سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
التجارة الدولية فى خطر.. والمشهد الملاحى مرتبك فى باب المندب.. والتضخم العالمى مرشح للارتفاع حرب الملاحة جنوب البحر الأحمر تتصاعد والاتهامات بين واشنطن وطهران تتزايد
لم تتوقف تداعيات الحرب الإسرائيلية المدمرة على قطاع غزة عند حدود القطاع الذى يتعرض للقصف المستمر منذ ما يقرب من ثلاثة أشهر، بل تخطت حدود المنطق السياسى والديموجرافى لتتلظى بلهيبها الاقتصادى منطقة الشرق الأوسط، ومعظم دول العالم التى تعانى اقتصاديا منذ أكثر من ثلاثة أعوام بسبب تفشى وباء كورونا الذى اجتاح العالم، والحرب الروسية - الأوكرانية التى ألقت بتداعياتها السلبية المريرة على الاقتصاد العالمى الذى لم يكد يتعافى من آثار كورونا، حتى داهمته تلك الحرب التى تسببت فى المزيد من أوجاع ومعاناة الاقتصاد العالمى. وجاء تهديد الحوثيين للتجارة الدولية الذى يزداد بشكل كبير يومًا بعد الآخر بسبب الهجمات المتزايدة على السفن المارة فى خليج عدن ومضيق باب المندب ليعمق من الأزمات الاقتصادية المتراكمة والتى باتت آثارها فوق قدرة الشعوب على تحمل تبعاتها، فبعد دخول مضيق باب المندب جنوبالبحر الأحمر على خط الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة، علقت كبرى شركات الشحن البحرى رحلاتها عبر البحر الأحمر خشية تعرض السفن لاستهداف جماعة الحوثيين، وهو ما ينذر بخطر تعطيل سلاسل التوريد والإمداد العالمية التى تمر عبر البحر الأحمر وقناة السويس التى يمر عبرها أكثر من 40 % من التجارة الدولية، وتؤدى دورًا حيويًا فى سوق الطاقة العالمية وقطاع النقل.
ومنذ السابع من أكتوبر الماضى أطلق الحوثيون وابلا من صواريخ كروز وطائرات مسلحة دون طيار باتجاه إسرائيل، ولم تتمكن الصواريخ أو الطائرات وفشلت فى تحقيق أهدافها، وهو ما حدا بالجماعة التى تطلق على نفسها اسم «أنصار الله»، إلى استهداف عدة سفن تعبر البحر الأحمر بطائرات دون طيار وصواريخ، واختطفوا سفينة جالاكسى ليدر، على إثرها علقت شركات كبرى فى مجال النقل البحرى العالمى مرور سفنها عبر مضيق باب المندب إلى حين ضمان سلامة الملاحة فيه، ومن بين هذه الشركات، الدنماركية ميرسك والألمانية هاباغ - ليود والفرنسية سى.أم.إى.سى. جى.أم، والإيطالية - السويسرية أم. أس. سى، والبريطانية بريتيش بتروليوم، وهو الأمر الذى استدعى تحركًا دوليًا تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية لحماية الملاحة البحرية والتجارة الدولية أسفر عن تشكيل تحالف عسكرى دولى يقتصر دوره على تأمين حرية الملاحة والشحن فى البحر الأحمر وخليج عدن، وهو دور ضرورى لاستعادة ثقة شركات الشحن الكبرى، يضم عدة دول تشمل المملكة المتحدة، مملكة البحرين، كندا، فرنسا، إيطاليا، هولندا، النرويج، سيشيل وإسبانيا، أعلن عنه وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن فى ختام جولة قام بها فى منطقة الشرق الأوسط الأسبوع الماضى، (غابت عنه كل من : مصر التى ترى أن حربا أخرى ستعنى الانتقال من العملية السياسية إلى عملية عسكرية أخرى قد تفسد الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط فى الوقت الحالى، والمملكة العربية السعودية بسبب رغبتها فى تجنب تصعيد التوترات مع إيران، أو تعريض جهود السلام فى اليمن للخطر من خلال الانضمام إلى أى عمل بحرى، كما أنها تستعد لتوقيع اتفاق مع الحوثيين لوقف إطلاق النار فى اليمن، كما أن نفطها يتم نقله عبر ميناء جدة بعيدًا عن مضيق باب المندب)، فهل يشكل إعلان وزير الدفاع الأمريكى عن تشكيل قوة متعددة الجنسيات لحماية التجارة الدولية رادعًا لجماعة الحوثيين؟، وهل عملية «حارس الازدهار والرخاء» التى تم تشكيلها تحت مظلة القوات البحرية المشتركة، وقيادة فرقة العمل 153 لحماية أمن الملاحة فى البحر الأحمر سوف تقضى على تهديد الحوثيين للملاحة البحرية فى خليج عدن ومضيق باب المندب؟، أسئلة تطرح نفسها بقوة بعدما علقت كبرى شركات الشحن البحرى رحلاتها عبر البحر الأحمر الشريان الأهم والأقصر لعبور سلاسل التوريدات والإمدادات العالمية، الأمر الذى معه سوف تتضاعف نسب التضخم الاقتصادى فى كثير من دول العالم وهو ما سيترك تداعيات سياسية سلبية على معظم دول العالم التى تعانى شعوبها اقتصاديا منذ سنوات بسبب تداعيات وباء كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية.
