عودة الكيان المسمي بجبهة علماء الأزهر للأضواء الإعلامية تستحق التوقف طويلا لاعتبارات شتي ومتعددة أهمها أن الجبهة تحمل اسم الأزهر الشريف وتتخذ مواقف غاية في التطرف المخلوط بالإسفاف والإساءات الشخصية دون تعقيب أو تعليق من فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب. علي أرض الواقع لا يوجد كيان يسمي جبهة علماء الأزهر والتي كانت مشهرة كجمعية اجتماعية مند عام 1967 الجبهة التي كانت أقرب لكيان نقابي وخدمي يضم بعض علماء الأزهر الشريف، لكنها خاضت في التسعينيات صراعا مريرا مع شيخ الأزهر العنيد الراحل الدكتور محمد سيد طنطاوي، وكان ذلك متزامنا مع تولي أشهر أعضائها يحيي إسماعيل حبلوش لمنصب الأمين العام. وفي حين كان د. محمد عبدالمنعم البري يتولي منصب رئيس الجبهة فإن حبلوش كان هو المحرك الفعلي للأحداث. حبلوش الذي لا يخفي انتماءه لجماعة الإخوان المسلمون بدا راغبا في تحويل جبهة العلماء لكيان سياسي وقد تراوحت مواقفه ما بين معارضة شيخ الأزهر في بعض المواقف الخاصة بإدارة الأزهر الشريف سواء من حيث المناهج أو المقررات أو غيرها من القضايا التي كان يبدو مقبولا للرأي العام أن يخالف بعض العلماء الإمام الأكبر فيها حتي ولو بلغة حادة لكن الأحداث بدأت بالتصاعد الدرامي تدريجيا حتي عام 1999 حيث أصدرت الجبهة بيانا بتكفير المفكر الكبير د. حسن حنفي علي خلفية دعوته لإلقاء محاضرة في قاعة الإمام محمد عبده بجامعة الأزهر، حيث أصدر د.عبدالعظيم وزير محافظ القاهرة قرارا إداريا بحل الجبهة كجمعية اجتماعية لكن هذا لم يكن يعني اختفاء الجبهة من علي ساحة الأحداث خاصة أن مواقفها المتطرفة والمثيرة للجدل فضلا عن موهبة أمينها العام وحرصه علي التواصل مع وسائل الإعلام جعلاها في بؤرة الأحداث دائما لكن الأمور شهدت تصاعدا آخر بعد أن حول حبلوش معركته مع الإمام الأكبر لمعركة شخصية وكتب في عام 2000 مقالا عن قانون الخلع قدح فيه في حق الإمام الأكبر الذي لجأ للقضاء وحصل علي حكم بحبس الأمين للعام للجبهة لمدة عام وهو ما اضطر حبلوش للبقاء خارج مصر والانتقال للكويت ليعمل هناك كأستاذ في أحد المعاهد الإسلامية ولتبقي الجبهة في حالة خمول نسبي خاصة أن حبلوش تخلي عن منصب الأمين العام ليتولاه د. العجمي الدمنهوري وليبقي د.عبدالمنعم البري بدماثته وصوته الخفيض في خلفية الصورة. -- لكن ما يستحق التوقف عنده طويلا هو أن الجبهة عادت مند شهور قليلة عبر موقعها الإلكتروني لتثير ضجة من الواضح أنها متعمدة ولتتحرك في اتجاهات محددة وواضحة ليس فقط من حيث الانتماءات والولاءات أو الاستخدام السياسي ولكن أيضا من حيث المناطق التي تضرب فيها. وبدا مثيرا للحرج وللتساؤل أيضا أن تصدر الجبهة مجموعة من البيانات الفاضحة والتي تجمع بين الإسفاف والتطرف عقب بيان رحبت فيه بشدة بتولي د. أحمد الطيب منصب الإمام الأكبر وأثنت عليه ودعت له بالتوفيق والسداد.. وبالطبع فإن الرجل لا يلام علي هذا لكن البيانات والمواقف التي اتخدتها الجبهة بعد ذلك تستدعي تصريحا قويا من الإمام الأكبر يوضح فيه موقف الأزهر وموقفه الشخصي من الجبهة أو إن شئنا الدقة من د. يحيي إسماعيل حبلوش الذي يطلق موقعا إلكترونيا من الكويت باسم الجبهة. ولعل مطالعة مجموعة البيانات التي أصدرتها الجبهة بعد عودتها للنشاط من حيث المدح والذم والرقة والعنف وتكفير مثقفي مصر وأقباطها ومدح (أو لحس أقدام) إخوان الكويت ونشطائها وحكومتها وبرلمانها وسلفييها أيضا. -- أما من حيث الوضع الإقليمي فرئيس الوزراء التركي طيب أردوغان لايشبه أحدًا من الحكام سوي عمر بن الخطاب رضي الله عنه - ووفق