على بعد 500 متر من القناطر الخيرية يقع أقدم محلج للقطن فى الشرق الأوسط .. مساحته 28 ألف متر مربع، أنشئ فى عهد محمد على بالتحديد عام 1847 بعد أن شيد العديد من القناطر على امتداد النيل لتنظيم عمليات الرى فى هذه المنطقة، لاهتمامه بزراعة القطن التى ظللنا لسنوات طويلة نشتهر بها. بمرور الوقت تحول هذا المحلج الذى يتميز بطراز معمارى فريد يسمى الماروطى الذى يميز معظم كبارى ومبانى القناطر الخيرية القديمة من تحفة معمارية وفنية إلى خرابة مهجورة بعد أن توقف عن الإنتاج فى بداية التسعينيات، وبرغم أن معداته كلها مصنوعة فى إنجلترا ومر عليها أكثر من 100 سنة فإن الآثار أهملته بعد أن سجلته أثرا، تعرض لإهمال جسيم، وأصبح جسدا بلا روح، أنيق من الخارج، خرابة من الداخل، يحرسه خفير تابع لشركة الدلتا لتجارة وحلج الأقطان إحدى شركات قطاع الأعمال العام وهى القابضة للغزل والنسيج. دخلنا المحلج وكان فارغا حتى من الإداريين باستثناء اثنين موظفين بجانب محمد فرج مدير المحلج الذى قال لنا والحزن يكسو ملامحه: المحلج مغلق منذ أكثر من 13 عاما رغم أننا كنا ننتج سنويا حوالى 200 ألف قنطار من القطن فى بداية الثمانينيات، ولكن بسبب انخفاض المساحات المزروعة من القطن إلى حوالى 30 ألف قنطار تقريبا، تقلص عمل المحلج مع تحرير زراعة القطن واتجاه الفلاح إلى زراعة محاصيل بديلة بسبب التكلفة الباهظة التى يتكلفها الفدان، فالمحلج كان يضم جزءا خاصا بتخزين بالات القطن وآخر لماكينة الحلج الرئيسية وملحقاتها والتى تضم 112 دولابا للحلج وكذلك عنابر الحلج. يضيف: للمحلج مدخلان على النيل أحدهما رئيسى ويقع بين الاستراحتين الثانية والثالثة التى تمتلكها شركة القاهرة للزيوت والصابون، مسطحها حوالى 1881 مترا مربعا ،موضحا أنه قد صدر قرار من اللجنة الدائمة بالمجلس الأعلى للآثار بتخصيص 16 مليون جنيه لنزع ملكيتها من الشركة القابضة للغزل والنسيج. أما الاستراحة الثالثة فهى ملك الشركة القابضة للغزل والنسيج والملابس الجاهزة، ولم تدرجها الآثار حتى الآن إلا أنها ضمن خطة التطوير التى تقوم بها وإن كان إشرافها الكامل الآن يئول لمحافظة القليوبية التى اشترت المحلج بأكمله لتحويله لمركز عالمى للإبداع للحفاظ على تراثه الفريد من الانهيار. محمد فرج يحكى قصة المحلج الذى كان يضم ورشا خاصة بتصنيع أخشاب المحلج، فضلا عن أنه كان محاطا بحديقة فى إحدى استراحاته كانت تستخدم كإسطبل للخيول، وفى نهاية الاستراحة الأولى للمحلج كان هناك قطار مخصص لنقل بالات القطن إليه من خلال قضبان سكك حديدية خاصة بالمصنع بسبب المساحة الشاسعة التى يشغلها والتى تصل إلى 6 أفدنة، كما أن المحلج محاط بأبراج يرى البعض أنها كانت للمراقبة، خاصة لأى عدو يأتى من النيل، والتى أنشأها سعيد باشا عندما جلس على كرسى الحكم بعد وفاة محمد على لتكون محمية للبلاد من أى عدو، حيث توجد أجزاء من هذه الأبراج التى تشبه القلعة المحصنة. هناك رأى آخر يقول إن هذه الأبراج كانت للحراسة، حيث كانت تحيط بهذا المحلج كميات هائلة من الأقطان، لذلك كان بناؤها مشابهاً لأبراج القناطر الخيرية لبنائها فى نفس وقت بناء القناطر. رغم أن المحلج يضم ماكينة حلج سويسرية يرجع تاريخ صنعها لحوالى سنة 1900م وكانت تدير أكثر من مائة دولاب حلج، بل كانت تضىء القناطر الخيرية بكاملها إلا أنها مهملة، تكاد تكون خردة، والأدهى من ذلك - كما قال لنا محسن الجيلانى رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج - إننا انتهينا من صفقة بيع المحلج للمحافظة وليس من اختصاصنا البحث عن ترميمه أو إعادة تصليح معداته، وهو من ضمن 3 شركات تابعة للقابضة للغزل والنسيج وهى الوادى والدلتا ومصر لتجارة وحليج الأقطان فى مصر. وكنا قد طرحنا جزءا من أصول شركة الوادى لحليج الأقطان للبيع لتعويض خسائرها بعد انخفاض مساحة زراعة القطن وإنتاجية المحلج وبادرت المحافظة بشرائها مع مفاوضات مع وزارة الاستثمار لبيعها بسعر أقل من سعر المتر اليوم، وبالفعل تمت عملية البيع وتسليم المحلج للمحافظة. أما محسن السيد مدير عام المناطق الأثرية بقطاع الآثار الإسلامية فقال لنا :إننا سجلنا المحلج فى بداية التسعينيات وقمنا بعمل الدراسات الأثرية لترميمه لإعادة استخدام المبنى من جديد، وطالبنا بنزع ملكيته من الشركة القابضة نظراً لامتلاك المحلج على ماكينات تاريخية لو تم ترميمها من الممكن أن تصبح متحفا مفتوحا لعرض آلية تشغيل المحالج. وسنبدأ فى الإشراف على الترميم فى يناير القادم بالتعاون مع المحافظة. المستشار عدلى حسين محافظ القليوبية قال لنا: إن المحافظة تحملت شراء المحلج ودفعت فيه 36 مليون جنيه بعد أن عرضته الشركة القابضة للغزل والنسيج للبيع وقررت تحويله لمركز إبداع ثقافى عالمى تحت رعاية السيدة الفاضلة سوزان مبارك مع التحاق جزء من مبانى المحلج بمكتبة عامة . وأضاف: إنه تم إسناد عملية تطويره لشركة «المقاولون العرب» والتى أوشكت على الانتهاء من وضع تصور شامل لتطوير هذا الأثر والذى سيبدأ العمل به قريبا، وإن فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولى طرحت المبنى للهيئات الدولية والتى ستمنحنا مليون جنيه مساهمة فى عملية الترميم، فضلا عن تعاون أحد الاستشاريين الإيطاليين لوضع تصوره فى عملية الترميم . المحافظ أكد: أننا سنبقى على كافة مبانى ومعدات المحلج لتحويلها إلى مزار سياحى، فضلا عن تحويل المبنى إلى مركز عالمى للتراث مع إقامة مسرح وصالات لعرض الفنون وتجميع تراث القليوبية غير التقليدى وتوثيقه داخل المركز الجديد.