"ألون حيلو".. روائى إسرائيلى شاب ربما لم يكن أحد يعرف اسمه خارج إسرائيل إلا أنه اليوم أصبح محوراً لاهتمام وسائل الإعلام بعد أن انتقد مثقفو إسرائيل روايته الجديدة "بيت دجانى" ووصفوها بأنها مضادة للصهيونية بل اتهموه شخصياً بأنه معاد للسامية. وربما تكون أول مرة يوجه هذا الاتهام إلى يهودى إسرائيلى لكنه بالتأكيد لن يقدم للمحاكمة كغيره ممن تلاحقهم نفس التهمة! رواية "بيت دجانى" رغم جرأتها إلا أنها رشحت لجائزة "سابير" للآداب بل فازت بالجائزة وقيمتها مائة وخمسون ألف شيكل إسرائيلى، لكن الدولة العبرية لم تكن لتقبل بمكافأة "حيلو" على تجرئه على الدولة، ولذلك كان من الطبيعى أن تضغط على مسئولى المهرجان الأدبى لاختلاق أى عذر لسحب الجائزة من المؤلف لكونه تمرد على دولته وانتقد رموزها، وهو ما تم بالفعل بسحب الجائزة بعد ذلك بدعوى أن رئيس لجنة التحكيم، السياسى والشاعر "يوسى ساريد" قد نشر كتابه فى نفس دار النشر المنشورة فيها الرواية، وهى دار "يديعوت سفاريم" وأن محررة رواية "حيلو" هى قريبة ساريد. الرواية الجديدة تتحدث عن بداية مجىء المستوطنين اليهود من مختلف دول العالم إلى فلسطين وكيف خططوا واستحوذوا تدريجياً على الأراضى الفلسطينية، ويعرض مؤلفها الأحداث فى شكل يوميات لمستوطن يهودى فى نهاية القرن التاسع عشر مقابل يوميات فتى فلسطينى. أما المستوطن اليهودى فهو "حاييم مرجليوث كالفاريسكى" الذى يعمل رئيساً لإحدى جماعات المستوطنين، وهو مهموم ومشغول دائماً بكيفية حيازة أراضى الفلسطينيين وطردهم والاستيلاء عليها لصالح اليهود، ويصف "حيلو" المستوطن اليهودى فى روايته بأنه كذاب ونفعى ودجال؛ يقوم بأى عمل من أجل تحقيق أهدافه كالرشوة والمناورة وغير ذلك من الأعمال المشينة التى تهدف جميعاً إلى الاستيلاء على الأرض التى يعتبرها حقه رغم أنه يحتال لكى يستولى عليها من أصحابها الأصليين. بينما تتزاحم فى ذهن الفتى الفلسطينى "صلاح دجانى" صور سيطرة المستوطنين على أرض أجداده بل وسيطرتهم على بيت عائلته الكبير أيضاً وإنشاء مدن لهم عليها، وما ينتج عن ذلك من صراع، وقد اعتمد المؤلف فى روايته على وثائق تاريخية من الأرشيف الإسرائيلى، فهو عندما يجعل الفتى "صلاح" يتخيل أن المستوطنين سيبنون فى مكان بيت عائلته ثلاثة أبراج بعد أن يستحوذوا عليه توجد اليوم فى مكان البيت نفسه الذى يقع شرق تل أبيب ثلاثة أبراج تسمى "أبراج أزريلى"، أى أن الكاتب فى روايته يعترف ضمنياً أن الأرض الفلسطينية ملك لأصحابها وأن الإسرائيليين احتلوا هذه الأرض بالضغط على الفلسطينيين وسلبوهم أرضهم وأرض أجدادهم. وقد استخدم "حيلو" فى روايته أسماء الأماكن الأصلية والتى كانت بالطبع أسماء عربية فى ذلك الوقت قبل احتلالها وتحويلها إلى أسماء عبرية لطمس معالمها، وكأنه جاء ليزيل الغبار من على هذه الأسماء ويذكر الجميع أن الأرض فلسطينية واسمها عربى وأن الاستعمار حولها إلى أرض إسرائيلية بأسماء عبرية ليمحو الهوية الفلسطينية بعد أن سرق أراضى الفلسطينيين وماضيهم. الانطباع الذى تتركه الرواية هو أن الكاتب يرى الاستيطان عملية استعمارية لا تختلف عن غيرها. و"ألون حيلو" يعتبر نفسه واحداً من مجموعة من الكتاب الجدد الذين يعيدون كتابة ما قامت به الصهيونية فى فلسطين وتصحيح أساطيرها؛ فهو يرى أن الإسرائيلى ينشأ ويتعلم أن فلسطين قبل دخول الصهاينة إليها كانت صحراء، وأن المهاجرين هم الذين جلبوا الخير للعرب القليلين الذين ازداد عددهم بعد أن هيأ اليهود فرص عمل لهم، وأنهم اشتروا الأرض منهم بتفاهم واتفاق معهم، بينما هذه كلها أساطير ويتهم المؤلف أساطير إسرائيل حول الأرض بأنها مليئة بالكذب والتزييف. ويشير "حيلو" إلى أنه لن يكون هناك حل إذا تجاهلنا الجانب النفسى من الصراع، مؤكداَ أنه على الإسرائيليين أن يعرفوا لماذا يطالب الفلسطينيون بحق العودة. ويصف حيلو حالة إسرائيل اليوم بأنها مثل قطار يسير بسرعة فى الاتجاه المعاكس. وإذا لم يعترفوا بما ارتكبوه من مجازر ومذابح ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض سيكون مصير إسرائيل هو الارتطام. النقاد الإسرائيليون أتهموا الكاتب واتهموه بمعاداة السامية وتعمد الحط من شأن الدولة العبرية من خلال التشكيك فى نشأة الدولة. وفى المقابل يرى المؤلف أن الحديث حول نشأة إسرائيل لن يضعف الدولة بل إنه يمنحها قوة من خلال التوصل إلى مصالحة مع الفلسطينيين، وفى حوار مع صحيفة "واشنطن بوست" أشار حيلو إلى أن المهاجرين اليهود الأوائل جاءوا إلى فلسطين حاملين مفاهيم استعمارية مؤكداً أنه لا يمكن لأحد أن ينكر أن المبادئ الاستعمارية هى أحد أوجه الصهيونية. ويصف حيلو فى روايته عدداً من الشخصيات الإسرائيلية مثل "دافيد بن جوريون" و"موشيه ديان" بأنهم متعطشون للحرب، وهو ما أثار الكثير من المثقفين الإسرائيليين الذين اعتبروا ذلك إهانة للدولة وتقليلا من شأنها. الروائى الإسرائيلى المعروف "أهارون ميجد" علق على الرواية منتقداً رؤية "حيلو" للدولة الإسرائيلية من الجانب الفلسطينى وليس الجانب الصهيونى، ويتهمه بتشويه التاريخ حيث أشار إلى أن البطل اليهودى فى الرواية "كلوريسكى" الذى صوره المؤلف قوادا، خائنا انتهازياً مخادعاً يسرق أراضى العرب بالخديعة ويقسو على النساء والأطفال ويسرق ثروات المزارعين المتواضعة، وكما انتقد "ميجد" فى مقاله الذى نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" وصف "حيلو" للصهاينة بأنهم مستعمرون بدلاً من استخدام كلمة مستوطنون، وهو ما وصفه بأنه استخدام لكلمات يطلقها "ادوارد سعيد" فضلاً عن تناسيه لما أسماه المثالية الصهيونية.