بيان الجبهة - وإسماعيل هنية في بيانات الجبهة ليس رئيس حكومة ولكنه (الإمام) إسماعيل هنية في حين أن الضابط المصري ياسر فرج الذي استشهد علي حدود رفح فهو هالك وليس شهيدا! (إنها الخيانة باسم الإسلام لا أكثر ولا أقل ) كان هذا هو الموجز وإليكم التفاصيل: منذ يومين فقط أو ثلاثة أيام علي الأكثر أصدرت جبهة علماء الأزهر بيانا عن البابا شنودة - بالنسبة لي وقبل أن أجري تحليلا مضمونا لبيانات الجبهة أحاول من خلاله فهم من يحركها ويقف وراءها - كان البيان صادما من حيث اللغة والموقف والتدني، والتطرف، كان بكل المعايير بيانا لايمكن أن يصدر عن كيان يحمل اسم الأزهر حتي ولو كان كيانًا وهميًا أو شاردا بيان أقل ما يمكن معه أن يخرج شيخ الأزهر لينفي أن تكون هذه هي لغة علماء الأزهر أو طريقتهم في التعبير عن الخلاف، عنوان البيان هو (إلي نيافة الأنبا شنودة الذي طغي) وكاتب البيان يقدم لنفسه قائلا: إنه يعتقد أن رقة وسمو الخطاب مع البابا شنودة إساءة لمعالم الحق ثم يدخل في الموضوع مباشرة ليصف البابا بأنه (رضي لنفسه أن يكون رئيس عصابة صادفت من الدولة عجزا وانشغالا) ثم يمضي البيان باتهام البابا باختطاف وفاء قسطنطين وماري عبده زكي وكلتيهما زوجة لقسيس أشهرت إسلامها ثم وبأنه (يسبغ حمايته علي عشرة من القساوسة الفاسدين والمتهمين بالتحرش الجنسي والعلاقات غير الشرعية وتصوير النساء في أوضاع مخلة.........إلخ وبأنه يتستر علي القساوسة الذين يمارسون التنصير وبأنه جبر علي الخروج علي النظام ..إلخ). والحقيقة أنه من حق أي مصري أن ينتقد البابا شنودة، الحق أيضا أن هناك متطرفين أقباطا يسيئون لأقدس الرموز الإسلامية ولا مشكلة أن يخرج متطرف مسلم ليردد هذه الترهات في حق البابا لكن المشكلة الحقيقية أن تنسب هذه اللغة المتدنية لجبهة تحمل اسم علماء الأزهر دون تعليق أو إدانة من الأزهر أو من إمامه الأكبر لأن هذا ينقل الأمور إلي مستوي آخر. -- قبل بيان سب البابا شنودة كان هناك بيان أكثر شذوذا في لغته وفي مضمونه وأغلب الظن أن شذوذ اللغة وتطرف المضمون كان مقصودا من الجبهة التي تريد أو ربما طلب منها أن تعود للأضواء بأقصي سرعة، البيان صدر علي خلفية بيان آخر كانت الجبهة قد أصدرته تهاجم فيه كتاب ألف ليلة وليلة علي خلفية المطالبة بمصادرته وهو ما استدعي تعليقا من الناقد الكبير د.جابر عصفور أن يكتب في الأهرام مهاجما موقف الجبهة وعلي ما يبدو فإن الرجل رغم حنكته وسعة اطلاعه قد التقط الطعم حيث تلقفت الجبهة الرد لتصدر بيانا يصعب أن تجد له مثيلا في الانحطاط والتدني وهو بيان اتخذ من الهجوم علي د. جابر عصفور تكاة للهجوم علي الثقافة المصرية والمثقفين المصريين ولعل أكثر أجزائه أدبا هو بدايته التي تقول (بعد أن هجم القبح الشنيع علي الأمة من وزارة الثقافة والقائمين عليها هجوما أذي الأحداق وشوه كل جميل في الحياة وبعد أن استعلنت واستقوت بفجورها) أما أكثر الألفاظ أدبا في وصف المثقف الذي أصدروا ضده البيان فهو وصفه بأنه (عفوا) سفيه ومن مخنثي الوزارة وهي لغة لاتليق ولا يستخدمها عاقل إلا إذا كان مدفوعا أو مدفوعا له وقد رد د. عصفور علي البيان بما يوازيه من حيث القوة وليس من حيث الابتذال وقد تضامن معه المثقفون المصريون وإن كان هذا ليس هو الموضوع. -- علي أن كل ما عرضنا له لايفي بالغرض ولا يطلعك علي حقيقة الجبهة أنت لن تستطيع أن تصدر حكمك من حيث الاحترام أو عدم الاحترام.. علي الجبهة أو علي يحيي إسماعيل حبلوش إلا بعد أن تري البيانات الأخري التي يصدرها دون مناسبة عن الكويت حكومة وشعبا وبرلمانا ورجالا ونساء.. بيانات تختلف عن البيانات