ربما لا ترسم منحنيات «المد والجزر السياسي» - خلال الفترة الماضية - بين جماعة «الإخوان» والمجلس العسكري ملامح المستقبل السياسي للجماعة - رغم تفوق حزبها «الحرية والعدالة» في المرحلة الأولي من الانتخابات البرلمانية - بنفس القدر الذي سترسمه ال«72 ساعة» التي تفصل بين موجة «التوتر الحالية» وبدء المرحلة الثانية من «الماراثون» الانتخابي (!) فالجماعة أبدت امتعاضها من تصريحات اللواء مختار الملا - عضو المجلس العسكري - للجارديان البريطانية، عن أن البرلمان المقبل لن يكون ممثلا لجميع فئات الشعب المصري، لذا فهؤلاء الذين سيتم تعيينهم لكتابة الدستور الجديد لابد أن توافق عليهم الحكومة المؤقتة.. وقررت في المقابل بحسب إعلان عدد من قادتها الانسحاب من المجلس الاستشاري قبل إعلان تشكيله (!).. لكن إلي أي مدي يمكن أن يتطور الخلاف بين الجماعة والمجلس(؟) واقع الحال.. أن هناك عدداً من السيناريوهات - مطروحة الآن بين الإخوان - هي التي سترسم إلي حد بعيد مستقبل الجماعة السياسي. أولها: أن تذهب الجماعة إلي أقصي مدي من الخلاف، متمسكة باختيار الجمعية التأسيسية المنوط بها صياغة الدستور الجديد.. وفقا لنتائج المرحلة الأولي من الانتخابات.. وهو سيناريو «تصادمي» وجد من يغذيه اعتمادا علي التغير «النوعي» في الحسابات الإقليمية والدولية خاصة أن هناك أكثر من رسالة حملتها وسائل إعلام «محلية وعالمية» من أن هناك قبولا أمريكيا وأوروبيا بوجود - شركاء إسلاميين في الحكم - بمنطقة جنوب المتوسط (الشمال الأفريقي). تنفيذ هذا السيناريو يتراجع كثيرا في ظل أكثر من متغير.. فإلي جانب أن القبول الغربي للتيارات الدينية لم يخرج عن وصفه قبولا ب«شريك حكم» لا منفرد «وحيد» بالسلطة، فإن الانتخابات البرلمانية لم تضع أوزارها بعد.. وهناك مرحلتان «حرجتان» يمكن أن تقلبا التركيبة النيابية رأسا علي عقب.. وما تم تمريره من تجاوزات دعائية وتصويتية في المرحلة الأولي يمكن ألا يتم تمريره فيما هو لاحق من استحقاقات.. خاصة مع ارتكاز الجماعة بصفة خاصة.. والتيار الإسلامي بصفة عامة.. علي توجيه «الناخب» دينيا، في مخالفة صريحة لقرارات اللجنة العليا للانتخابات المخول لها شطب المخالفين لتوجيهاتها(!).. وهو - كما تعلم الجماعة علي وجه اليقين - ما كان سببا رئيسيا في تغيير دفة العملية التصويتية لصالح مرشحي «الحرية والعدالة».. وتقدمهم حتي علي مرشحي التيار السلفي الذي يفوق الاخوان «عدديا» نحو 5 مرات (!) يضاف إلي ذلك أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة - بحسب ما كشفت عنه إدارته للبلاد خلال الفترة المنقضية - يدرك جيدا أن هناك تغيراً جذريًا في البيئة السياسية المصرية بات يرفض تماما «الإذعان» للأمر الواقع أو التنازل عن الاختيار من متعدد.. علي عكس ما كان يحدث أثناء حكم مبارك. ويعي أن هذه الأيام قد ولّت وأنه لم يعد من سبيل لتكرارها.. وهو ما دفع عددا من أعضائه إلي التأكيد أكثر