لاقى فيلم «كف القمر» للمخرج «خالد يوسف» هزيمة جماهيرية حيث تضاءلت إيراداته وقبل أسبوع غادر الفيلم كل دور العرض بعد أن باءت محاولات إنقاذه بالفشل حيث ذهب عدد من نجوم الفيلم إلى دور السينما مثل «جومانة مراد» و«صبرى فواز» و«حسن الرداد»، إلا أن الناس ظل بينها وبين الفيلم حالة من البرودة. أفلام المخرج «خالد يوسف» تنسب إليه فهو من المخرجين القلائل الذين يتحملون أمام الجمهور مسئولية أفلامهم نجاحاً وفشلاً وبرغم أنه حصل مؤخراً على جائزة مهرجان «وهران» فى دورته الخامسة كأفضل مخرج عربى إلا أننى أرى أن هذه الجائزة لا يمكن أن تخفف من إحساسه بالهزيمة فى شباك التذاكر وعلى الفور وجد أن الحل هو أن يعلنها صريحة مجلجلة وهى أن الفيلم فشل مثلما فشل قبل نحو 55 عاماً فيلم أستاذه يوسف شاهين «باب الحديد»، ثم أصبح بعد ذلك واحداً من أشهر أفلام السينما المصرية بل حقق لمنتجه 001 ضعف ميزانية التكلفة!! أرى دائماً أن من حق صانع العمل الفنى مهما بلغ مستواه الدفاع عن الفيلم أو الأغنية التى قدمها ومن حقه أيضاً أن يلجأ لكل الأسلحة فى تجميل بضاعته على شرط ألا يستخدم سلاحاً واحداً باتت كل الأفلام الخاسرة تلجأ إليه، إنه شماعة فيلم «باب الحديد» ليوسف شاهين.. عندما يقدم فيلما تجاريا وبرغم ذلك يخاصمه الجمهور ولا يعثر له على أثر يذكر فى دور العرض على الفور يقولون لك لا تنس أنه أثناء عرض فيلم «باب الحديد» قبل أكثر من نصف قرن رشقوا السينما بالحجارة وربما يضيفون أيضاً أفلاما رائعة أخرى مثل «شىء من الخوف» إخراج «حسين كمال» و«بين السما والأرض» إخراج «صلاح أبو سيف» لم يحققا إيرادات، وبعد ذلك صارت هذه الأفلام هى الأهم فى ذاكرة السينما ويتابعها الملايين فى كل القنوات الفضائية واستطاعت من خلال أرقام البيع أن تضمن أيضاً الملايين لمنتجيها.. نعم هذه الأفلام وغيرها حققت كل ذلك لأنها تنطوى على قيمة فكرية وإبداعية وأيضاً رهان على السينما بمختلف مفرداتها فى السيناريو والتصوير والمونتاج والأداء والموسيقى، ولهذا لم يتفاعل معها الجمهور فى البداية لأنه لم يستطع أن يفك شفرتها بسهولة ولأننا كلنا ذ لا أستثنى عددا غير قليل من النقاد- نفضل أن نتعامل مع العمل الفنى الذى ألفناه وتعودناه مع اختلاف الدرجة.. نفضل حالة التنميط الفنى التى تجعل من الذهاب لمشاهدة الفيلم أقرب إلى رحلة استجمام وليست مخاطرة استكشافية.. إلا أن هذه الأعمال الفنية التى ذكرتها وأيضاً عددا آخر من الأفلام السينمائية لم يتسع المجال لذكرها تحمل وميضاً خاصاً يجذبك إليها.. هذا الوميض فقط هو الذى يدفعك لكى تشاهدها مرة أخرى لتكتشف عمقها وبعد ذلك تصبح هى الأقرب إليك وتشعر بحنين واشتياق دائمين إليها لتعاود المشاهدة.. ولهذا اندهشت كثيراً عندما شاهدت واستمعت فى أكثر من لقاء إلى المخرج «خالد يوسف» وهو يؤكد أن النقاد بعد عشر سنوات سوف يدركون ملامح إبداعه فى «كف القمر» مثلما اكتشفوا أيضاً إبداع «باب الحديد» الذى أصبح يحتل دائماً المكانة الأفضل ليس فقط فى تاريخ «يوسف شاهين» ولكن فى كل الاستفتاءات الخاصة بالسينما العربية، فإن «باب الحديد» له مكانة استثنائية وهذا بالطبع صحيح، ولكن فيلم «كف القمر» فى نهاية الأمر صنعه «خالد يوسف» وعينه مثل أغلب أفلامه على الجمهور بل كان هو صاحب الاقتراح بعرضه بين أفلام عيد الأضحى منافساً فيلمى أحمد حلمى «إكس لارج» وأحمد مكى «سيما على بابا». معتقداً أنه سوف يتفوق عليهما إلا أن المفاجأة هى أن فيلم «أمن دولت» الذى لعب بطولته «حمادة هلال» تفوق عليه ليصبح ترتيبه الرابع والأخير!! لا شك أن فيلم «كف القمر» يحمل فكرة تعزف على وتر حساس لما نعيشه الآن وهى صناعة الديكتاتور وكيف أن الشعوب هى التى تصنعهم وهى التى تكتوى بنارهم.. الشعوب العربية على أرض الواقع استطاعت أن تتخلص من الديكتاتور بينما فى الفيلم منحه المخرج فرصة أخرى لكى يقود الشعب مجدداً.. أعتقد أن هذا السبب وحده كاف لكى تخاصم مشاعر الناس «كف القمر». «خالد يوسف» هو أخلص تلاميذ «يوسف شاهين» هذه حقيقة إلا أنه لا يحق له أن يضع فيلم «كف القمر» فى مكانة «باب الحديد». قدم «يوسف شاهين» فيلماً يحمل روح المغامرة التى لم يألفها وقتها الناس وقدم لهم «يوسف شاهين» نفسه بطلاً على الشاشة بينما هم انتظروا أن يروا نجمهم الشعبى «فريد شوقى».. كان الفيلم بمقياس تلك السنوات يسبح ضد التيار ولهذا لم يأت الناس إلى دار العرض، بينما نسيج فيلم «كف القمر» يسبح سينمائياً فى نفس المياه التى تعودها الناس فى السرد السينمائى ولكنهم خاصموه ولا أتصور أن جمهور الزمن القادم من الممكن أن يجد فى «كف القمر» ما يستحق أن يقدم له اعتذار!!