التي تصدر عن مصر والمصريين والتي تشتم الأقباط والمثقفين والضابط الشهيد وشيخ الأزهر الراحل والمستنير ولكن مع الآخرين الوضع مختلف فالنساء الكويتيات هن حفيدات الصحابيات!! ورئيس الوزراء التركي هو خليفة عمر بن الخطاب وهكذا. بيانات تكاد تبكي من فرط رقتها وشاعريتها اقرأ مثلا هذا البيان الذي صدر بمناسبة مشاركة بعض نساء الكويت في أسطول الحرية الذي شارك فيه بشر من عشرات الجنسيات والأديان بمن فيهم الأوروبيون المسيحيون والكوريون البوذيون لكن البيان اختار أن يختص الكويتيات وإحدي السيدات الكويتيات بالتحديد وأن يقول بالحرف (بعد أن سجل الله للكويت بأبنائها شرف السبق لمعالي الأمور ومواطن الفخار رجالا ونساء وبعد أن أنزل العالم إحدي بنات الكويت منزلة الصدارة في عالم الجهاد! لتكون المتحدثة الرسمية عن قافلة الشرف حتي صارت الكويت بذلك مضرب الأمثال لكل راغب وراغبة في أن يكون مع العاملين المجدين لإنقاد شرف الإنسانية)! ولا يكتفي البيان بهذا لكنه يواصل قائلا (وبذلك صار من حق الكويت علي الإنسانية بعامة وعلي أهل الإسلام عربا وعجما بخاصة أن يزجي لها الشكر علي ما قدمت من جهود سابقة نحو أبنائها) وبعد عدة عبارات مماثلة من النفاق الرخيص والحديث عن المبادئ التي تحكم يصل البيان إلي مربط الفرس قائلا (تلك المبادئ التي وجد بها الفارون بدينهم من أوطانهم أمنا وملاذا بها من قبل نذكر منهم حسن دوح وصلاح شادي ومحمد حسن العشماوي وعبدالعزيز كامل وحسان حتحوت.....إلخ) وغني عن الذكر أن الأسماء الواردة كلها هي لقيادات الإخوان المسلمون الذين فروا للكويت بعد الصدام مع ثورة يوليو ولعلهم لم يحتاجوا لربع هذا النفاق الغليظ كي يحصلوا علي فرص عمل وقتها. ولسنا في حاجة للقول إن الكويت دولة محترمة ولا ذنب للكويتيين أن وجد بينهم من ينافقهم هذا النفاق الغليظ لكن البيان السابق شيء لا يذكر بالمقارنة ببيان آخر عنوانه (إلي سليلات أم حرام بنت ملحان) تصف فيه الجبهة سيدة كويتية هي سنان الأحمد التي تزعمت النساء الكويتيات في أسطول الحرية بأنها حفيدة الصحابية (أم حرام) التي يصفها البيان بأنها كانت خالة الرسول (صلي الله عليه وسلم) ويروي كيف أن الرسول دعا لها أن تستشهد في غزوة بحرية فاستشهدت في فتح قبرص ويصف البيان السيدة سنان بأنها حفيدتها وعلي ما يبدو فإن السيدة سنان سيدة كريمة للغاية حتي إن الجبهة لم تجد إزاء كرمها سوي أن تخصص لها بيانا ثالثا ومنفردا تطالب فيه وياللعجب بأن يطلق اسمها علي الحي الذي تسكن فيه في الكويت اعترافا بمآثرها.. تخيلوا جبهة علماء الأزهر أكبر مؤسسة دينية في العالم الإسلامي تصدر بيانا للإشادة بسيدة وللمطالبة بإطلاق اسمها علي شارع الجبهة التي تصف رموز مصر بالكفر والعمالة والخنوثة.. الجبهة التي دعت الله ألا يدخل شيخ الأزهر الراحل الجنة وشمتت في الشهيد المصري علي الحدود وقالت إنه هالك وليس شهيدا، الجبهة التي وصفت أكبر مثقفي مصر بالسفاهة والخنوثة ووصفت بابا الأقباط والعرب بأنه زعيم عصابة تري أن السيدة سنان هي سليلة الصحابيات وحامية الإسلام. ولعل من اللافت للنظر أن الجبهة تضع علي موقعها صورا فوتوغرافية لعدد من كبار العلماء الراحلين والمعاصرين باعتبارهم من أعضائها وقد لفت نظري أن الموقع يضم صورا لعلماء أجلاء مثل الشيخ نصر فريد واصل وإسماعيل الدفتار ود. محمد عمارة وفي ظني أن هؤلاء مطالبون بإيضاح موقفهم مما يجري. يحيي إسماعيل حبلوش شخص مرتزق ولا يعول عليه لكن اسم الأزهر يجب أن يصان خاصة أن الجبهة تضع علي موقعها عددا من بيانات الإشادة بشيخ الأزهر الجديد تكلم يا فضيلة الإمام.. نرجوك تكلم.