن بين العمل فى السينما والخلق الأدبى حيث إنه فى الأدب رب عمله لكن العمل السينمائى عمل جماعى، بالإضافة إلى سيطرة الطابع التجارى ورغبات المنتجين وأهواء الموزعين وإعادة تفعيل الأدوار تبعاً لأفكار وميول الممثل المحبوب أو الممثلة المحبوبة.
ثم أسعدنى الحظ مرة ثانية بتحويل قصته «أهل القمة» والتى سبق تقديمها فى فيلم سينمائى أخرجه «على بدرخان» إلى مسلسل تليفزيونى.. ثم أسعدنى الحظ مرة ثالثة فكتبت السيناريو والحوار لرائعته «حضرة المحترم» فى مسلسل تليفزيونى.
وكان دافعى إلى كتابة مسلسل «أهل القمة» أن صورة الفساد التى جسدها الأستاذ فى قصته.. وكما ظهرت فى الفيلم والتى توقفت عند مجرد الاتجار فى البضائع المهربة على إثر تطبيق سياسة الانفتاح.. هذه الصورة قد تفاقمت فيما بعد وتمخضت عن أشكال فساد أكثر بشاعة وتأثيراً.. فحاولت تقمص دماغ الأستاذ وأتصور كيف يمكن أن يعالج قصته بعد مرور عشرين عاما على إنتاجها فى فيلم فرأيت أن لص المحافظ ونشال الأتوبيسات «النورى» قد تحول فى المسلسل إلى رجل أعمال محترف.. حوت من حيتان الشريحة الجديدة لطبقة المليونيرات الذين يسرقون أراضى الدولة وملايين البنوك.
فى كتابه البديع الأخير «شخصيات لها العجب» يرسم الكاتب الكبير «صلاح عيسى» بورتريهات فنية لشخصيات عامة من النخب السياسية والثقافية التى اقترب منها بنحو أو بآخر.. فى فصول تجمع بين الذكريات والتراجم والدراسات والوثائق.. يحاول أن يقرأها من الداخل ويبرز ما فيها من أضواء وظلال وشجاعة وحماقة وإقدام وتراجع وعطاء وأنانية.. ويخصص فصولاً لسبع شخصيات روائية تنتمى لعالم «نجيب محفوظ» تعكس رؤيته النافذة والبصيرة لما كان يجرى على مسرح الزمان الذى أعقب ثورة يوليو.. وهذه الشخصيات هى «سعيد مهران» فى «اللص والكلاب» و«عيسى الدباغ» فى «السمان والخريف»، و«عمر الحمزاوى» فى «الشحاذ»، و«صابر الرحيمى» فى «الطريق»، و«أنيس زكى» فى «ثرثرة فوق النيل»، و«سرحان البحيرى» فى «ميرامار»، و«صبرى جاد» و«عبدالرحمن شعبان» فى «المرايا».
والحقيقة أن تحليل «صلاح عيسى» لأبعاد تلك الشخصيات الاجتماعية والنفسية والفكرية هو تحليل بالغ العمق والدلالة، فهو يسبر أغوار الشخصية بذكاء نفاذ، ويعيد قراءتها وتفسير نوازعها وتشكيل دوافع سلوكها واستخلاص معنى وجودها.. وفك ألغاز حيرتنا تجاهها وكأنه مبدعها وصانع أحداث حياتها والمسئول عما آل إليه مصيرها.. ويربط بين التركيبة النفسية للشخصيات وبين الحتمية الاجتماعية والإطار التاريخى الذى تتحرك فيه دونما أن يصدر أحكاماً أخلاقية عليها.. وبأسلوب شديد الجاذبية والإمتاع لا يخلو من طرفة ولا تنقصه سخرية رقيقة محببة.
يرى «صلاح عيسى» مثلاً فى شخصية «سعيد مهران» أنها تنويعة أخرى على ذلك النمط من اللصوص وأولاد الليل الذين حولتهم المخيلة الشعبية من قطاع طرق إلى أبطال ومن لصوص إلى مناضلين.. ويبرز التعاطف الشعبى معه - بالرغم من كونه قاتلاً مجرماً - على اعتبار أن المصريين عموماً يقدسون علاقة العيش والملح ويزدرون خيانة علاقات الصداقة والإخوة.
بقى أن أطالب مخلصاً أن يصدر قرار وزارى من قبل وزير الثقافة بتحطيم تمثال «نجيب محفوظ» المقام فى ميدان «سفنكس» - ليس استجابة لممارسات متطرفى «طالبان» أو استجابة لفتوى الشيخ «حسان» بتحريم ظاهرة التجسيم لأشخاص - ولكنه استنكار لسوء التجسيد وافتقاره إلى أبجديات العمل الفنى وأصوله ونسبه فالتمثال يبرز «نجيب محفوظ» كضرير يرتدى نظارة تخفى عينيه، ويمسك بعصا يتحسس بها طريقه، ويخلو من الجمال الفنى والقدرة على التعبير عن شخصية الكاتب الكبير.. ويعكس ضعف موهبة المثال وفقر إحساسه الفنى وجهله الفادح بقيمة وقدر ومكانة الكاتب العظيم.
ويبدو التمثال وكأنه شاهد على الإساءة لفن النحت ذاته مثله مثل تماثيل «طه حسين» برأسه الصغير كالبيضة وردائه الغريب وقدميه الحافيتين.. وتمثال «أحمد شوقى» الذى يجلس فى وضع غريب وكأنه يقضى حاجته.. ويبدو أن تلك التماثيل قد صنعها مثال واحد، ولا أدرى هل عقمت مصر من مثاليها الكبار حتى يعبث الصغار برموز ثقافتنا المعاصرة؟!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.