من مرة - كان أحدثها خطاب المشير - من أن المجلس يقف علي نفس المسافة من جميع الأطراف السياسية.. ولا ينحاز لطرف علي حساب آخر.. وهو ما يمكن - كذلك - توظيفه (دعائيا) ضد الجماعة، وأنها تسعي للاستئثار بالسلطة «فعليا» رغم خطابها الإعلامي، الذي يسعي إلي طمأنة التيارات المدنية.. خاصة أنها في خضم انحيازها للمجلس العسكري في أوقات سابقة، شددت علي أن حزبها لن يكون حزبًا دينيًا، وأنها تقبل بمبدأ (مدنية الدولة) قبل أن تنكشف بعض (مروغاتها) حول هذا الأمر، عقب إعلان نتائج المرحلة الأولي من الانتخابات. والسيناريو الآخر أن تقبل الجماعة في هدوء أن يشارك «المجلس الاستشاري» نواب البرلمان المقبل اختيار هيئة «الدستور» التأسيسية.. ويذعن لإقرارها في النهاية من قبل الحكومة «المؤقتة». وهو موقف وإن كان سيظهر الإخوان بمظهر المستكين أمام كل من يمتلك السلطة علي غرار ما كان يحدث معها في ظل نظام مبارك.. إلا أنها - بحسب المؤيدين لهذا السيناريو - يمكن ان تستفيد من ورائه الجماعة «سياسيا» علي أكثر من جانب إذ ستضمن - نسبيا - أن تسير وتيرتها الدعائية علي نفس منوال المرحلة الأولي.. وأن تتحرر من الانطباعات السلبية التي تركتها تفسيرات قادتها «المثيرة للجدل» لمفهوم الدولة المدنية إذ ترسخ اعتقاد لدي قطاع مؤثر من الناخبين - مثل من أحجموا عن التصويت في جولة الإعادة -أن الجماعة تضمر عكس ما تبطن. ثم وهذا هو الأهم: عدم إثارة الشكوك «الغربية» حول الجماعة مرة أخري.. ويصب في نفس اتجاه الرسالة التي أطلقها مرشد الجماعة «محمد بديع» أثناء حواره مع إحدي الفضائيات من أن الرئيس القادم يجب أن يكون توافقيا بين كل القوي السياسية، حتي يريح ويطمئن - بحسب نص كلامه - المشهد الخارجي والداخلي علي حد سواء (!)، معقبا: أننا نضع في اعتبارنا الحصار الاقتصادي علي غزة بسبب صعود حماس للحكم(!). ورسالة (الطاعة) التي أطلقها بديع سبق أن تقدمتها رسائل أخري من نوعية: ''نحن لا نريد حكم مصر.. بل نريد أن نساعد ونعاون في نهضة مصر.. والمسئولية بالنسبة لنا مغارم وليست مغانم لأنها هم ثقيل لا نقدر عليه منفردين.. إلي آخره(!) لكن، هل سيبتعد الإخوان عن المشهد تماما أم ماذا(؟) الحقيقة أن هذا الأمر أقسي علي الجماعة من سجون الحقبة الناصرية (!) إذ كيف يمكنها أن تبتعد عن مشهدها - الأثير - وطرح نفسها علي الشارع بوصفها المدافع الأول عن الشريعة (؟) لذلك أمامها ورقتان مهمتان ربما تمثلان آخر سيناريوهات عبور الأزمة: الأولي أن تسعي لتوسعة دور البرلمان - علي حساب المجلس الاستشاري - في اختيار الهيئة التأسيسية.. والثانية: أن تدفع بأعضاء من المحسوبين عليها - غالبا من غير التنظيميين - لعضوية المجلس وفقا للصلاحيات الممنوحة ل«الأخير» بزيادة عدد أعضائه إذا ما اقتضت الضرورة ذلك.. فالضرورات عند «الإخوان» تبيح «المراجعات» والمحظورات.. والوقوف في المنطقة «الرمادية» بين ميدان التحرير وميدان «العباسية» (!)