تشير التقديرات الأمريكية من مصادر متعددة الى أن الثورة المصرية سيكون لها تأثير عميق على المستويين الإقليمى والدولى بقدر ما لها من أثر عميق على المستوى المحلى، وهنا نعيد التذكير بأول تعليق للرئيس الأمريكى أوباما على الثورة المصرية حين قال إن الثورة المصرية مثال يحتذى لباقى دول العالم. فى ذات الوقت استبعد تماما عدد من التقارير الأمنية الإسرائيلية وضعها القائمون على الاستخبارات الإسرائيلية أن يكون للقاهرة أى تأثير أو دور إقليمى مستقبلى خاصة مع التداعيات السياسية أو الاستراتيجية منذ الإطاحة بالرئيس السابق ونظامه الذى ارتاحت له إسرائيل. المهم هنا ليس كيف يرانا الأمريكيون بصورة إيجابية، أو لماذا يرانا الإسرائيليون بصورة سلبية، وإنما المهم ماذا سنفعل نحن بثورتنا لكى يكون الأثر العميق المحلى إيجابيا بدرجة كافية لكى نستعيد تألق مصر وأبنائها على جميع المستويات الإقليمية والدولية. المفترض .. أن ثورة 25 يناير ستغير وجه مصر الديمقراطى وستعيد لها مكانتها، وستغير وجه التاريخ فى المنطقة وستؤثر على العالم كله بدرجات متفاوتة.. لكن ذلك يعتمد أساسا على مسار الثورة ومدى انتباه القائمين عليها إلى عدم الدخول فى مسالك فرعية تمتص الجهد والطاقة وتترك المسار الرئيسى للتشوهات التى يحدثها بعض الأفراد والجماعات الذين يسبقون الأحداث دائما فى محاولة فرض أمر واقع، أو سرقة مستقبل الشعب فى لحظة مولده الجديد. مثال التشوهات التى تحدث ما يقوم به بعض المنتمين إلى التيار السلفى حين يصرون على فتح ملفات طائفية، أو فرض آرائهم بالقوة على المواطنين، أو محاولة الاستيلاء على المساجد أو هدم الأضرحة فى الوقت الذى يجب أن تتركز فيه جهود الثورة على البناء الديمقراطى الذى يساند بناء الدولة الحديثة هو ذاته المدخل الطبيعى لكى تستعيد مصر مكانتها الإقليمية والدولية. لست بالطبع أقصد السلفيين بالذات وإنما مثالهم واضح فى الأذهان، لكن مثلهم أيضا من يضعون العربة قبل الحصان من أصحاب المطالب الفئوية ودعاة تفكيك الجهاز الإدارى للدولة، مع التسليم بحق كل هؤلاء فى أن يطالبوا ويحتجوا، لكن من الواجب تبصير الجميع بطبيعة الأرض التى يتحركون فوقها، وأن هناك ما لا يمكن عمله فى اللحظة الآنية وهناك أيضا ما يتطلب توفير موارد، وفى كل الأحوال فإن إنجاز المطالب مرهون بتحرك المجتمع نحو العمل والإنتاج وإلا فلن يجد أحد شيئا الآن أو غدا. فى اعتقادى أن المجهود الرئيسى للثوار بعد تفكيك النظام السابق وكشف فساده العميق بصورة تمنع من أى شعور بالتعاطف معه، يجب أن ينصرف إلى بناء نظام حكم مدنى ديمقراطى فى مصر يحول دون أى انتكاسة تسمح بسرقة مكتسبات الشعب من الثورة. هنا نسأل: ماذا يريد الشعب من الثورة سوى أن يستمتع بحريته المدنية ويجد فرص العمل، ويشعر بالعدالة الناجزة، ويختار حكومته التى يستطيع الثقة فيها حينما تطلب منه التضحية بشىء ما. فالمعلوم أن الحكومة المقبلة التى سيتم انتخابها بعد شهور قليلة مطلوب منها أن تضع برنامجا إصلاحيا له تكاليفه المادية ولابد من تدبير الموارد وتخصيص الأموال، ومواجهة صارمة للخروج على القانون، وغير ذلك من متطلبات الإصلاح. ليس فى وسع أى حكومة أن تتبنى برنامجا إصلاحيا إلا إذا كانت محل ثقة الناس لكى يتحملوا ما قد يتطلبه الأمر من أعباء، وأعتقد أن هذا الموضوع غائب تماما الآن رغم أن موعده قد حان، موعد المساهمة الفعالة فى بناء رأى عام مستنير يفهم ويقدر ويختار وفق معايير المصلحة ولا ينقاد وفق سياسة القطيع. أعجب كل العجب من السادة الأفاضل الذين يروجون لأنفسهم كمرشحين لمنصب الرئيس بنفس منطق النظام السابق، سوف أفعل كذا وكذا، وسوف أعطيكم كذا وكذا حين أصبح رئيسا، وكأن الثورة لم تقم أبدا من أجل تغيير المفاهيم التى تؤدى إلى حكم الفرد وتقود الشعب بسياسة القطيع. المطلوب الآن وحتى موعد الانتخابات المقبلة هو حملة وطنية لتعريف الشعب معانى كلمات القاموس السياسى للثورة حتى لا يضحك عليه أحد . يجب أن يعرف الناس يعنى إيه دولة مدنية !