وتتهم واشنطنالإيرانيين بتزويد الحوثيين بطائرات ّمسيرة وصواريخ، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية تكتيكية، وجاء الرد الإيرانى سريعًا بأنها مستعدة لإغلاق مضيق جبل طارق والبحر المتوسط، وصعدت الولاياتالمتحدةالأمريكية من لهجتها حيال إيران فى الوقت الذى تدرس فيه اتخاذ إجراءات أكثر صرامة تشمل استخدامًا محتملًا للقوة فى ظل مواصلة الحوثيين المرتبطين بإيران هجماتهم على السفن «نصرة للشعب الفلسطينى» وسط الحرب المحتدمة بين إسرائيل وحركة حماس فى قطاع غزة، وسبق أن حذرت إيران من التعاون مع الولاياتالمتحدة ضد جماعة الحوثيين، ووصفت انضمام أى دولة للائتلاف الأمريكى لمواجهة هذه الأعمال، مشاركة مباشرة فى جرائم الكيان الصهيونى، ودافع على شمخانى، مستشار المرشد الإيرانى للشئون السياسية، عن هجمات الحوثيين ضد السفن فى البحر الأحمر، ووصفها ب«الشجاعة».
إن ضرر تهديد الملاحة البحرية فى باب المندب جنوبالبحر الأحمر سيطال الجميع، ذلك المضيق الذى اكتسب أهمية اقتصادية واستراتيجية بعد بناء قناة السويس، حيث شكل رابطًا بين البحر الأبيض المتوسط وشرق آسيا، ويختصر مضيق باب المندب (بحسب بيانات منظمة التجارة العالمية) رحلات السفن مدة 14 يومًا فى المتوسط، وفى حال فرضية غلق المضيق، منع الناقلات وسفن الشحن القادمة من آسيا أو منطقة الخليج العربى من الوصول إلى قناة السويس، سوف تحول مسارها عبر رأس الرجاء الصالح وهو ما سوف يؤثر على سلاسل الإمداد العالمية ويزيد من تكلفتها بنسبة تصل إلى 100% وفق معظم التقديرات وهو مايزيد من أزمة الغذاء ويربك أسواق الطاقة فى العالم، وبحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، فإن نحو 10% من النفط المنقول بحرًا يمر يوميًا عبر مضيق باب المندب، وأن متوسط عدد القطع البحرية العابرة للمضيق سنويًا بلغ نحو 22 ألف قطعة بحرية، أى قرابة 60 قطعة يوميًا محملة ببضائع تقدر قيمتها بأكثر من عشرة مليارات من الدولارات يوميًا، ويتمتع المضيق بأهمية عسكرية وأمنية كبيرة، وسبق أن أغلقته مصر خلال حرب 1973
الملاحة البحرية فى خطر، والاقتصاد العالمى فى فوضى، والمشهد مرتبك فى جنوبالبحر الأحمر، والقوة متعددة الجنسيات التى شكلتها الولاياتالمتحدة سوف تعمق من الفوضى فى البحر الأحمر فى مواجهة جماعة الحوثى التى لم تفلح الضربات الأمريكية التى طالتها طيلة السنوات السابقة فى أن تحد من نفوذ الجماعة التى بسطت نفوذها على شمال اليمن، وتتمترس فى مضيق باب المندب، وتحتمى خلف سفن مخطوفة محملة ببراميل النفط والبارود، فهل تضغط الولاياتالمتحدةالأمريكية على إسرائيل لوقف العدوان على غزة بدلا من إشعال فتيل النار فى البحر الأحمر؟، إذا فعلت فسوف يكون ذلك أيسر، وأقل كلفة، وحقنًا للمزيد من الدماء.