تم تنفيذ الخطة التى وضعها الضباط الأحرار لحماية أنفسهم من محاولة الملك فاروق إصدار أمر باعتقالهم بعد قراءة المنشورات التى صدرت باسمهم ووزعت على جميع القوى والأحزاب.. تم تنفيذ الخطة بنجاح كبير عندما تحرك البكباشى يوسف صديق - قائد كتيبة مدافع الماكينة - من معسكر هايكستيب الذى كان قريبا من مطار القاهرة الدولى قبل الموعد المحدد فى الخطة بساعة كاملة.. واتجه إلى مركز القيادة بكوبرى القبة معتقلا فى طريقه جميع القيادات التى كانت قد صدرت إليها الأوامر بالتوجه إلى معسكراتها لحمايتها من حركة الضباط الأحرار.. واعتقل فى القيادة اللواء حسين باشا فريد رئيس أركان الحرب دون إطلاق رصاص مما جعل الشعب يطلق عليها اسم الثورة البيضاء. وكان الموقف فى القاهرة مختلفا عنه فى الإسكندرية وكنت قد تلقيت تعليمات من جمال عبدالناصر بعد مقابلتى له أمام منزله فى كوبرى القبة بعد استدعائه لى من منزلى بالإسكندرية عن طريق شقيقيه عز العرب وشوقى عبدالناصر.. وكان اللقاء قبل تحرك قوات القاهرة بساعات، وكانت تعليمات جمال عبدالناصر تقضى بعدم تحريك القوات فى الإسكندرية حتى لا يحدث أى صدام يؤثر فى مسار الحركة وكانت فى الإسكندرية قوات خاضعة للملك، وهى قوات الحرس الملكى وخفر السواحل ورجال الشرطة التابعون لوزارة الداخلية. الظاهرة التى فرضت نفسها على الأيام الأولى للثورة هى حسن استقبال الشعب لها، وترحيبه ببياناتها الأولى وتأييده للإنذار الذى وجهته حركة الضباط الأحرار. وكانت حركة الضباط الأحرار قد أرسلت وفدا إلى الإسكندرية يرأسه اللواء محمد نجيب وضم البكباشى يوسف صديق، وقائد الجناح جمال سالم ولجنة قيادة الضباط الأحرار فى الإسكندرية وتم الاتفاق بعد استشارة رجال القانون ومجلس الدولة فى الإسكندرية وإبلاغ اللجنة التنفيذية للضباط الأحرار فى القاهرة على توجيه الإنذار وتوديع الملك أثناء مغادرته مصر على اليخت المحروسة. وكان خروج الملك فاروق من مصر معزولا عن عرشه بداية النهاية للنظام الملكى وبداية النظام الجمهورى لأول مرة فى مصر نوفمبر 1954 بعد قرون طويلة من الخضوع والسيطرة العثمانية.. لم تكن ثورة 23 يوليو إلا بداية لتغيرات وطنية وقومية واجتماعية سادت مصر، وحققت إنجازات فور نجاح الثورة والتى عملت على تحقيق الأهداف الستة التى استقر عليها رأى قيادة الضباط الأحرار. والإنجازات التى تعتز بها ثورة 23 يوليو تتجسد فى تحرير مصر من الاستعمار البريطانى وتوقيع اتفاقية الجلاء بعد 72 عاما من الاحتلال.. وإقرار مجانية التعليم فى جميع مراحله بعد أن كان مقصوراً على مجانية التعليم الابتدائى والثانوى وتأميم قناة السويس وبناء السد العالى وبداية الروح القومية العربية التى بدأت مبكرة فى أول نوفمبر 1954 بمساندة الثورة الجزائرية والإعلان عن اشتعالها فى إذاعة صوت العرب وتجسدت بعد ذلك فى تحقيق الجمهورية العربية المتحدة فى فبراير .1958 وكذلك فى مساندة ثورة الشعب اليمنى بقيادة المشير عبدالله السلال فى سبتمبر 1962 وما نتج عنها من تدخلات استعمارية خارجية انتهت بعدوان 5 يونيو 1967 الذى شكل هزيمة للقوات المسلحة المصرية ولكنها لم تكن هزيمة مطلقة لشعب مصر فإن ثورة 23 يوليو لم ترفع أعلام الاستسلام البيضاء ولم تعلن عن قبول الهزيمة.. بل واصلت المقاومة منذ اللحظة الأولى فى ضرب المركب إيلات ومعركة رأس العش ودخول حرب الاستنزاف التى استمرت ثلاث سنوات وشهرين قبل فيها جمال عبدالناصر مبادرة روجرز تمهيداً لتنفيذ خطة اقتحام قناة السويس التى تحققت بعد رحيل جمال عبدالناصر فى 28 سبتمبر 1970 بحرب أكتوبر المجيدة فى 6 أكتوبر .1973 هكذا إنجازات وخطوات ثورة 23 يوليو فى صالح شعب مصر إلى أن رحل زعيمها جمال عبد الناصر يوم 28 سبتمبر 1970 واغتيل عضو مجلس قيادتها ورئيس جمهوريتها أنور السادات يوم 6 أكتوبر 1981 وتولى رئاسة الجمهورية محمد حسنى مبارك. وبدأت صفحة جديدة فى حياة ثورة 23 يوليو أدت إلى ثورة 25 يناير الشعبية..وإلى العدد القادم.